ادريس هاني
للمرأة المغربية مشاركة نوعية في المقاومة..وهذا طبيعي، فأعضاء جيش التحرير مدينون للمرأة في كل شيء، ليس فقط في بيئة كانت المرأة تربّي أبناءها على قيم الكفاح فحسب بل أيضا في المشاركة..لقد أدركت جيلا من تلك النساء لا تحتملن النظر في وجوه “البرطقيز”، ويقصدون بهم الجنس الأوربي..لم تكن المرأة المغربية ترى في النظرة التصنيفية للاستعمار شيئا يدعوا للقلق، فلقد كان المحليون ينظرون بميز عنصري شديد للمستعمر..وهذا ما جعل الاحتلال الفرنسي والاسباني يخرج من المغرب دون ان يترك آثارا حادة على السيكولوجيا الجماعية للمحلّي، لأنّهم كانوا هم يشعرون بأن المحلّي يمقتهم ويعتبرهم درجة أدنى..ويبدو أنّ العناية بالمرأة المقاومة بات ضرورة..فمعظمهن كنّ يومئذ يعملن في صمت وكل الإنجازات يحصدها الرّجل..كتابة تاريخ خاص بالمقاومة النسائية المغربية بات ملحّا وأمامي مقالة باللغة الفرنسية للسيدة آسيا بندادة في 1999 تعتبر مساهمة قيمة للتذكير بدور المرأة المغربية في المقاومة تحت عنوان: النساء في الحركة الوطنية المغربية «Les femmes dans le mouvement nationaliste marocain»، منشور في مجلة «Clio. Histoire‚ femmes et sociétés»،
ودائما سنجد التأكيد على ذات المشكلة: صعوبة الوصول إلى الأرشيف المخزني والعائلي أيضا بخصوص الحركة الوطنية وهي الصعوبة التي تصبح أكبر حين يتعلق الأمر بدور المرأة في تلك الحركة..كما هناك التأكيد نفسه على الطريقة التي يتم بها عادة تناول تجارب الحركة الوطنية التي تكاد تختزل في المجال الحضري بينما تعتبر القرى مجرد خلفية في هذا النشاط، هذا فضلا عن أن الحركة الوطنية تكتسي طابعا ذكوريا خلافا للمؤرخ الأوربي الذي عادة ما سلط الأضواء على دور نسائية في المقاومة الوطنية..وتعتبر السيدة اسيا بنداده أنّ المقاومة لم تبدأ فقط من حدود 1912 تاريخ الحماية وإنما هي ناتجة عن الصدام الذي حدث منذ حاول المستعمر أن يدمر البنيات التقليدية التي تولدت عنها ردود فعل وسيكولوجيا جماعية لمناهضة الهيمنة الأجنبية..وهي لذلك تعتبر أن المقاومة بدأت منذى 1907 مع غزو “وجدة”..وهي لهذا السبب تميز بين مرحلتين من المقاومة في المغرب: المرحلة الأولى تتميز بمقاومة مسلحة غير متينة التنسيق وبوسائل محدودة شهدها المغرب بكافة مناطقه حتى 1934، وهنا لم تنهض دراسات لبحث دور المرأة في هذه المرحلة باستثناء بعض المصادر وأيضا ما تحبل به الذاكرة الشفهية..وهنا تذكّر بما حاولت فرنسا القيام به في 1913 في إطار ما سمي بالظهير البربري، وهي محاولة للتفريق بين العرب والأمازيغ وإخضاع هؤلاء لنظام عرفي خاص..حين حاولت فرنسا حرمان امرأة أمازيغية من قبائل زمور تنفيذا للعرف قامت نساء من القبيلة واجتمعن في مدينة الخميسات احتجاجا ضدّ فرنسا، وترى الكاتبة أنّ هذه المظاهرة كانت سابقة حتى قبل أن تصبح السياسة البربرية الفرنسية رسمية بموجب الظهير البربري..وتناولت السيدة بنداده أيضا أشكالا متنوعة من مساهمة المرأة في المقاومة عن طريق توفير الماء والطعام للمقاومين وشحن البندقيات(البواريد) وأحيانا تعويض الأموات في الجبهة، وتعليم الفارين من القتال من الرجال بالحناء من أجل تهميشهم وتحريض نسائهن عليهم..بعض النساء طلبن الطلاق من أزواجهن الذين رفضوا المشاركة في المقاومة..كما عملت النساء في مراقبة العدو وإخبار المقاومين من خلال إشارات خاصة..كنّ فوق السطوح يرمين الحجارة ويصببن الماء أو الزيت المغلي فوق الجنود الفرنسيين..وتذكر الباحثة رواية من تقرير عسكري إسباني مؤرخ في12/7/21927 في منطقة الريف بأنّ شاهد عيان رأى بأنّ دورية عسكرية نزعت السلاح من أحد الدواوير في قبيلة بني عروس، حيث قتل الضابط فالديفيا(Valdivia) من قبل أخت مقاوم يسمى هيدنة قتل من قبل الإسبان في إحدى المعارك عام 1922، حاولت المرأة المذكورة بعد ذلك الفرار حيث اختبأت في ضريح” مولاي عبد السلام بن مشيش” (= ولي صالح في المنطقة أبرز شيوخ محيي الدين ابن عربي)..تذكر الباحثة أيضا أنّ التقارير الإسبانية تحدثت عن حالات كثيرة لنساء شاركن في المقاومة..وتذكر عيشة بنت أبي زيان التي لم تكن تتجاوز العشر سنوات التي لعبت دورا مهما في معركة أنوال الشهيرة التي قادها بن عبد الكريم الخطابي ضد الاختلال الاسباني عام 1921حيث أكرهوا للانسحاب حتى مليلية، وهناك أسماء أخرى تطرقت لها الباحثة: مامات الفرقانية، هيشة الورياغلية، حدوم بنت الحسن..تطرقت الباحثة أيضا إلى بنت موحى حمو أو الزياني التي قاتلت إلى جانب أبيها قوات الاحتلال الفرنسي جنوب المغرب..وواصلت المقاومة بعد وفات أبيها حتى استشهدت..تناولت أيضا مثال عيشة العمرانية من قبيلة آيت باعمران التي استشهدت في معركة أسّاك في 1926..كما أشارت إلى معركة بوكافر في جبال ساغرو التي دارت من يناير الى مارس 1933 حيث بلغ عد الشهداء 327 منهم 117 امرأة..
في المرحلة الثانية من مواجهة الاستعمار ترى الباحثة تشكل حراك سياسي حضري ناضل منذ الثلاثينات من أجل المطالبة بالإصلاحات من 1930 حتى 1944 ثم المطالبة بالإستقلال من 1944 حتى 1953..تقول الباحثة أن المصادر ظلت ذكورية بينما لم تترك النساء أي وثيقة وراءهنّ..تناولت الباحثة في الشطر الثاني تحقيقا حول دور نساء في مجال العمل الوطني بشيء من التحقيق والرصد..
من خلال هذه الشهادات التي حاولت أن ألخّص الشطر الأول الذي يتعلق بالمقاومة نكون أمام محاولة شبه تأسيسية لقيام ذاكرة نسائية في المقاومة المغربية..مع أنّنا نعتقد أنّ هذا التاريخ محفوظ وموشوم في الذاكرة الشفهية لمن عاصروا تلك المرحلة لكن هذه الذاكرة تواجه مخاطر النسيان لأنّ أكثر الذين يحتفظون بتلك المعلومات ينقرضون بشكل متسارع يوما بعد يوم..
هناك محاولات جادة لحماية هذه الذاكرة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه..فالمقاومة هنا على الأرض تحولت إلى حكايات وأشعار زجلية محلية وأحجيات..المحلّي هنا قاوم دون أن يكتب تاريخا وإنما أودع تلك التجربة المعاشة في حكايات وجب أيضا الانفتاح عليها..إنني أرى انّ المراحل الأولى من المقاومة لا سيما تلك التي جرت في جبال وأودية المغرب تشبه نضالات الهنود الحمر التي حملتها أساطيرهم ومواويلهم وأنفاسهم ونظراتهم..لكن يظلّ المكان مزدحما بأرواح الشهداء..شعرية المكان هي نفسها ذلك التاريخ الذي لم يكتب كما ينبغي ولازلنا نتداوله كمورث جماعي في الوقت الذي يكتب فيه التاريخ في العالم بالكثير من البروباغاندا والخيال..