آراء وتحليلات – نضال حمادة
نجح القطريون حيث فشل غيرهم من دول العالم الإسلامي والعربي، فهم اخترقوا تنظيم “القاعدة” منذ احتلال أفغانستان واستغلوا حاجة أسامة بن لادن المحاصر في جبال بلاد الأفغان لمنبر “الجزيرة”، الذي أبقاه على قيد الحياة إعلاميا تسع سنوات بعد سقوط إمارة طالبان في كابول. وعمل القطريون عبر نفوذهم هذا على تعزيز سلطة الظواهري الذي استبدل كل القيادات الخليجية التي عملت مع إسامة بن لادن بقيادات سورية ومصرية لها علاقات وتاريخ مع جماعة الإخوان المسلمين، كما استمال القطريون حركة طالبان التي فتحوا لها مكتبا دبلوماسيا في الدوحة بموافقة الأمريكي ورغبته.
بعد عقد ونصف من الزمن ومع اتضاح معالم هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة، تعيد الدوحة سيناريو “القاعدة” مع التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك عبر إقصاء يوسف القرضاوي عن رئاسة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين والمصري الجنسية وصاحب التاريخ الطويل في التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين الذي يمسك به المصريون الإخوان من الباب إلى المحراب. وكان القرضاوي أحد وجوه السيطرة المصرية فقهيا وعقائديا وتنظيميا. عزلت قطر القرضاوي واستبدلته بالشيخ أحمد الريسوني المغربي صاحب التاريخ الطويل من انتقاد السيطرة المصرية على التنظيم العالي لجماعة الإخوان المسلمين. بالتالي، يظهر من هذا التغيير أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تفكيك التنظيم العالمي وسحب القيادة المصرية عن الإخوان المسلمين لمصلحة تركيا ومن ثم قطر.
الرئيس الجديد للاتحاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين تظهر في تصريحاته عوامل الكره لحسن البنا مؤسس الجماعة ومن خلفه معارضته لقيادة المصريين للإخوان المسلمين في العالم. وقد طالب الجماعة بوقف استخدام تراث حسن البنا فى سياساتها، وقال “على الإخوان مراجعة تراث حسن البنا”، منتقداً اتخاذ الإخوان حسن البنا مرجعا شرعيا ثابتا، يحتكم إليه وينتهى إليه، ويقاس عليه، ويستنبط منه؛ في شؤون التنظيم والدعوة والتربية، وفي السياسة ومواقفها، وفي العلاقات الدولية، معتبراً أنه “لا يشك عاقل ولا عالم في أن هذا خطأ وخلل ينبغي تجاوزه، والتمسك بتراث حسن البنا بحذافيره، وتقديسه والتمسح به، إنما هو دليل على الجمود والعجز عن الاجتهاد والإبداع والتطور الفكري والعلمى”. وقد استدعت هذه التصريحات ردا عنيفا من جماعة الإخوان المسلمين المصريين حيث قال محمد بدر، المستشار الإعلامي لمرشد الإخوان السابق تعليقا على تصريحات الريسونى: “أحمد الريسوني مع كامل الاحترام أختلف معك تماما في حديثك الأخير الذي يفتقد الحكمة عن الإخوان في مصر”.
وفي تصريح آخر انتقد الريسوني علم التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين قائلا “أليس من الغلط الواضح أن يُتخذ السيف – بل سيفان اثنان – شعارا ورمزا للإسلام؟! أليس من العيب أن يوضع السيف والمصحف في مقام واحد؟ وأن يُحصر المصحف بين سيفين؟! هل تصحيح هذا الغلط مسألة فيها قولان؟” ما عرضه لهجوم عنيف من مصريي الجماعة.
ريسوني وفي موقف آخر، كرر موقفه المعادي لكل ما هو مصري في قيادة الجماعة، وفي أحد تصريحاته صب جام غضبه على الرئيس المصري السابق أحمد مرسي وأعرب الريسونى، فى حواره مع جريدة “أيام” المغربية، عن ارتياحه لسقوط محمد مرسى فى مصر، معتبرا أن جماعة الإخوان تعانى من الجمود الفكرى، وعليها أن تتحرر من تراث حسن البنا.
بعد هذا الهجوم استنفر إخوان الأردن دعما للقيادة المصرية التي يعتبرونها مشرقية، حيث أبدى يومها عزام التميمى القيادى الأردنى بالتنظيم الدولى لجماعة الإخوان، استيائه من تصريحات الريسونى، وهاجم تجربة الأحزاب الإسلامية فى المغرب حيث قال: “من المحزن والمؤسف ألا يرى بعض إخواننا فى المغرب أن تجربتهم السياسية مازالت فى بدايتها، ولا أقل من أن يقال إنها أن لم تفشل فلم تنجح بعد، بل يرى كثير من الناس – وهذا اجتهادهم – أنهم قبلوا بالدنية إذ شاركوا فى ممارسة سياسية لم تضمن حتى الآن للإنسان المغربى الحد الأدنى من الكرامة، بينما حملتهم عبء ما يمارس من ظلم وبطش وعدوان وفساد، وحدث ولا حرج عمن فرمته شاحنة القمامة”. وألمح التميمي الى يد تركية تقف خلف كلام الريسوني قائلا “حتى لو كان إخواننا فى المغرب يرون أن اجتهاد إخوانهم فى مصر لم يكن موفقاً، ليس من التوفيق فى شىء الجزم بأن اجتهاد العدالة والتنمية هو الصواب، وبالتأكيد ليس من التوفيق فى شىء، ولا من الحكمة ولا من الخلق، أن يقول الريسونى إنه ارتاح لإزاحة مرسى وللإطاحة بالإخوان”.
في خضم هذه الصراعات الداخلية التي تعصف بجماعة الإخوان المسلمين في العالم، وفي سنوات السجن التي تعيشها القيادات المصرية بعد الإطاحة بمحمد مرسي، يأتي التحرك القطري لسحب البساط كلياً من يد المصريين واستلام زمام المبادرة منهم عبر عزل القرضاوي المصري والإتيان بالريسوني المغربي لإحداث تغيير من رأس الهرم بعدما تفتت القاعدة الشعبية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتشتت كوادرها. لا شك أن لرئيس حركة النهضة التونسية دور في هذا الأمر، فالغنوشي الذي يعتبر نفسه الأحق أن يكون مرشداً عاماً للجماعة بسبب العمر والتاريخ الطويل في التنظيم الدولي، كان يجد بالتنظيم المصري عقبة أساسية أمامه. أيضا هناك مستفيد آخر من إضعاف القبضة المصرية على التنظيم الدولي هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فليس من الصدف أن يأتي عزل القرضاوي بعد إعلان أردوغان زعامته للعالم الإسلامي في خطابه عن جمال خاشقجي أمام البرلمان التركي.
طبخة تفكيك التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين أصبحت جاهزة، سوف يتحول التنظيم الى تنظيمات مع عشرات المرشدين تماما كما حصل مع تنظيم “القاعدة”، فطريق زعامة تركيا للعالم الإسلامي التي يدعيها أردوغان بحاجة لسقوط التنظيم المصري عبر ضرب الهيبة التاريخية والقدسية التي يتمتع بها حسن البنا وبالتالي إضعاف التنظيم المصري وإنهاء إحتكاره لهذه الزعامة.