ناصر قنديل
– قبل أن تهدأ أصوات الصواريخ، كانت الدوائر الإعلامية العليا في كيان الاحتلال تسرّب رواية موحدة لكل من جيروزاليم بوست والواشنطن بوست ومجلة النيوزويك، مضمونها أن الغارات الإسرائيلية، استهدفت قياديين كباراً من حزب الله تبين لاحقاً أنهم سافروا على متن طائرة إيرانية من مطار دمشق قبل الغارات بدقائق، بينما كانت مصادر عربية تروّج لإشاعة عن اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. وبالتوازي كانت رواية أخرى مناقضة تماماً يروّجها آخرون، عنوانها أننا على أبواب حرب تستعدّ لها إسرائيل ربما تكون الغارات أولى طلقاتها، هي ثمرة ما بعد الانسحاب الأميركي من سورية، كأن رواية تريد أن تقول لقيادة المقاومة وسورية لا تغضبوا فالغارات كما وصفها جنرال إسرائيلي لم يكشف اسمه للقناة العبرية الثانية، تقدير خاطئ ، وكما وصفها جنرال آخر خطأ جسيم لأنها قد تجرّنا إلى حرب لا نتحمل تبعاتها . وبالمقابل رواية أخرى تريد أن تقول لجمهور المقاومة وسورية، لا تفرحوا فالانسحاب الأميركي ليس نصراً بل بداية كارثة مقبلة فتهيأوا للأعظم، ومَن يعلم ما تم في الأقنية الدولية الخاصة ليلاً لتفادي اشتعال الجبهات يعرف لمن الكلمة العليا في الحرب.
– في حالة الفراغ الاستراتيجي لدى أميركا و«إسرائيل ، صارت الاستراتيجية مجرد تصنيع مناسبات للحرب النفسية، وصارت الحرب والجيوش وأدواتهما مجرد آلة لصنع الخبر، وليس لتغيير وقائع الميدان. فالحرب النفسية والإعلامية صارت الميدان الوحيد المتاح لمحاولة تغيير قواعد المواجهة بالرهان على تغيير تموضع الناس على جبهات النزال. وهذا هو الحال الأميركي الإسرائيلي، كما وصفناه في قراءة مغزى الإدارة الإعلامية لمعركة الأنفاق التي خاضها نتنياهو بعيداً عن كل شروط الحرب، بمفهومها العسكري، والنتائج الميدانية للغارات واضحة بكونها فشلاً كاملاً، إلا بمقدار توفير منصة للمروّجين لأكذوبة الحرب المقبلة ليطلقوا أكاذيبهم. أما في الميدان فعندما تعترف إسرائيل بأنها استخدمت طائراتها الحديثة الـ إف35 ومعها صواريخها الذكية جي بي 39، وعندما تقول وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان أن الطائرات الإسرائيلية استظلت بطائرات مدنية فوق الأجواء اللبنانية للاحتماء من صواريخ الدفاع الجوي، ورغم كل ذلك تنتهي الغارات بتحقيق نتائج عسكرية صفر، والنتائج الفعلية لا يمكن إخفاؤها، ولا تحتاج لتبرير الغارات عندها لسيل التسريبات عن عملية خاصة جداً، وعن الدعوة لانتظار إعلان لاحق عن معلومات خطيرة جداً.
– إذا كان المراقب مجرداً من أمرين، حال الرعب من كل شيء يخصّ إسرائيل ، وحال الحقد على كل مَن يقاومها، سيسهل عليه أن يقرأ أن أشد العمليات العسكرية الإسرائيلية فضائحية في الفشل هي هذه الغارات، كما التي سبقتها من حدود الجولان المحتل، كما محاولة إثارة الفرصة وتحريك المنصة عبر الحدود مع لبنان للعب السياسة وليس لخوض الحرب. فقد باءت محاولات استكشاف إمكانية الاختراق لمنظومة الدفاع الجوية السورية من زوايا مختلفة عدة بالفشل الذريع، ومن دون النجاح في استكشاف مقدرات الـ«أس 300 ومواقع تربيضها، والتي كانت ستقوم بمهامها لو عجزت المنظومات التي تم استخدامها عن القيام بالمهمة، ولن يكون صعباً على المراقب المتجرّد أن يلاحظ أن إسرائيل في حال ارتباك استراتيجي مريع، وأن الانتخابات المبكرة ليست إلا من ثمارها ولن تحلّ عقدتها، وأن الانسحاب الأميركي ليس خطة حرب مضمرة، وأن النفوس المهزومة لن يشفيها ألف انتصار لتقرأ في كتاب الحرب، وأن كلام مواقع إسرائيلية عن صاروخ أرض أرض سوري سقط قرب حيفا وأدى إلى اندلاع حرائق، وسحب هذا الكلام لاحقاً بقرار من الرقابة العسكرية، يستحق التمعُّن، وأن ما يروج عن غض نظر روسي متفق عليه، كالكلام عن خطورة الإعلان عن إطلاق الرئيس الأميركي ليد الرئيس التركي في سورية، ليست كلها إلا بضاعة كاسدة لا يشتريها ولا يتداولها إلا ضعاف النفوس.