علي بن مسعود المعشني
تابعتُ منذ أيام خلتْ، ولعدة أيام، القمَّة الصينية-الإفريقية ببكين، والتي حضرها رؤساء دول ورؤساء حكومات مُمثلين لكافة الأقطار الإفريقية، والتي تتكوَّن من جدول أعمال شاملة للقارة الإفريقية من قبل الشريك الصيني الواعد، وفي إطار مشروع الحزام والطريق، والذي أطلقته الصين مؤخرًا، ويشمل 64 دولة حول العالم ولغاية اليوم.
ومشروع الحزام والطريق الذي أطلقته الصين، مؤخرًا، للعالم، يُمثل المشروع الثاني للمارد الصيني بعد مشروع القدمين، والذي عمل على الارتقاء بالزراعة والصناعة في الصين، وغزو الأسواق العالمية بالمنتج الصيني الذي لا يقاوم في كمِّه وسعره.
استمعتُ إلى خبير أقتصادي صيني عضو في الأكاديمية الصينية للعلوم -وهي الهيئة العلمية الاستشارية للحكومة الصينية- وهو يقول: تبين لنا في الصين أن إغراق الأسواق الخارجية من صادرات المنتجات الصينية حرم الآخرون من المنافسة وحوَّل الكثير منهم إلى مستهلكين لمنتجاتنا، لهذا فقد آن الأوان أن نبحث عن مشروع جديد يعزز من التنافسية والندية والشراكة والتكامل بين الصين وأطراف أخرى حول العالم، ثم يتمم حديثه بالقول: إن مشروع الحزام والطريق هو شراكة حقيقية بين الصين والعالم سيستفيد منه الجميع، بعيدًا عن الاحتكار والهيمنة وغياب التنافسية وتكافؤ الفرص بين الدول.
خرجت القمة الصينية-الإفريقية بجملة من التوصيات لتنفيذ وتعزيز مشروعات في القارة الواعدة بمجمل مبلغ 60 مليار دولار، تُنفقها الصين كاستثمارات متنوعة وكدعم لصناديق تنموية قائمة في قارة إفريقيا. وكانت الصين قد انطلقت نحو القارة السمراء وبقوة منذ عقدين من الزمان، مستهدفة البُنى الأساسية لعدد من الأقطار التي تمثل مواقعها أو ثرواتها مناخات مثالية للاستثمار على الصعيد الثنائي، فيما عُرف عن الصين في العهد الماوي دعمها المتواضع والخجول لعدد من الأقطار الصديقة بمشروعات مختلفة تعبر عن العلاقات بين الشعب الصيني وأصدقائه حول العالم؛ حيث تجد جسر الصداقة هنا وقصر الصداقة هناك، ومستشفى هنا وجامعة أو محطة كهرباء أو تحلية هناك. أما الصين اليوم، فلم تعد دولة عقائدية بالمفهوم السابق وفق معايير زمن ما عُرف بالحرب الباردة؛ حيث ساد الاحتراب بالعقائد السياسية والفكرية وتصديرها للعالم، بل أصبحت دولة تصدر الشراكات الاقتصادية وتعرض الاستثمارات لتحارب الفقر والبطالة والمرض والتخلف وتمارس الدبلوماسية الانسانية في أجلى صورها.
الحقيقة أنَّ كل من تابع القمة الصينية-الإفريقية ببكين، مؤخرًا، واستعراض حجم المشروعات الصينية في القارة وأثرها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ودورها الملموس في جذب الاستقرار للأوطان وتحسين معيشة الأفراد ورفع منسوب الرضا عن أوطانهم، يشعر بمدى حاجة البشرية إلى التكامل والتعاون والتقدير والاحترام المتبادل، بدلًا من الاحتراب والاستغلال البشع والإفقار المنظم الذي مارسه الغرب لعقود على القارة الإفريقية، وتسبب في تخلف نموذجي وهجرات عقول واضطرابات وحروب لا تحصى ولا تنتهي نتيجة غياب المستقبل عن الأوطان وسوداويته ووحشية الحاضر وضراوته، فقد أنعشت الصين وأستثمرت في المزارع والطرق وسكك الحديد وهيأت الموانئ وشيدت المشافي والمدارس والجامعات وخصصت المنح الدراسية الكبيرة لأبناء إفريقيا في مجالات تعليمية شتى، وحفرت الآبار في القرى والبلدات النائية، والتي حرصت على مرور الطرق وسكك الحديد في الغالبية العظمى منها لإنعاش أهلها وربطهم بالعالم والأسواق المحلية، وتحفيز أنشطتهم التجارية وترقية أنشطتهم التقليدية من رعي ماشية وزراعة وصيد أسماك وتربية دواجن ومنتجات وحرف تقليدية، لتشكل مصادر دخول لهم، وعوامل استقرار، ورغم أن التعاون الصيني-الإفريقي إنساني ونموذجي بظاهره، إلا أن جميع الأطراف يُدركون -وهم بكامل رضاهم ووعيهم- أن الصين هي المستفيد الأول، ولكن ليس الوحيد من كل هذه المشروعات، نتيجة إنفاقها الكبير ودأبها على الإنجاز، ولكن في المقابل يكفي أن الجهد الصيني سيرتقي بالقارة وأبنائها اقتصاديًا، وينعش الأوطان والشعوب ماديًا واجتماعيًا، ويجعلهم شركاء حقيقيين لا عبيد ومختبر تجارب كما كانوا في عهود الاستعمار القديم والجديد، وأزمنة الاستغلال البشع.