عندما تتحول اي لعبة الى هواية دائمة تتحول ايضا لحالة وسواسية لها طقوسها و مواعيدها وتفرض سلوكيات مشجعة للهواية وتفرض ايضا قواعداً لعدوانية موجهة ضد اي محاولة لمعاكسة تلك الهواية السرسابية تماما كالذي يمنع مسرسب الطهارة والنظافة من ان يغتسل او ان يقطع عنه الماء .
بدورها هذه السلوكيات العدوانية على علاقة بيولوجية عصبية نفسية اجتماعية ثقافية بشخصية الانسان وجهازه العصبي.
في لبنان بشكل عام الخط الأحمر لمنسوب الاستفزاز أصبح منخفضاً جدا لا يحتمل تجاوزه وذلك لأسباب متعددة أخطرها التوتر العام والذاتي للاشخاص في ظلّ تراكم الخيبات و الشعور باللاجدوى من العمل هذا ان وجد العمل! مما يؤسس لحالة احتقان توتر عارم لا تقوى النفس على تحمله فإما العدوانية ضد الآخر والمجتمع وإما ارتداد تلك العدوانية ضد الذات ليكون الانتحار او التدمير الذاتي..
احتقان التوتر العارم عند المواطنين يواكبه غياب كل منافذ تفريغ هذا التوتر والاحتقان فلا حدائق عامة ولا ملاعب رياضية ولا منتزهات حرشية طبيعية وشط البحر مصادر وضفاف الانهر لمصادر للتلوث فماذا يبقى غير التطرف في الرياضة والسياسة والدين والعائلية والحزبية كأماكن محتملة وحيدة وأخيرة لتفريغ التوتر الانساني وليس بالصدفة رفع الاعلام وتحويل الزواريب لملاعب لأنها محاولة صبيانية للتعبير عن الغضب والاحتجاج.
المشاهدون للمونديال لا يرون كرة قدم وارجل وملعب رياضي بل يشاهدون حروباً بين دول وتطاحنا لجيوش وثأراتا تاريخية بين الشعوب ويعيشون معها ميولا على علاقة برغبات السفر والهرب الى بلاد يتمنوها اوطانا لهم لأسباب كثيرة..
الاعلام الرياضي حوّل مباريات الرياضة الى مفردات عسكرو-رياضية فهناك دفاع وهجوم وتسلل والركلة قذيفة صاروخية و هز الشباك يعني هز عقر الدين او القوم او الانتماء فما علاقة رمي كرة في السلة بالتصليب وما علاقة السجود والفاتحة بالهدف ولماذا تحول اللاعبون لمصارعين أثناء اللعب!؟
جريمة الامس كان يجب ان تحصل قبل الانتخابات واثناؤها وبعدها لما شهدته الساحات من تعبئة وشحن للنفوس العصابية أصلا والذين هم بحاجة للعلاج فكيف اذا كان الكثير من الناس ذهانيين اي فصاميي الشخصية يتناولون ادوية والكثيرون محدودي الذكاء و يعانون من ضغف في النضج العاطفي!؟
جريمة الامس هي جريمة اليوم وجريمة الغد والقاتل هم قادة القوم والجلاد هو القدر ان تكون لبنانيا وعربيا …
د.أحمد عياش