حاوره .. محمد الباسم
مكتبة العائلة كانت مدرسته الاولى، ملأت طفولته وشبابه بما يسبق عمره آنذاك.. وضاح صائب المفكر السوري المولود عام 1954على شاطئ الفرات في مدينة دير الزور السورية، والتي قال عنها ” لم تعد حيّة اليوم”، لأسرة تهتم بالعلم والثقافة.
من جده الذي درس في الأستانة في نهايات القرن التاسع عشر، وعمل قائممقام، والذي أسّس صحيفة (الجول 1916) أول صحيفة في مدينته آنذاك ، وكتاب المعجم العربي (معجم الصائب) المحفوظة مخطوطته في مكتبة الأسد بدمشق، إلى عمه حامل شهادة الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون بباريس, إلى العم الآخر الذي كان أول طبيب في المنطقة الشرقية عام 1929، إلى العم الآخر وهو الأديب سعد صائب الذي أغنى المكتبة العربيّة بعشرات الكتب والمؤلّفات.
المفكر وضاح صائب معه الهندسة من جامعة دمشق، وشهادتين في إدارة المشاريع والاقتصاد الهندسي من الولايات المتحدة، ورئيساً للجالية السوريّة بين العامين 2000 – 2006 في الكويت .. ليعود ثانية الى بيته في دمشق، متفرّغاً للبحث والكتابة.
بعد أن كثرت الأسئلة حول التشدد و صعود التطرف الديني، ودعوات التحرر من سطوة السلف وتحديث الفكر الديني .. أسئلة من هذا النوع الإشكالي وغيرها حملناها إلى المفكر السوري وضاح صائب , فكان هذا الحوار:
* في كتبتك , “وأد الأنثى” و “انتصار ابي سفيان صراع الدين والسياسة”
و”قتل الاسلام وتقديس الجناة”,
كشفت فيها عن حقائق خطيرة زوّرها البعض ممن عاصروا ولادة الإسلام والى الآن .. هل تستطيع أن تعطي نسبة مئوية بكم الزور الحاصل في الروايات او النصوص التي تناقلها الرواة على لسان النبي”صل الله عليه وآله وسلم “؟
ـــ سأجيب مثلما أجاب البخاري حين قال أنّه اختار الخمسة آلاف ونيّف من الأحاديث في ما سمّاه “صحيحه” من أصل حوالي ستمائة ألف حديث!!!
لك أن تتصوّر هذا العدد المخيف لأحاديث وُضعت زوراً على لسان النبي، لأهداف وأغراض ليست سليمة بالقطع، بغض النظر عن سوء أو حسن نيّة البخاري في اختياراته، والتي أراها كارثيّة ومقصودة،
كما أوضحت في كتابي “قتل الإسلام وتقديس الجناة”.
* هناك الكثيرون جداً ممن يعتبرون البخاري مصدر مهم للروايات وأحاديث النبي محمد “صل الله عليه وآله ” ,
برأيك ما كان هدف البخاري في تزوير تلك الاحاديث ؟!
ـــ هدف البخاري، فيما أرى، يتناغم مع أهداف الآخرين من كتبة الحديث، مسلم، النسائي، الترمذي، ابن ماجه، ابن حنبل والباقين، وهو ذو شعبتين، الأولى أنّهم جميعاً جاءوا من وراء النهر، خراسان وما وراءها، حاملين ثقافات شعوبهم، السابقة للإسلام، والكثير من الحقد على عرب الصحراء الذين دمّروا حضاراتهم،
والثانية أنّهم وجدوا المناخ الملائم في ظل “خلفاء” لم يكن الإسلام بالنسبة لهم أكثر من مطيّة للحكم واستجلاب خيرات الشعوب الواقعة تحت السيطرة، أتحدّث عن القرن الثالث الهجري وما تلاه..
* من هذا المنطلق يتضح إنك وفي كتبك ,تحاول أن تخلق بما يمكن أن نسميه البروتستانتية الاسلامية او حركة تنويرية ضد الخرافة فيما نُسب للنبي “صل الله عليه وآله” ؟
ـــ نعم , أنا أعمل على مشروع “تنوير”، هاجسه ايقاظ العقل الذي قتله الفقهاء ووأدوه، وأسعى لكشف المهمّش والمُغطّى عليه في تاريخنا، وعرض السوءات الكبرى في فقهنا، وفي فهمنا الخاطئ للكتب المقدّسة..
ربّما أكثر من ذلك، أسعى لكسر المقدّس الموروث لصالح المقدّس الأكبر، …. العقل.
* مشروعك التنويري هل سيأخذ قالب الندوات ؟!
ـــ من خلال الكتب، وبندوات ومحاضرات في دمشق، رغم المعاناة التي نواجهها في هذا الظرف، أتفاءل كثيراً بانتشار كتابي “قتل الإسلام وتقديس الجناة”
وهو نواة المشروع، رغم منعه من الدخول حتى إلى بلدي سوريا، بعبقريّة فذّة من “القيادة القطريّة” الجاهلة.. لو بحثتَ في موقع “غوغل” لوجدت الكثيرين على امتداد “الوطن العربي” ممّن تكبّدوا عناء تصوير الكتاب ونشره على الانترنت، رغم مخالفة ذلك لحقوق النشر.. التنوير آتٍ لا محالة، وما يحصل اليوم سيعجّل به.
* نحن نعرف أن فلسطين المحتلة لا تدخلها كل الكتب ذلك بسبب الممارسات الصهيونية المتخوفة من نورانية الفلسطيني اما سوريا فلم نسمع ابداً ,
أنت وحدك لم يدخل كتابك الى سوريا, أم هي ظاهرة طبيعية ؟
ــ في الواقع لست متأكّداً مَن مِن الكتّاب الآخرين قد مُنعت كتبهم من التداول، لكنّي حين مُنع كتابي المطبوع في بيروت، من دخول سوريا، وجّهت كتاباً إلى الجهة المتحكمة قلت فيه:
طالما أنّ حزبكم قد فشل في انتاج مفكّرين جادّين على امتداد فترة حكمه، فلِمَ تغلقون الأبواب أمام مفكّرين تنويريين جادين، في حين تمتلئ مكتبات البلد بالكتب الصفراء، من مثل “تلبيس ابليس”
و “عذاب الميّت في القبر” وأمثالهما؟..
مأساتنا لا تقف عند الموروث الأسوَد الذي يحكمنا فكريّاً، بل تمتد إلى الأنظمة الحاكمة التي تعمل على تجهيلنا لتيسير السيطرة والاستلاب للجموع الغافلة.
* هل تعتقد أن سطوة السلف البخاريِّ مثلاً على المتنفذين, هي سبب الخوف من كتابك الفاضح لما يعتقدون؟
ـــ ربّما، وهذا ما أسعى لكسره… إلامَ نعيش في جلابيب هؤلاء؟
أليس العقل هو هبة الله الكبرى،
قبل الشرائع والأديان؟
* قلت انك كنت رئيساً للجالية السوريّة بين العامين 2000 – 2006 وبعدها تفرغت للبحث والكتابة , ألم تراودك فكرة الدخول في السياسة السورية , على اعتبار انك مؤهل أو أحقُ من غيرك .؟!
ـــ لقد كنت طرفاً حين عملت مع غيري على تأسيس تنظيم الجالية، وكتابة نظامها قبل انتخابي رئيساً لها، ويعرف السوريّون هناك صراعي اللاحق مع السفارة دفاعاً عن حقوقهم..
السياسة في هذا الشرق الجاهل ينقصها الكثير من الشرف والأخلاق، يا صاحبي… ولست نادماً لتفرّغي لما هو أهم من السياسة العابرة، أنا هدفي هو التنوير.
*يبدو إنك مستاء؟
ـــ الشرق بائس ويعاني من ممارسات “معاوية” هذه الممارسات قائمة منذ زمن معاوية ابن ابي سفيان ، ومعارضتي لا تقف عند الأنظمة، هي للفكر السائد، فالأنظمة تزول طالت أم قصرت،
أمّا الفكر فهو مقتلنا، أو خلاصنا..
* كمفكر سوري ومطلع على ما يجري من أحداث كيف تقرأ المشهد السوري اليوم؟ وماهي رؤياك للقادم ؟
ـــ في العام 2006 نشر مركز الدراسات الاستراتيجيّة في البنتاغون مقالاً وخرائط لمنطقتنا بعنوان “حدود الدم” حول تقسيم المنطقة من باكستان إلى المغرب على أسس عرقيّة ودينيّة ومذهبيّة، وحيث أنّنا لا نقرأ، فقد تحقّق جزء من هذا المخطط، والباقي قادم ، لست من أنصار نظريّة المؤامرة، فهم أعلنوها في الصحف، ونحن خدمناهم بتنفيذها مجّاناً وبحماس ودم، لي مقال تجده على موقع “قضايا” في صفحتي بعنوان ” أمريكا والربيع العربي،
الربيع الأمريكي” يجيب على سؤالك.. القادم يتوقّف على وعينا، أو جهلنا.
* كأنك تريد أن تقول أن “النصرة و داعش” وغيرها من الجماعات التكفيرية جزء من المشروع ؟ وامريكا تدعم لتمرر ما نشره مركز الدراسات الإستراتيجية آنذاك ؟!
ـــ بالقطع، لا نظريّاً فحسب، فالوقائع أثبتت ذلك، والعاقل مَن يقرأ، لا من يحلم، لكنّ دور داعش والنصرة ومشتقاتهما قارب على انجاز مهمته، وقارب الزوال… الأهم أنّ داعش ومثيلاتها وفكرها أيقظ العقل المسلم حول مصداقيّة الرهان على نظام ديني، كائناً ما كان هذا الدين، ولي بحث هو جزء من مخطوطة كتاب سيصدر قريباً بعنوان
“الخروج من السبات”،
البحث عنوانه “هل ستضمحلّ الأديان السائدة في القرن الواحد والعشرين”، اليوم أرى ذلك أقرب.
* وضاح ممتعض من السلفية !؟
ـــ أليست هي سبب مقتلنا؟؟ كم قرناً آخر نحتاج لندرك ذلك؟
* هل إستطعت أن تصنع صياغة او مفهوم جديد في تصحيح المشوه في المنقولات عن الرسول “صل الله عليه وآله” ؟
ـــ وجدت السنونوة عصفوراً ممدّاً على ظهره، ورافعاً رجليه نحو الأعلى، سألته: ماذا تفعل؟ قال: سمعتُ أنّ السماء ستطبق على الأرض. قالت: وهل ستوقفها برجليك الضعيفتين، أيّها البائس؟ قال: أنا أفعل ما عليّ…
التنوير في تجربة الغرب بدأ بسبينوزا وتبعه الآخرون، والجماهير اليوم أكثر وعياً من أسلافها، رهاني في محلّه الصحيح، ربّما لن أشهد خواتيمه، لكنّك وجيلك ستفعلون.
الايمان علاقة شاقوليّة بين العابد والمعبود..
وعلينا ان نلتزم بشروط قبول الآخر.
* ماذا تقول لمن إنخرط في صفوف الجماعات الإرهابية التي تظن أن الإسلام في صفها ,
وانه مجاهد لا محال ؟
ـــ هو مغرّر به، لا لعبقريّة الذين استخدموه، ولكن لثقل الموروث الأسود الذي وجد آباءه عليه.. هنا موقع معركتي