تضع القوى السياسية في صنعاء اللمسات الأخيرة على تشكيلة وفدها إلى مشاورات جنيف، والذي سيكون ذا طابع حكومي ـــ حزبي جامع، وسيضمّ وجوهاً جديدة لم يسبق لها أن شاركت في أي جولة من جولات التفاوض. وفي انتظار بدء المشاورات رسمياً الخميس المقبل، ترسل صنعاء إشارات متتالية إلى أنها تضع الملفّ الاقتصادي على رأس أولوياتها، في ظل الآثار المأساوية التي خلّفها قرار نقل «المركزي» إلى عدن.
على بعد 3 أيام من انطلاق الجولة الجديدة من مشاورات السلام اليمنية في جنيف، تَكَثّفت الاتصالات السياسية في العاصمة صنعاء من أجل إقرار النسخة النهائية للوفد التفاوضي الذي سيتوجّه إلى المدينة السويسرية، في وقت واصل فيه المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الذي وصل السبت إلى الرياض، آخر لقاءاته التمهيدية قبيل الجلوس إلى طاولة التفاوض. وعلى رغم إبداء الطرفين استعدادهما لحلحلة الملفات التي ستشكّل محاور المشاورات، لا يزال تشاؤم يطغى على الأوساط المتابِعة لعملية إعادة إطلاق المحادثات، خصوصاً في ظلّ استمرار التصعيد العسكري على أكثر من جبهة.
ودخلت المباحثات بين القوى السياسية في صنعاء، أمس، مراحلها الأخيرة، مع تحديد حركة «أنصار الله» أسماء مُمثِّليها في الوفد التفاوضي، الذي سيضمّ 12 شخصاً، مُوزَّعين مناصفةً على «أنصار الله» و«حزب المؤتمر الشعبي العام»، الذي أقرّت لجنته العامة، أول من أمس، المشاركة في مفاوضات جنيف، بعد تلقّي رئيس الحزب، صادق أمين أبو راس، دعوة من قِبَل المبعوث الأممي لحضور المفاوضات، في خطوة أثارت امتعاض بقية الأجنحة «المؤتمرية» المُوزَّعة ما بين الرياض والقاهرة. ووفقاً لمصادر مطّلعة من صنعاء، فإن «أنصار الله» حرصت، هذه المرة، على تطعيم وفدها بوجوه حكومية وحزبية جديدة (من حكومة الإنقاذ والحلفاء)، ترجمةً لما كان الناطق باسم الحركة، محمد عبد السلام، أعلنه من أن «الوفد الوطني» لن يكون حزبياً، بل مُمثِلّاً لحكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى بكل ما يضمّانه من مكونات. وأوضحت المصادر أن حصة «أنصار الله» ستشمل، إلى جانب عبد السلام، نائب وزير الخارجية في حكومة الإنقاذ حسين العزي، ووزير الأشغال العامة والطرق والقيادي في الحراك الجنوبي (الموجود في صنعاء) غالب مطلق، كمفاوضين رئيسين، مشيرة إلى أن اكتمال تشكيلة وفد صنعاء ينتظر تحديد «المؤتمر» لأسماء مُمثِّليه، في ظلّ معلومات عن أن قائمتهم ستشهد تغييراً كبيراً، خصوصاً أن الرئيس السابق لأعضاء «المؤتمر» المفاوضين كان الأمين العام (سابقاً) للحزب عارف الزوكا، الذي قُتل مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح إبان أحداث كانون الأول/ ديسمبر الماضي. وبيّنت المصادر، كذلك، أن وفد صنعاء سيضمّ، أيضاً، امرأة لم يتحدّد اسمها بعد.
في المقابل، أعلنت حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، أمس، اكتمال استعداداتها للمشاركة في محادثات جنيف. وأعاد وزير الخارجية في حكومة هادي، خالد اليماني، خلال لقائه المبعوث الأممي في الرياض، التذكير بما ستتمحور حوله المحادثات، قائلاً إن «الحكومة اليمنية ستتعامل بإيجابية مع كل الأفكار المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء، وآلية صرف رواتب موظفي القطاع العام». ملفان يمثّلان، كذلك، أولوية لدى «أنصار الله»، التي أبدت تكراراً استعدادها لحلحلة مسألة أسرى الحرب، مُتّهمةً «التحالف» ـــ لا سيما الإمارات ـــ بعرقلة أي عملية تبادل بين الأطراف المحليين، ودعت مراراً إلى تحييد مؤسسة البنك المركزي عن الصراع. لكن هذه المرة أيضاً، وعلى رغم «الإيجابية» الملحوظة في تصريحات مسؤولي الحكومة الموالية للرياض، لا تبدي «أنصار الله» وحلفاؤها تفاؤلاً، خصوصاً في ما يتصل بالشقّ الاقتصادي، إذ إن حكومة هادي تطالب بتحويل العائدات المالية والضريبية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة إلى البنك المركزي في عدن، وهو ما لا يمكن سلطات صنعاء القبول به بالنظر إلى حجم الفساد المهول داخل «الشرعية» من جهة، وحقيقة ما تؤكده التجربة من جهة أخرى من أن حلفاء الرياض وأبو ظبي نكثوا بوعدهم بتحييد رواتب موظفي الدولة من تبعات النزاع، وحوّلوا لقمة عيش اليمنيين إلى أداة ضغط على «أنصار الله». وما يضاعف من تلك المخاوف هو توارد معلومات عن أن «الشرعية» ستحاول، خلال مشاورات جنيف، استغلال التدهور المتواصل في سعر العملة اليمنية من أجل طلب قرض تمويلي من المؤسسات الدولية بقيمة 3 مليارات دولار.
هذا في ما يتصل بالملفات الإنسانية التي ستبحثها مشاورات جنيف، أما على مستوى الملف الأمني ـــ السياسي الذي يُفترض أن تُمهّد له هذه المشاورات الأرضية، فلا يبدو إلى الآن أن ثمة دفعاً دولياً حقيقياً، ولا سيما من قِبَل الإدارة الأميركية، في اتجاهه. صحيح أن آخر التصريحات تفيد بأن «الجميع يعمل كل ما باستطاعته لإقناع الأطراف (…) بالتخلي عن الاستراتيجية العسكرية والجلوس لإجراء محادثات سياسية»، وفقاً لما نقلته أمس «فرانس برس» عن مصدر دبلوماسي، إلا أنه من غير الواضح إن كانت السعودية والإمارات، اللتان تمتلكان قرار الحرب والحصار، مشمولتَين بأولئك الأطراف. كما أن الولايات المتحدة، التي لا تفتأ تؤكد تشجيعها الجلوس إلى طاولة التفاوض، لم يبدر منها حتى اليوم ما يؤشر إلى ضغوط جادة على حليفَيها من أجل وقف العدوان، والإيعاز إلى القوى المحلية المقاتلة تحت لوائهما بتهدئة الجبهات توطئة للحوار السياسي.
احتجاجات غاضبة تعمّ مدن الجنوب
شهدت مدينة عدن (جنوبيّ اليمن)، أمس، إضراباً عاماً وتظاهرات غاضبة، احتجاجاً على تدهور سعر صرف الريال اليمني، وارتفاع الأسعار. وقَطَع عشرات المحتجين الشوارع الرئيسة في مديريات المعلا والشيخ عثمان والمنصورة وخور مكسر والشعب والبريقة، مردِّدين شعارات مندِّدة بتردّي الأوضاع المعيشية في مناطقهم الخاضعة لسيطرة «التحالف». وشهدت محافظات لحج والضالع وشبوة، هي الأخرى، احتجاجات مماثلة، توازياً مع إغلاق المحالّ التجارية. وجاءت هذه التحركات بعدما هبط سعر العملة المحلية إلى مستوىً قياسي جديد، مُسجِّلاً أكثر من 600 ريال للدولار الواحد. وعلى رغم تسبّبها في أضرار بالغة، إلا أن الحكومة الموالية للرياض واصلت طباعة الأموال من دون غطاء نقدي، في ظل عجزها عن التصرف بالوديعة السعودية في البنك المركزي. وعلّق الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، أمس، على ما يجري بالقول: «الاحتلال يشعل حرب العملة، ويفاقم الأوضاع الاقتصادية على كل الشعب، في ظل انتهازية مفرطة لدى أطراف داخلية ظنت أن الأجنبي الطامع عبارة عن جمعية خيرية، فلم تحصل حتى على فتات دولة».
* الأخبار