ادريس هاني
هل يوجد أمن روحي في العالم العربي؟ اليوم مقياس الأمن الروحي هو في درجة الاحتقان الطائفي الذي يعتبر خطرا على الكيانات والأوطان والنسيج الاجتماعي..وجب التمييز بين وجود طوائف وبين تدبير التعايش..الحلول المتوحّشة والبدائية تقتضي استئصال الطوائف بدل تعزيز التعايش..وتظهر علامات هذا الانحطاط الروحي في جملة الحروب الإعلامية التي موّلتها النحلة الوهابية التي تعتبر دخيلة على الإسلام حتى أنها في شقّها الدعوي الأول كانت مناهضة للسنة وفي شقها الجهادي كانت ذابحة لهم..تكمن الفضيحة حينما يستعمل الإعلام الطائفي عبارات ينسب فيها التنظيمات والميليشيات الشيعية إلى المذهب الشيعي في محاولة لإدانة مذهب وجد منذ القرن الهجري الأوّل كحساسية -لأنه يومها لم يكن أي مذهب مستقل وإنما كانت حساسيات – وهو من أقدم المذاهب حين بدأت المذاهب تستقل برأي لها في الأصول والفروع..بينما حينما يتحدثون عن تنظيمات الإخوان والسلفية وغيرها لا ينسبونها إلى المذهب السّني..في التقليد الإعلامي الشيعي لا توجد أي نسبة لداعش إلى السنة لأنّ الإعلام هناك يقوم على رؤية مسؤولة: لقد حارب الحشد الشعبي داعش الذي فتكت بالجيش والمدنيين دون أن ينسبهم للسنة بل أنقذ قرى سنية كما يدرك ذلك العراقيون أنفسهم..إنّ مغالطة الأسماء والعناوين تؤسس للعدوان والعنف الرمزي الذي تستعمله الطائفية وهي تصف التنوع الطبيعي في العالم العربي..
الحرب على سوريا فضحتهم لأنّ النظام علمانيّ والحكومة والدولة خاضعة للتنوع الذي يعكسه الطيف الاجتماعي..في سوريا لم تخرج عناوين الطائفية إلى من الخلايا المتطرفة الحاقدة التي حاولت أن تسرق السلطة باسم الطائفية..وهم في عملية التآمر يستعملون عناوين بحسب الظروف..في مصر حيث الحاكم من الطائفة السنية لم يجد الإخوان عنوانا طائفيا مغرضا فتقوّلوا في ذلك تقولا عظيما..في كل البلاد العربية لم نسمع ذلك..لكن في سوريا كشر الإخوان والسلفية عن أنيابهما وساعدتهم الشبكات الإعلامية التي مكنتهم منها الرجعية..
في البداية كان الجميع يدرك أنّ الحرب على سوريا مخطط قديم، وتلويح بدأ منذ كولن باول ولاءات الأسد..كانت الطائفية مقيتة في سوريا يعرف ذلك الجميع إلاّ السّبهلله..واستمرت المعارك بينما الطائفيون يحفرون الخنادق ويجندون الحمقى في محاولة لتحويل سوريا إلى أفغانستان..ذكرنا مرارا ومنذ ذلك الحين أنّ هناك إرهابيين مسلحين طائفيين يختبؤون خلف احتجاجات اجتماعية سرعان ما انتهت ليدخل على الخط الطائفيون الذين أزعجهم تراجع الاحتجاجات بعد الإصلاحات والمراسيم الوزارية وتعديل الدستور..تلك التفاصيل لم يقف عندها إعلام يمارس خدمته الإمبريالية تحت عنوان طائفي يعفيهم من عملية الإقناع وتبرير الإصرار على التدمير..يحتقر الإخوان الأغلبية السنية التي تدرك اليوم أنّ سوريا تتعرض لمؤامرة لم يعد يشكّ في ذلك إلاّ الأغبياء..الأغلبية السنية هي من صوت للأسد في انتخابات شارك فيها جاليات سنية من الخارج..لقد أراد التوحش الطائفي أن يعطي لصناديق الاقتراع شرعية طائفية..أي لا اعتراف بصناديق الاقتراع إلا اذا كانت سلفية وعلى هوى الإخوان، أما إذا كانت في محور المقاومة فلا بد من استعمال العنوان الطائفي لأن أي عنوان آخر سيكون فضيحة لهم لأنه سيظهر تعاونهم مع الإمبريالية والاحتلال والرجعية..ليس أسهل في بيئة متخلفة أن تستعمل الطائفية لأنها لا تكلّف إلاّ أن يكون لك ضمير فاسد وذهنية تافهة..
لقد صفقوا لداعش حين غزت العراق وحينما انتفض الحشد الشعبي أطلق عليه الحاقدون الطائفيون عنوانا طائفيا مع أنه يضم سنّة ومسيحيين وطوائف أخرى..ماذنب تلك التنظيمات إذا كانت في بيئة شيعية: أليس من حقها أن تنتفض لتحرر بلدها؟ هل وجب أن تخرج من شيعيتها لكي تحرر بلدها؟ ما هذا الهراء والتفاهة؟وكأنّ التحرر والحزبية والسياسة وغيرها حكر فقط على طائفة..لقد استهدفت داعش العراق وسوريا، وكانت تتحرك من دون حواجز..كانت تتحرش بمناطق أخرى في لبنان وفي العراق: ألا يكفي هذا لكي تلاحق المقاومة كل قواد طائفي أينما كان؟..هذه مجاميع تحررية بطلة هي من قض مضجع داعش التي كانت تريد استعباد العالم الاسلامي كله عبر خريطتها المنكرة..لقد دخلت التنظيمات الطائفية الى سوريا وهي التي استفزت التنظيمات المناهضة ليس لأسباب طائفية بل لأن هذه التنظيمات لا تريد أن تنتظر غولا ظلاميا ينشأ ويترعرع حيث ستكون هي أول ضحاياه..هذه التنظيمات على قلتها بالمقارنة مع عدد وعديد داعش هي في حالة دفاع..لقد حاول الطائفيون أن يستفردوا بسوريا فلما انبرت المقاومة أصبحوا يبكون حظهم العاثر..أعوام مضت ولم يفكر أحد بالدخول إلى سوريا، لكن حينما تدفق الطائفيون الذين نشروا ثقافة الذبح والتوحش كان لا بد أن يدخل الرجال..وكان يفترض أن يعلق وسام لهؤلاء الذين أنقذوا المجتمعات من غول إسمه داعش..قدموا شهداء لتحطيم جماعات مسلحة وعدت الأمة بالقتل والاسترقاق..ما الذي فعلته تلك القوى سوى أنها حاربت الخطر حيث هو، ناهيك عن أنهم كلهم منضبطون تحت إدارة تابعة للجيش..أي لم يدخلوا من الخلف بل من الباب..
الحرب في الشرق الأوسط واضحة، ويسعى الإعلام المحارب أن يغير من عناوينها فأصبح له ضحايا من هذا الجمهور الممتد الذي تم غسيل دماغه تماما..القراءة الطائفية تبسيطية..وخبراء التحليل الطائفي مجرد قوادين في ميديا الرجعية وكلاب تنبح..ذلك لأن المقاومة حطّمت كل قوادتهم وستفعل..إن الطائفية حقيرة وأحقر منها من جعل منها وردا يفسر به أحداثا سياسية تحركها مخططات إمبريالية..الطائفية مرض سينقلب على بؤره وغرف عملياته..لا يتوقف الأمر على وجهات نظر صادر من غسيل الدماغ، هناك حرب لها رجال، ولن ينتظر الرجال أن يتكون الوعي الصحيح ويبرأ المرضى من الطائفية لكي يقوموا بواجبهم، فمن له رؤية طائفية فعليه أن يذهب هناك ويطرحها ويحتج في الميدان وتحت قصف النيران ولعلعة الرصاص..كل كلام بات اليوم في زمن الإسفاف خردة بالية..المهم وكما قال مظفر النواب: النار هنا لا تمزح يا قردة..إنما لديّ ملاحظة: كنت أتمنّى أن لا يقتل ولا يؤسر هؤلاء الطائفيون..كنت أتمنّى لو يتم قذفهم خارج الحدود ليعودوا إلى حيث نسمع باليل والنهار هذا الهراء الطائفي..كنت أتمنى أن يعودوا ويفتكوا بالمجتمعات الغبية ويسبوا نساءهم ويكونوا هم المعارضة الديمقراطية في بلدانهم..كنت أريد أن يسحق داعش من يصفقون لهم ويراهنون عليهم في تخريب سوريا..لقد تبين أن محور المقاومة متسامح أكثر من الطابو الخامس للإعلام الطائفي…إن المهم في كل هذا هو أن سوريا سحقت الطائفيين وقضمت الإرهاب ولم يعد في جعبة الحاقدين سوى عويلا طائفيا سمجا…
ادريس هاني: