عبد الباري عطوان
هل سيُعطِي بوتين الضَّوء الأخضَر للجيش السوريّ لاستِخدام صواريخ “إس 300” لإسقاطِ الطَّائِرات الإسرائيليّة في الأجواءِ اللبنانيّة؟ ولِماذا لا يَذهب الحريري إلى مجلس الأمن شاكِيًا تَهديد الطَّائِرات في مَطارِ بيروت؟
لا نَستبعِد أن يكون القَصف الصاروخيّ الإسرائيليّ الذي استهدَف ليلة الثلاثاء مَخزَنًا عسْكريًّا غرب دِمشق، وأدَّى إلى إصابَة ثلاثة أشخاص آخِر الغارات الإسرائيليّة على سورية بالنَّظر إلى رُدود الفِعل الروسيّة والسوريّة تُجاهَه، وما تتضمَّنه مِن إيحاءاتٍ بتَعاطِي مُختَلِف في المَرَّةِ المُقبِلة.
قبل أن نتعمَّق في شَرحَ وجهة نظَرنا هَذهِ، لا بُد مِن الإشارة إلى أنّ طائِرات “إف 16” التي أطلَقَت هَذهِ الصَّواريخ أثناء تحليقها في الأجواء اللبنانيّة، ودون أن تَجرؤ على اختِراق المَجال الجويّ السوريّ، مِثلَما كانت تفْعَل في الماضي، وبالتَّحديد قبل حُصول الجيش العربي السوريّ على صَواريخ “إس 300” الروسيّة، ورُبّما تكون الخُطوة المُقبِلة هو التَّصدِّي لهَذهّ الطائرات حتى في الأجواء اللبنانيّة نفسها، في إطار سياسة الدِّفاع عَن النفس.
*
هُناك ثلاثَة تَطوُّرات مُهِمَّة يُمكِن رصدها مِن خِلال إلقاء نظرة أوليّة تحليليّة على المَعلومات المُتوفِّرة حتّى الآن في هذا الصَّدد:
الأوّل: حالة الغضب الروسي التي عبّر عنها المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسيّة إيغور كوناشينكوف، تُجاه هذا “الاختِراق الاستفزازيّ” للسيادة السوريّة، وهذا التَّعبير ورد على لسانه، وكشف أن الطائرات الإسرائيليّة أطلقَت 16 صاروخًا جرى اعتِراض 14 منها، وأصاب الاثنان الآخَران مَخزنًا عَسكريًّا، وأكَّد كوناشينكوف، وهذا هو المُهم، أنّ هذا القصف تزامن مع هُبوط سِت طائرات مدنيّة في مطار بيروت الدولي، وهدَّد سلامة اثنَتَين مِنها.
الثاني: اعتِراف السلطات العسكريّة الإسرائيليّة بسُقوط صاروخ سوري قرب مدينة حيفا، ممٍا يعني فشل القُبب الحديديّة الإسرائيليّة التي كلَّف بناؤها عَشرات المِليارات مِن الدولارات بدَعمٍ أمريكيٍّ في اعتراضِه.
الثالث: حُدوث تقدُّم كبير في فاعليّة ودقّة الصواريخ الدفاعيّة الجويّة السوريّة مِن خلال تأكيد المتحدث العسكريّ الروسيّ على إسقاط 14 منها، وليسَ من بينها صواريخ “إس 300” الأكثَر دقَّةً وتَطوُّرًا.
نِتنياهو الذي واجَه هزيمة كُبرَى في قِطاع غزّة قبل شهر، ويُواجِه انتخابات برلمانيّة في نيسان (ابريل) المُقبِل، ويقترب حبل مشنقة الفَساد مِن عُنقه، يُريد ترميم صورته، وإعادة تقديم نفسه للناخب الإسرائيليّ كرجل إسرائيل القويّ القادِر على تحقيق الأمن، ولهذا أقدم، وبصِفَته وزيرًا للدفاع، على هَذهِ الغارة الصاروخيّة على سورية التي لا تُشَكِّل استِفزازًا للقيادة السوريّة، وإنِّما للرئيس فلاديمير بوتين شَخصيًّا.
صحيح أنّ هذا الانتِهاك الإسرائيليّ للأجواء اللبنانيّة، وتَهديده للمِلاحة الجويّة في مَطار بيروت لم يُسَبِّب أي أضرار لأي طائرة روسيّة أو غير روسيّة، ولكنّه يمكن أن يَكون ورقة سياسيّة ودبلوماسيّة قويّة في يَد الحُكومة اللبنانيّة، ورئيسها المُكلَّف سعد الحريري للذِّهاب إلى مجلس الأمن الدوليّ لبَحث هذا الاعتِداء الإسرائيليّ الخَطير.. فهل يفْعَل؟
تسبَّبت الغارات الإسرائيليّة التي استهدَفت مخازن أسلحة في منطقة اللاذقيّة قُرب قواعد حميميم الجويّة في إسقاط طائرة تجسس روسيّة ومقتل 11 مِن الخُبراء الأمنيين كانُوا على ظَهرِها، دفع الرئيس بوتين إلى اتِّخاذ قرار فوري بتَسليم الدفاع الجويّ السوريّ صواريخ “إس 300″، ورَفض استِقبال نتنياهو رُغم استِجداءاتِه المُهينة، ولهذا فإنّ السُّؤال الذي يطرح نفسه هو عَن القرار المُتوقَّع للقِيادة الروسيّة على هذا الاستِفزاز الإسرائيليّ لهَيبتها في سورية؟ فهَل سيتمثَّل في إعطاءِ الضوء الأخضَر لاستخدام صواريخ “إس 300” للتَّصدِّي للطائرات الإسرائيليّة المُعتَدية ليس في الأجواء السوريّة فقط، وإنّما اللبنانيّة أيضًا، وربّما في العُمُق الفِلسطينيّ المُحتَل أيضًا؟
*
لا نَملُك أيّ إجابات عَن هَذهِ الأسئلة في الوقتِ الراهن، ولكن رُدود الفِعل الروسيّة الغاضِبة وطريقة التعبير عنها، رُبّما تَشِي بالكَثير الذي سنَتعرَّف على بعضِ ملامحه في العام الجديد، وربّما في حالِ حُدوثِ غارةٍ إسرائيليّةٍ صاروخيّةٍ أُخرَى.
القِيادة الإسرائيليّة تلقَّت ضربة قاتِلة تمَثَّلت في القرار الأمريكيّ بسَحب جميع القُوّات مِن سورية في غُضونِ شهرين، ودُون تَحقيق هَذهِ القُوّات لأبْرَز هدَفَين لوُجودها، الأوّل هو القَضاء كُلِّيًّا على “الدولة الإسلاميّة” (داعش) شَرق الفُرات، والثَّاني، إجبار إيران على سَحبِ قُوّاتها والفَصائِل التَّابعةِ لها مِن سورية.
القُوّات الأمريكيّة في شرق الفرات وشمال سورية كانت تُشَكِّل سَدًّا يقطع الطريق البريّ للإمدادات الإيرانيّة لقُوّاتها في سورية، وانسِحابها يعني إزالة هذا السَّد وفتح طريق يمْتَد مِن مَزار شريف في أفغانستان، ومُرورًا بالعِراق وسورية ولبنان، وُصولًا إلى شَواطِئ البَحر المتوسط.
لا نُبالِغ إذا قًلنا أنّ هَذهِ الغارة رُبّما تَكون الطَّلقة الأخيرة في جراب نتنياهو قبل انتِقاله إلى المكان الذي يليق به خَلف القضبان أُسْوَةً بسَلفه إيهود أولمرت، وحتّى لو تأخَّر هذا المَصير، فإنّ فُرَصه في الفَوز في الانتخابات البرلمانيّة القادِمَة تَبدو مَحدودةً، إن لم تَكُن مَعدومةً، فهل سيَنتخِب الإسرائيليّون قائِدًا هُزِم في قِطاع غزّة، وانفَضَحت مسرحيّة أنفاق “حزب الله” التي افتَعلها في جنوب لبنان، ولم يَصدُر حتّى “عتّب” أو بيان صحافي مِن مجلس الأمن الدوليّ تُجاهَها، وخَسِر بتَهَوُّر الدَّعم الروسيّ للدولةِ العِبْريّة؟
أيّام نِتنياهو باتَت مَعدودةً، ولا نَعتقِد أنّ أيّام مَن سيَخلِفه ستَكون أفضَل فالزَّمن الذي كانَت تُعرِبد فيه الغَطرسة العَسكريّة الإسرائيليّة وَلَّى وإلى غَيرِ رَجعةٍ، والعامُ الجَديد سيَكون شاهِدًا على ما نَقول.. والأيّامُ بَيْنَنَا.
المصدر: رأي اليوم