ادريس هاني
هناك ترتيبات يتوقف عليها قرار وضع حدّ للإرهاب، وسيكون من السابق لأوانه الحديث عن قرار لوضع حدّ لهذه الظاهرة لسببين: أوّلا لأنّ الإرهاب نزعة لا تضمحلّ وإنما تتوارى فقط ككل الظواهر الخطيرة الأخرى، أو بتعبير آخر فهي ظاهرة تُردع ولا تنتهي، ثانيا لأنّ الإرهاب بوصفه وظيفة جيوستراتيجية لا ينتهي وإنما يتحول وينتقل من إقليم لآخر..وتعلب الإمبريالية دورا كبيرا في استمرار هذه الظاهرة بل يصبح القضاء عليها فعل يضرّ بالمصالح الإمبريالية..ولقد رأينا خلال السنولت الماضية كيف أنّ الإمبريالية كانت تسند ظهر الإرهاب وتتدخّل متى أصبح الإرهاب في مواجهة المحق..ففي سوريا كلما تقدم الجيش العربي السوري نحو تجمعات الإرهابيين لوح الغرب بإمكانية التدخل وافتعل عناوين تتعلق بالكيماوي والمدنيين بينما الحرب قائمة بين جيش وطني ومجموعات إرهابية مسلّحة..واليوم بما أن أمريكا تدبّر عملية الانسحاب يصل المبعوث الأمريكي إلى أنقرة لبحث تداعيات هذا الإنسحاب وهو ما أسفر عن تكثيف تركيا لقواتها استعدادا لحرب طاحنة مع القوات الكردية..تظل المفارقة هنا قائمة، فلقد رصدنا تقلّبات في المواقف، حيث أن قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل عدوا لذودا لأودوغان هي نفسها التي سبق واحتضنت بعضا ممن زعموا أنهم ضباط منشقين في الجيش الحر، وهنا يبدو الانتقال والذهاب والإياب بين المجموعتين أمرا ملفتا..
مثال على ذلك التحاق حسام العواك بقوات سوريا الديمقراطية معلنا انشقاقه من الجيش الحر، وجاء هذا الانضمام بعد إعلان انشقاقه حسب موقع “هاوار نيوز” التابع لحزب “الاتحاد الديمقراطي” رفقة المتحدث باسم القوات، طلال سلو، حيث قال: “أنا العميد حسام العواك، نائب قائد تجمع الضباط الأحرار ومجموعة من الضباط الشرفاء، نعلن انشقاقنا عن بقايا الجيش الحر”..وكان العواك قد برر انشقاقه ذاك نظرا لما سماه هيمنة المجلس الوطني والائتلاف على المال المخصص للمعارضة، وأظهر تبرما ممن سمّاه المحتل التركي..
غير أنّ المدعو العواك مثل ظاهرة انشقاقية حلزونية حيث زعم أنه ضابط انشق أولا من الاستخبارات الجوية ليلتحق بالجيش الحر في بيان ألقاه في فندق شبيرد بالقاهرة عام 2011، ثم انشق ليلتحق بقوات سوريا الديمقراطية ثم انشق من القوات الكردية نفسها..وهذا الانسحاب والانضمام قبل ذلك يؤكد أن العواك هو عميل يتحرك وفق أجندة خاصة ويبدو من خلال تتبعي لنشاط هذا الشخص الملتبس أنه عميل مهمته اختراق هذه التشكيلات لصالح دوائر استخباراتية غربية، أي أنه كان يؤدي أدوارا تجسسية سواء داخل الجيش الحر أو قوات سوريا الديمقراطية.. زعم حسام العواك أنه انشق من الجيش العربي السوري سنة 2011 بينما هو مطرود من الجيش عام 2004، وبينما يمنح نفسه رتبة عميد كان حين طرده من الجيش لأسباب أخلاقية برتبة رائد..وكان العواك قد أعلن في وقت سابق بأنه المسؤول عن اختطاف فوج الحجاج اللبنانيين في منطقة أعزاز بحلب..
إنّ تسليط الضوء على هذا العميل الذي طال لسانه وكثرت مزاعمه يعطينا صورة عن مهزلة المعارضة المسلحة التي تتناقض إلى حدّ المفارقة، فهو يعلن نفسه تارة معارضا يدافع عن الشعب السوري ومرة أخرى تراه يتجه نحو القوات الكردية لينخرط في مشروع التقسيم وفي الوقت نفسه يعتبر تركيا دولة احتلال: هل هي محتلة لسوريا أم الإقليم الذي سعت الدوائر الغربية لتجزئته ومنحه للأكراد..سيكون من الصعوبة أن تتوقف عند عميل حقير مثل العواك..
الشاهد في حديثنا هذا هو أنّ ظاهرة الانتقال من فصيل إلى آخر تؤكّد على أنّه ليس في قنافذ الجماعات المسلحة أملس..ففي ما يسمى بالمعارضة السورية يلتقي مدير كازينو كالعواك الذي رقّى نفسه من رائد إلى عميد بعد خبرة في إدارة الكباريهات بالإخوان بالنصرة بقوات سوريا الديمقراطية..
ستغادر أمريكا وتترك أوردوغان ينظّف آثار لعبة الأمم في المنطقة..الكل يهرب من المنطقة والحلفاء يتراشقون بالتهم، والحقيقة أنّ ترامب لا يرى نفسه مسؤولا عن إنقاذ الحلفاء، فهو لا يرى أنّه مدين لهم بشيء، لسبب بسيط هو أنّهم تحالفوا معه ليربحوا بينما هو في هذه اللعبة يريد أن يربح وحده، ففي هذه المعركة التي خسرها الحلفاء لن تقبل أمريكا أن تتحمّل وحدها الخسارة..على الحلفاء أن يقبلوا بالهزيمة ويدفعوا الضريبة مرتين: ضريبة الخسارة وضريبة أخرى لأمريكا لكي لا تغضب على حلفائها الذين عجزوا عن تدبير الأزمة..
لم يبالغ هنتنغتون مطلع التسعينيات حين تحدث عن تركيا على أساس أنها نموذج للهوية الممزقة يظهر ذلك في تقلّب سياساتها، فهي مع أوردوغان تعيش على إيقاع هذا الفصام: بين نزعة العثمنة ونزعة الدولة القومية..لقد كان المزاج المتحكم في السياسة قبل سنوات هو الميل إلى إحياء العثمنة بينما اليوم تعمل على أساس مصالح الدولة القومية، وفي مثل هذه الحالة سنشهد حالة اقتتال كبيرة بين أوردوغان والأكراد، فالانتصار السّوري سيجعل تركيا غير قادرة على تفادي دفع فاتورة ثماني سنوات من تأزيم الوضع السوري والتصعيد في العدوان..إنّ الإرهاب سيفرض أجندة خاصة، لأنّ هذه المجموعات المسلّحة لن تسمح بأن تباع في سوق النخاسة، ثمّة بؤر أخر ستكون هدفا لموجات إرهابية، وهي المناطق الرخوة سواء إقليميا أو دوليا ..
شاهد أيضاً
إسرائيل تنفّذ أكبر عملية أمنية في تاريخ الصراع: هل فُتحت أبواب حرب بلا ضوابط ولا أسقف ولا حدود؟
18 أيلول 2024 إبراهيم الأمين خلال دقيقة واحدة، نجح العدو في توجيه أقسى ضرباته إلى …