ديانا فاخوري
لسنا مع مذهبة الدولة (اي دولة) او الدستور (اي دستور) .. ونعلم ان السياسات تسير وفق المصالح ولا تتوقف بانتظار المخلص او المهدي او عند فتاوی “نفي الاخر و الأغيار” .. فما بالنا نلعب بين يديهم و نبرر لهم مبدأ يهودية الدولة!
يخيل للكثيرين انّ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران الذي أعلنه الرئيس الأميركي ترامب في البيت الأبيض منتصف أيار الماضي يشكل بداية العدوان الأميركي على الجمهورية الإسلامية في إيران. لكن ماذا عن “اعلان الجزائر” الموقع بين البلدين بتاريخ 19/1/1981 في الجزائر العاصمة .. ذلك الاتفاق الذي أنهى أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، والذي نص على امتناع الولايات المتحدة عن التدخل السياسي والعسكري في شؤون إيران الداخلية، وإلغاء تجميد الأموال الإيرانية في البنوك الأميركية و إنهاء العقوبات التجارية والاقتصادية المفروضة على إيران. كما تضمن الاتفاق على انهاء النزاعات القائمة بين الحكومتين و بين مواطني البلدين عبر احالتها الى التحكيم الدولي! هل التزمت الولايات المتحدة ببنود هذا الاتفاق ام نكثت بوعودها جميعا و واصلت التآمر على إيران والعمل على إسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران بكل ما أوتيت من كيد و قوة؟!
لنعد قراءة خطاب الدكتور مصدق يوم أعلن تأميم نفط بلاده: “لم نتوصّل إلى أي نتائج مع الدول الأجنبية بعد سنوات طويلة من المفاوضات… فعائدات النفط تمكّننا من تحقيق كامل الميزانية، وأن نكافح الفقر والمرض والتخلف. هناك اعتبار آخر مهم، هو أنه عندما نقضي على قوة تلك الشركة البريطانية، فإننا نقضي على الفساد والتآمر اللذين تأثرت بسببهما شؤون بلدنا الداخلية. عندما نوقف تلك الوصاية نهائياً، فإن إيران تكون قد حققت استقلالها الاقتصادي والسياسي”. هل كان لحكومة مصدق حينها برنامج نووي أو باليستي؟! هل كان لها عمل سياسي و عسكري في المنطقة خارج حدود إيران؟! هل كانت لها أيديولوجيا للتصدير؟! الحقيقة ان قرارات مصدق الاستقلالية (تأميم النفط الإيراني وإلغاء امتياز الشركة البريطانية، مثلا) وسياسته الاجتماعية هي التي استفزت بريطانيا نظرا لخسارة مصالحها المتراكمة بفضل التحكم بالقرار الإيراني.
هل تشكل مجموعة براين هوك، وشبكة مايك بومبيو الإعلامية، ولغة إسقاط النظام تارة و التلكؤ بلغة المهادنة تارة اخرى ظلالا لانقلاب 1953؟ و هل تقمص براين هوك دور كرميت روزفلت، وترامب دور دوايت أيزنهاور، و بومبيو دور جون فوستر دالاس؟ الا يدفع كل ذلك الإيرانيين لاستعادة خطاب الدكتور محمد مصدق و قد تيقنوا أن زمن “المؤامرات” متصل و متواصل، وأن العلاقة المحببة مع الغرب تعني التنازل عن الاستقلال؟
قلناها سابقآ، أيآ كانت السيناريوهات، أن الاتفاق النووي مع ايران – و دخولها عصر القنبلة الاقتصادية و سوق الذهب الأسود و الأسواق العالمية عامة – يأتي ضمن السياق الأمريكي الصيني حيث تقود الصين الهجمة الاقتصادية الى جانب المنافسة السياسية والعسكرية المتنامية التي يخوضها بوتين و رفاقه رفضآ للتفرد الأمريكي يردفها تكتل البريكس في تصديه للاحتكارات الأمريكية و هيمنتها على الأسواق و الأسعار والثروات! و لكم كررنا أن الايرانيين هم حاكة السجاد العجمي و لاعبو الشطرنج .. وهم من توج العشق بين التاريخ والايديولوجيا بزواج أثمر اللحظة التكنولوجية النووية .. وهم الشعب الأول في التاريخ الذي بنى حضارة فارس منذ قرابة 7000 سنة قبل الميلاد لتكون الحضارة الأولى التي عرفها الانسان .. أما الولايات المتحدة الأمريكية فمواليد عام 1776م و لا يمتد تاريخها لأكثر من 242 عام!
يريدون لنا أن نلاقي دينيس روس بكل حمولته اليهودية، و جاريد كوشنر و صحبه مبعوثي هيرتزل الی المنطقة .. يدعوننا الی عدم القلق من “الشقيقة اسرائيل” .. و يرون أنه يحق لنا أن نقلق من ايران صاحبة البعد الاري الذي يتقاطع مع البعد الاري في الشخصية الجرمانية و يشيرون الی أن الصليب المعقوف مستوحی من شعار ايراني قديم متصل بطائر الهوما .. ثم يستفيضون بتحذيرنا من ظهور “هتلر الايراني” الذي سيغزو الشرق الأوسط بعربه و يهوده! من هنا تمخضت عبقريتهم البراجماتية عن ضرورة التحالف بين العرب و أشقائهم اليهود ضد الأعداء الغزاة الايرانيين، الفرس، المجوس، الصفوبين، الرافضة والعجم .. و لتسقط او تذبح أو تشتت ( بضم التاء) منظومة المقاومة و الممانعة!
لا تخرجوا من النور الى الظلمات .. ولا تلعبوا بين يدي برنارد لويس لتشظية وتفتيت المقسم .. لا تدعوا “الخب” يخدعكم .. وتعالوا ليوم مرحمة ولكلمة سواء!
كان ذلك في ملجأ 11 ايلول 2001 الاستراتيجي السري الذي جمع بوش الابن و ديك تشيني بالبروفيسور الصهيوامريكي برنارد لويس. عندها عرض لويس خرائطه طارحآ التحالف ضد “الخطر الايراني” كتكتيك لتسهيل تفكيك الدول العربية والاسلامية خدمة لاسرائيل وحماية لها من الخطر المصيري! ويوم أوقعنا “الخب” في الفخ بشن الحرب على ايران عام 1980, بدأ بريجنسكي يفكر بتنشيط حرب خليجية ثانية لتفتيت المفتت و “تصحيح اتفاقية سايكس بيكو”. تبع ذلك تكليف رسمي لبرنارد لويس _ من قبل وزارة الدفاع الامريكية _ بوضع مشروع عملي لتفكيك المنطقة على أسس دينية، طائفية، مذهبية، عرقية، ثقافية. وتمت المصادقة على مشروع لويس هذا في جلسة سرية للكونجريس الامريكي عام 1983!
هل تكون المتاهة اليمنية و هيروشيما البسوس مصداقآ لما زعمه وزير خارجية ترومان Dean Acheson عن اقتراب العقل العربي بحمولته الدينية من العقل الوثني فنتعاطى مع العالم على انه مهرجان للعدم؟ لعل هذا ما يفسر استدعاء “فارسية” ايران و “مجوسيتها” و “شيعيتها”يوم خلعت النجمة السداسية ورفعت محلها العلم الفلسطيني في طهران!!
اما أهل اليمن فهم أصل العرب، وفرسان الاسلام، ولهم فضل الريادة في بناء السدود وناطحات السحاب (كان الظهور الأول لناطحات السحاب في العالم وفي التاريخ في مملكة سبأ اليمنية) .. انها اليمن ان صلحت صلح العالم، وان اضطربت اضطرب العالم .. فلا تغذوا مصانع الأسلحة الأمريكية يالدم العربي!
كونوا مع الامام علي اذ قال: “لست بخب، والخب لا يخدعني” .. وتعالوا ليوم مرحمة وكلمة سواء .. انزلوا عن الشجرة، واوقفوا قطار الموت ومهرجان الدم .. المال الذي عبأ الشيعة/الحوثيين شعوبا وقبائل ضد عبد الناصر والعرب السنة يعود اليوم ليعبيء سنة العالم ضد ايران و قوی المقاومة! كان الامام البدر شيعيا/حوثيا ولم نتردد في التحالف معه ضد عبد الناصر والعرب السنة! كان الشاه شيعيا/فارسيا، ولم يمنعنا ذلك من الارتماء في الحضن او – ان شئت – الحصن الايراني حينها! تذكروا ان الله كرم الامام علي فلم يدعه يسجد لصنم قط، فكان هو السني الاول في التاريخ .. انزلوا عن الشجرة قبل ان نغرق في العدم.
كررتها، ربما للمرة الالف، ان فسطاط الخير والمقاومة بين (بتشديد الياء) بمشروعه للمقاومة العربية ضد الصهيونية والامبريالية (نعم “الامبريالية” ولو كره الكارهون، او “خشبنا” المتملقون) و فلسطين في القلب، والقدس قلب القلب .. وان فسطاط الشر الصهيواعروبيكي بين (بتشدبد الياء) ايضا بادواته الخونجية القاعدية الداعشية وكافة المشتقات لتفتيت وتشظية وتفكيك المنطقة و شعوبها، وتدمير الحضارة والتاريخ والجغرافيا، واحراق الارض والغابات! اما اليوم فاذكركم، وليتفكر المؤمنون، بما قاله شاه ايران منذ عدة عقود: “من هنا، اي من ايران، الی مصر ليس هناك بشر”! .. وبما قاله اوباما: “قصتكم ليست مع ايران، قصتكم مع انفسكم”!
تريدون ازالة الوجود الاستراتيجي لإيران و اقتلاعها من الشرق الاوسط؟
اذن افرضوا علی اسرائيل اقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس علی حدود 4/6/67 المتواضعة .. و افرضوا عليها الانسحاب من الجولان و مزارع شبعا و تلال كفرشوبا .. والا فاعقلوا وصوبوا البوصلة نحو فلسطين و وجهوا البنادق الی تل ابيب .. و اقرأوا: “نصر من الله، وفتح قريب”!