ادريس هاني
في تقرير القدرة على الإرغام يدلنا الفهرست على برنامج متكامل لهذه القوة المتواسطة بين الصلبة والناعمة..حديث عن تراجع مردودية التدخل العسكري ونمو أشكال القوة غير العسكرية..بحث عن أشكال استخدام هذه القوة حيث تأتي على رأسها العقوبات الاقتصادية والحظر على الأسلحة والتكنولوجيا، استغلال المخزون الطّاقي، الاعتراض البحري ومساعدة خصوم العدو والهجوم الإلكتروني..يعتبر التقرير بأن أمريكا استعملت القوة العسكرية على امتداد تاريخ طويل لكن هذا التدخل لم يعد مثمرا ولا يحقق أهدافه حيث التطور الحاصل في القوة الدفاعية للدول أربك القوة الهجومية الأمريكية..الحروب مكلفة الثمن ضعيفة المردودية بينما ثمة خيارات أخرى تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية ترفع قدرتها على الإرغام من دون الحاجة إلى شنّ الحرب..ومما يزيد في هذه القدرة هو عولمة التجارة والاستثمار والمال والطاقة والمعلومات..ولترشيد سياسة الإرغام يمكن العمل على منع الخصوم من الوصول إلى نظام الشبكة العالمية للبنوك ومساعدة المعارضات للدول العدوة والهجوم الإلكتروني على الرغم من كلفته..فالتقرير يحذر من احتمال التعامل بالمثل لا سيما في موضوع الصين فهو يعتبر أنه من الصعب تطبيق سياسة الإرغام تجاهها نظرا لتماسكها السياسي وقدراتها الإلكترونية وحيازتها لديون أمريكية..بينما يرى التقرير إمكانية تطبيق ذلك على دول مثل روسيا وإيران..لا يزعم التقرير أنه استقصى كل الخيارات البديلة ولكنه يعتبر نفسه خطوة تحفيزية لمزيد من البحث عن تلك الخيارات..لم تعد القوة الصلبة ممكنة وإشكالاتها كثيرة لا سيما في المناطق الحرجة كالصين وروسيا وإيران، بينما القوة الناعمة تعتمد على سياسة الاستمالة بالثقافة ونشر الأفكار والديمقراطية والمساعدات..وكلها تتطلب وقتا أطول مما يتوفر عليه صانع القرار إبّان الأزمات فضلا عن أنها خلافا للقوة الصلبة التي تتجه نحو العدو مباشرة فهي تتجه نحو المحيط..إن الارغام الاقتصاد حسب التقرير إياه ليس فعلا ناعما ولكنه لا يعتمد فرض الامتثال فرضا ماديا مباشرا بل يترك للخصم الاختيار، وهنا تبدو العملية غير مضمونة تتوقف على مدى حنكة من يدير سياسة الإرغام وكذلك ضعف الخصوم..امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لأكبر نسبة من أسهم الاستثمار الأجنبي المباشرة في العالم (30 في المائة) وإحرازها المرتبة الأولى على هذا الصعيد بالإضافة إلى كون الدولار هو أساس التبادلات في أسواق المصارف والعملات والقوة الإعلامية(الشركات السبع الاعلامية الأعلى تصنيفا)، تجارة السلاح بنسبة ثلاثة أرباع مجمل ما يجري في العالم، القدرة البحرية، القدرة الاستخباراتية..كلها عناصر قوة في القدرة الأمريكية على الإرغام..
وبما أن الدول العدوة في تقدير هذا التقرير تحتاج إلى الشبكة الاقتصادية والمعلوماتية لتطوير قدراتها فهي ستجد نفسها في وضعية ضعيفة وعلى قدر من القابلية للإرغام..المسألة الدقيقة هنا من الناحية المفهومية هي أنّ هناك تداخلا أحيانا بين القوة الصلبة وقوة الإرغام..يحصل ذلك من خلال تقديم المساعدة لمعارضة الدول العدوة، فهو بتعبير التقرير نفسه شكل من القوة الصلبة بالوكالة..ويمكن أن تتحول قوة الإرغام إلى قوة صلبة، وتنجح قوة الإرغام أكثر في حالة اقتناع الدول باحتمال استخدام الحرب ضدها..ويضرب التقرير مثالا بإيران حيث تستعمل سياسة مزيجة من العقوبة المالية والتهديد بالحرب..يرى التقرير بأنّ خصوم أمريكا يملكون كما يقومون بسياسات الإرغام أيضا ولكنهم يقعلون ذلك لتحصيل منافع خاصة، لكن هذا لا يعني أنهم يمتلكون قوة إرغام تفوق قوة الولايات المتحدة الأمريكية..وهذه القوة الإرغامية هي مرنة ويسهل ضبط القوة الإرغامية أكثر مما يمكن ضبط القوة العسكرية..ويمكن استعمال الإرغام الاقتصادي بصورة مؤلمة ثم التراجع بحسب التنازل، فالقوة الإرغامية تعتمد سياسة العصا والجزرة..ولكي تتحقق أهداف السياسة الإرغامية لا بد من استمرار التواصل، ومثل هذا تحقق مع روسيا نظرا لتجربة الحرب الباردة لكن مع إيران يختلف الأمر نظرا للقطيعة التي استمرت منذ 1979..أما التقرير فهو يرى أنّ قدرة أمريكا على الإرغام تفوق سائر قدراة خصومها، وأهمها االعقوبات المالية ومساعدة المعارضة اللاعنفية للدول العدوة والهجوم الإلكتروني..يمكن أن تستعمل كل هذه القدرات بالتوازي، مع أن التقرير يتحدث عن محاذير محدودة يمكن التغلب عليها، ويبقى استعمال الإرغام الطاقي من بين الخيارات الإرغامية الأساسية التي يعتبرها التقرير واعدة..فإنتاج أمريكي من الغاز الطبيعي المسيل من شأنه أن يقلل من ضعف الولايات المتحدة الأمريكية من التحكم العربي والروسي في الطاقة، فالأمر سيتغير في المستقبل القريب حيث سيتحول التحكم بالغاز والطاقة إلى مكسب جديد في القوة الإرغامية..ففي نظر التقرير أنّ التلاعب بالغاز الطبيعي بخلاف السياسات التقليدية السايقة غير وارد في المستقبل نظرا لتزايد الإنتاج وظهور مخزونات جديدة، من شأن هذا أن يخفف من التلاعب..فالتقرير يتحدث عن سياسة الخداع العربي والروسي في هذا المجال..وهذا يعني أنّ التحولات العالمية في مجال إنتاج الطاقة سيخفف من استعمال الطاقة كعنصر إرغام ضد الولايات المتحدة الأمريكية..
.لكن في هذه السياسة الإرغامية يهمنا أن نعرف كيف تحدّث التقرير عن سياسة مساندة خصوم العدو، فهذه في التقرير تحمل عنوانا ملطّفا لكن لا توجد حدود لمساعدة خصوم الدول العدوّة، أي بتعبير أوضح دور السياسة الإرغامية في اعتماد زعزعت الكيانات ودعم الإرهاب، باعتبار أنّ صفة الإرهاب تنتهي بمجرد ما يصبح في ساحة الخصوم التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، ونظرا للحرص الشديد على عدم وضع تعريف منطقي ونهائي للإرهاب خارج سياسة الكيل بمكيالين في مناطق النزاع…..يتبع
ادريس هاني: