السيد شبل
جمال خاشقجي هو صحفي سعودي يحمل أصولًا تركية، معبأ بأفكار الإخونجية وبالتالي مقرب من الدوحة وأنقرة، عاش طوال عمره مقربًا من منظومة الحكم السعودي، وكان يكتب في الحياة اللندنية المملوكة لأحد أمراء آل سعود، وهو “خالد بن سلطان آل سعود”، حتى سبتمبر 2017، كما كان في أواسط العقد الماضي، بالفترة ما بين 2004 وحتى 2007، ملازمًا لأحد أخطر أمراء آل سعود “تركي الفيصل”، وهو نجل الملك فيصل، وصاحب العلاقات المتينة مع “السي آي إيه”، ورئيس المخابرات السعودية بين عامي 1977–2001، حيث عمل “خاشقجي” مستشارًا إعلاميًا له عندما كان سفيرًا في لندن، ثم تبعه في واشنطن، وبعد مغادرة تركي الفيصل منصبه كسفير، تم تعيين “خاشقجي” رئيسًا لتحرير جريدة “الوطن” التي يملكها “خالد الفيصل”، وبقي بالمنصب حتى استقالته في 2010 بعد أن أزعجت الصحيفة الجماعة السلفية بالسعودية، ثم شغل منصب المدير العام لقناة “العرب” التي يمتلكها الوليد بن طلال، وتبث من البحرين، لكنها واجهت مشكلات إلى أن انتهى المشروع كليًا.
خلافه مع بيت الحكم السعودي، مرتبط بإخوانيّته وليس انطلاقًا من أي موقف مبدأي مضاد للأفكار الحاكمة للسعودية (الاعتماد السياسي والعسكري على واشنطن – توظيف الدين – التبعية الاقتصادية – الرجعية الاجتماعية)، ومرتبط أيضًا بالخلاف الأخير بين الرياض والدوحة، حيث يتصاعد وزن الأخيرة خليجيًا وإقليميًا، وتحاول وراثة دور السعودية كليًا سواء في الوكالة للمصالح الأمريكية أو في رعاية الإخونج، أي أن هناك مباراة بين الطرفين حول أي منهما سيكون “فيصل” القرن الـ 21، كما مرتبط أيضًا بانحياز الرياض للقاهرة ما بعد الإطاحة بحكم الإخونج.
خاشقجي لم يكن معارضًا بشكل جذري أو خطير للرياض كما تحاول فضائية “الجزيرة” القطرية إيهام متابعيها الآن، وصفحته على موقع التغريدات “تويتر” موجودة، وآخر منشوراته فيها عطف واضح على الرياض، وثناء على سياستها، وربما تمهيد للصلح. ولا يمكن الجزم بأي شيء بخصوصه حتى الآن سواء الاختفاء أو الموت أو الجهة التي تقف خلف اغتياله (في حال كان قد اغتيل فعلا!). هذا مع تثبيت حقيقة أن تصفية المعارضين نهج ليس بمستغرب بالنظر لتاريخ نظام الحكم السعودي، لكن تلك الحقيقة لا تعني أوتوماتيكيًا أنها الفاعل.
برنامج عمل خاشقجي السياسي كان يتمحور حول شيء أساسي في السنوات الأخيرة، وهو أن يلعب دور الجسر في العلاقة بين السعودية وتركيا، ويحفّز الرياض دومًا على الارتماء في أحضان أنقرة (الناتاويّة – الإخونجيّة)، فيتأسس بهذا تحالف يكون قادر على تهشيم سورية، وعلى تحدي إيران (التي كانت مستهدفة من خاشقجي على الدوام). وهذا التحالف لم يكن يثير غضب خصوم السعودية فقط، بل حلفاءها أيضًا (كالإمارات).
سيرة خاشقجي تقول أنه ذهب في الثمانينيات لأفغانستان، وانضم لمسيرة الجهاد الأمريكي ضد النظام الأفغاني وداعميه السوفيت، وكان مقربًا من عبد الله عزام، وتم السفر تحت عين وبصر أجهزة الأمن السعودية، كما كان نشطًا في ملف البوسنة بداية من 1992، وهو الملف الثاني الذي تبنته “السي أي إيه” بغرض إتمام تفكيك يوغوسلافيا، وحشدت لصالحه العناصر السلفية والإخونجية، وقد أيّد خاشقجي تدخل الناتو لقصف الجيش الاتحادي اليوغوسلافي/الصربي في 1995 (على خلفية نزاع البوسنة)، وفي 1999 (على خلفية نزاع كوسوفو). كما قام ضمن مهام صحفية بتغطية الأحداث في أفغانستان والجزائر والكويت والسودان من عام 1991 حتى عام 1999.
مواقفه في السبع سنوات الماضية على الصعيد العربي تتسق مع إخوانيته، ومع سيرته:
– فهو مؤيد بقوة لتدمير ليبيا في 2011 بيد القوى السلفية الجهادية، وطائرات حلف الناتو، واعتبر، بحسب حواره على قناة العربية، أن تدخل الأوروبيين والأمريكين ليس غرضه نهب ثروات ليبيا وتدمير الدولة الوطنية والمؤسسات الحديثة، ولكن غرضه إنساني يتمثل في “إنقاذ الشعب الليبي من الإبادة”!!، وحرّض لإنهاء حكم معمر القذافي بالطريقة التي حصلت، ولم يتردد في توجيه التحية للقاعدي/ عبد الحكيم بلحاج عندما دخل طرابلس في أغسطس 2011، وبقي داعمًا لإخونج ليبيا وقاعدييها حتى اليوم، ولهذا كان شرسًا للغاية في معارضة التدخل المصري في ليبيا، والذي هو أفضل ما قام به نظام ما بعد 30 يونيو في مصر، وهو المسار الذي تم كبحه وتعطيله رضوخًا لرأي السعودية والدول الغربية.
– يعتبر من أشد داعمي المؤامرة على سورية، ولم يفوّت شهر تقريبا منذ 2011، دون أن يغرّد أو يحرر مقالًا، داعمًا للعصابات السلفية الجهادية التي تقاتل الجيش العربي السوري، واعتبر أن الحرب ضد النظام السوري مقدمة على الحرب ضد “داعش”، وعندما قطع هذا التنظيم السلفي الجهادي رؤوس ضباط وجنود سوريين اعتبر الأمر وحشي لكن له ما يبرره تكتيكيًا، وأن قادة التنظيم يعرفون ما يفعلون!!، وعندما تصاعد الغضب الشعبي العربي من ممارسات “داعش” روّج لأن هذا التنظيم السلفي ليس سوي أداة إيرانية- سورية!!. و”خاشقجي” معروف بكونه مساند بشكل قوي لـ “جيش الإسلام”، وحركة “أحرار الشام”، كما من أكبر المدافعين عن التدخل التركي الناتاوي في سورية، سواء في ملف تمرير المقاتلين وتسليحهم، أو في مسألة قضم الأراضي العربية وضمها لتركيا.
كذلك لم يتردد في تأييد دونالد ترامب عندما قصف سورية، بل ودعا للتصعيد، وحثّ ترامب على أن يكرر ما فعله بيل كلينتون في يوغوسلافيا بـ 1995، وأن يستمر القصف حتى إجبار النظام السوري على الرضوخ!!، وفي إبريل 2018 هتف على تويتر قائلًا: (( كلنا ترامب ))، بسبب تطاول الرئيس الأمريكي على النظام السوري، وتلويحه بالعقاب. وكان همّ خاشقجي، كما سبق وأوضحنا، تأسيس تحالف سعودي قطري تركي ضد سورية.
وقد عالج خاشقجي قضية سورية كثيرًا من منظور طائفي، وله مقال بعنوان “دافع عن السُنّة.. ولا تبال”، وجاء المقال في إطار الحملة الإعلامية التي انطلقت لمنع استرداد حلب لحضن الدولة السورية، وإن كان قد حجّم “خاشقجي” من انجراره كثيرًا إلى هذه الزاوية الطائفية، نظرًا لأن الإخوان يحاولون إظهار أنفسهم أقل سلفية وأكثر حداثة وانفتاحًا من الوهابية، كما تجمعهم علاقات مباشرة مع المؤسسات الغربية العلمانية.
– أيّد جمال خاشقجي بقوة العدوان السعودي على اليمن في ربيع 2015، وبشّر بعاصفة حزم قريبة ضد سورية، كما تلك التي انطلقت ضد اليمن، واعتبر أحداث 21 سبتمبر 2014 (تاريح دخول تحالف “صالح – الحوثي” إلى صنعاء) بمثابة انتكاسة، وذلك بسبب أنها كسحت حزب الإصلاح الإخونجي من السلطة. ونهج خاشقجي هنا، هو ذات نهج توكل كرمان كما سائر الإخونج كما فضائية الجزيرة (التي تولت مسؤولية شيطنة تحالف “21 سبتمبر” إعلاميًا)، ولم ينقلب خاشقجي على التدخل في اليمن، إلا مؤخرًا بعد انسحاب قطر من العدوان، وبسبب تصاعد دور الإمارات التي تعارض أن تصبّ العمليات في اليمن لصالح حزب الإصلاح الإخونجي، وعلى أية حال فقد تحقق المخطط الأمريكي في اليمن، وهو الحيلولة دون توحيدها في 2014/2015، وتدميرها كجمهورية، وتعميم الانقسام فيها، وإنتاج مناخ حرب وتوتر دائمين.
– في العراق لعب جمال خاشقجي دورًا نشيطًا وملحوظًا في تجميل وجه تنظيم “داعش”، من زاوية أنه لو مضر، فهو ضرر أخف من ضرر، عازفًا على وتر “المظلومية الطائفية”، وساهم بقوة في مجهودات شيطنة الحشد الشعبي العراقي أثناء التصدي لداعش بـ 2014 – 2015 – 2016، وانضم للميليشيات الإعلامية التي سعت لتلطيخ سمعته من المدخل الطائفي/المذهبيـ والحقيقة أن أي شيطنة لهذه المجموعات أو عرقلة لجهودها، كانت تعني أوتوماتيكيًا تمدد داعش، وعودة الاحتلال الأمريكي الصريح للعراق، هذا بصرف النظر عن أي نقد يمكن توجيهه بسياقات أخرى للحشد.
– موقفه من مصر مساند للإخونج بكل قوة، وعارض إزاحتهم عن السلطة، وهاجم مظاهرات 30 يونيو 2013، وهلل للموقف الأمريكي السلبي منها أو المؤيد سابقًا لبقاء محمد مرسي، ويبرز “خاشقجي” بفعالية في ملف سيناء، حيث يهاجم “عنف” قوات الأمن والجيش هناك في تغريدة، ثم في التغريدة التالية يتهكم على قوات الأمن ويسخر من ضعفها في حال وقوع عملية إرهابية (وهذه وصفة إخونجية يتبعها كل أنصار الجماعة على مدار الخمسة أعوام الماضية). ومن المؤكد السياق الفكري العام لخاشقجي سيتضاد مع الزعيم جمال عبد الناصر، وما يمثله، فهو ينتهز أي فرصة للهجوم عليه، كما يصف نهجه الاقتصادي المستقل والمنحاز للكادحين، بالشمولي، ويسخر من القطاع العام والتأميمات، ويقرّ بميل الإخونج لاقتصاد السوق (الاقتصاد التابع للمنتجات الغربية)، وهذا كان بنظره سبب كافي لعدم تأييده تقارب الإخونج مع حمدين صباحي في 2012.
– بخصوص لبنان، فقد حرّض “خاشقجي” بكل قوة ضد المقاومة العربية “حزب الله”، واشتبك في كل حملات تلويث صورته، واتهمه بأنه قوة احتلال، ودعا السعودية لتحجيم قوة الحزب في لبنان!!.