الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / إسرائيليون يعيشون خيبات الأمل..وتطبيعيون يتحدثون عن الواقعية والأمر الواقع

إسرائيليون يعيشون خيبات الأمل..وتطبيعيون يتحدثون عن الواقعية والأمر الواقع


ادريس هاني
هناك وهم كبير استعملته الصهيونية ضدّ اليهود حين قادتهم إلى الجحيم، وهناك وهم أكبر سقطت فيه الدعوة الصهيونية حين جعلها آل روتشيلد تغادر أوروبا في عملية ترانسفير تاريخي معكوس لإخلاء أوربا من اليهود..ما حدث حتى اليوم يتطلّب قراءة كبيرة، فوضعية الصهيونية ومصيرها هي وضعية ومصير كلّ جماعة متطرفة ووظيفية..
فلقد سلكت داعش المسار نفسه للصهيونية التي جعلت الدولة الوهمية هدفها وحصلت على دعم واسع وتغطية قانونية وكان الهدف هو تكريسها كأمر واقع..لكن الجماعات المتطرفة الوظيفية تجد نفسها في منعطف من التمكين يجعلها تشطّ ببرامج خاصة وهو ما يعزز التناقض الذي يقضّ بنيتها..لكن ثمة وهم غريب يتعلّق بمن يتعامل مع هذا الكيان كما لو أنّه أمر واقع نهائي، تماما كما كانوا ينظرون إلى حكومة الآبرتهايد في جنوب أفريقيا..
الواقعية التي يرددها قادة التطبيع يذكروننا في ذات اليقين الذي استعمله أنصار الجيش الحر في سوريا الذين هرولوا للاعتراف به كما لو كان حقيقة ستبقى إلى الأبد..إنه سكر القوة وسوء قراءة تاريخ نشأة واضمحلال الدول وشروط استمرارها..تستمر الدول بأكل البصل ولكنها لن تستمر بلا شرعية..الشرعية التي يمنحها التاريخ والشعب والكفاح وليست الشرعية التي تقاس بمصالح جيوبوليتيكية متقلبة..في الوقت الذي يفكّر أهل التطبيع في زيارة كيان الاحتلال هناك قسم من شعب الاحتلال يفكّر في الرحيل..تتعامل واشنطن حتى الآن بتدبير الزمان الجيوستراتيجي لأنها تنبّأت في وقت سابق بأنّ إسرائيل في أقصى تقدير ستنتهي في 2025..النبوءة هنا مبنية على الكثير من العوامل والشروط السياسية والبيئية ودراسة دقيقة لطبيعة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية..أعوام زائدة أو أعوام ناقصة لا يغير من قوة التّنبّؤ الذي تستطيع أن تقرأه في إرادة شعب يزداد يوما عن يوم إصرارا على الكفاح..
الواقعية المزيفة التي تقوم عليها فكرة التطبيع لا تأخذ بعين الاعتبار عنصر إرادة الشعوب، وبالتّالي كيف يتمّ تمرير الأمر الواقع مع شعب أصبحت هويته هي الكفاح؟ يمكن الحديث هنا عن آخر مقالة تدحض الواقعية المزيفة وطبيعة الاحتقان العميق لدى شعب كيان الاحتلال..يكفي المقال الأخير للكاتب آري شبيط في صحيفة هآرتس الذي رسم مستقبلا غامضا لإسرائيل..إنّ أهم ما ذكره الكاتب هو أن انطواء كل إسرائيلي على جواز سفر يفوق كونه جواز سفر تقني بل هو جواز سفر نفسي..
هناك عدم اطمئنان لواقع مرير تخفيه العبارات السياسية والمناورات وآلة الفتك التي لا مستقبل لها..فإسرائيل تغرق في هستيريا التسلح حدّ المرض ولكن كل ذلك السلاح الذي يخوّل لها ردع الجيوش العربية لا يستطيع أن يحقق لها عنصر الردع إزاء شعب مكافح..إن قوة الشعوب في العصيان وفي اليد المجردة، وكلما استعملت أدوات الفتك كان ذلك انتصارا للشعوب..هل ستستعمل إسرائيل النووي مع الشعب الأعزل؟ هل ستأسر شعبا بكامله لكي يستمر وهم دولة الاحتلال في رؤوس ضحايا الترانسفير الغربي؟
إذا عدنا إلى مقال هآرتس لكاتبه الإسرائيلي سنقف عن الحقيقة التي يستشعرها من يقرأ الأوضاع خارج المظاهر العُصابية لاحتلال ينتظر لحظة التّفكك الحتمي، فثمة شيء لم يتضح بعد لدى المغرر بهم أو من ورثوا الوهم من آبائهم، يقول آري شبيط:
“من هناك، من بلاد القومية المتطرفة الألمانية الجديدة، أو بلاد القومية المتطرفة الأميركية الجديدة، يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة. يجب أن نخطو ثلاث خطوات إلى الوراء، لنشاهد الدولة اليهودية الديمقراطية وهي تغرق. يمكن أن تكون المسألة لم توضع بعد”.
وفي نظر الكاتب المذكور لا أحد سيوقف الاستيطان أو إنقاذ إسرائيل غير الإسرائيليين أنفسهم وهو أن يعترفوا بالواقع..الواقع الذي يتحدث عنه آري شبيط ليس واقع التطبيعيين الذين يمنحون إسرائيل صك الواقعية المزيفة التي ناهضتها الشعوب ولا تزال، بل الواقع هنا أن تغير إسرائيل لغتها السياسية وتعترف بأن هناك شعبا في فلسطين ولا بد من التفكير في طريقة ما للبقاء فقط، يقول:
“وليست الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هما اللذان سيوقفان الاستيطان. القوة الوحيدة في العالم القادرة على إنقاذ إسرائيل من نفسها، هم الإسرائيليون أنفسهم، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض. ويحث على البحث عن الطريق الثالث من أجل البقاء على قيد الحياة هنا وعدم الموت”.
تواجه إسرائيل خطر تنامي خطاب نقيض لكل الأوهام والأساطير..فالكاتب طاف وجال حول تلك الأكاذيب بشكل واضح..وحينما يصبح شعب الاحتلال أسيرا هو الآخر في أكذوبة فإنّ ما ستواجهه إسرائيل قريبا تصاعد خطاب خيبات الأمل تلك وبالتالي ستدخل إسرائيل مرحلة دواوين التفتيش مستعيدة بذلك تقاليد القمع ضدّ شعبها كما استعملت تقاليد النازية ضد الفلسطينيين..فلقد أدركت إسرائيل منذ فترة أنّ التحولات الجيوستراتيجية غداة سقوط الاتحاد السوفياتي جعلت أمريكا تنظر إلى إسرائيل كعبئ..هذه الأخيرة ولكي لا تسمح للغرب أن يتخلّى عنها في مستنقع الشرق الأوسط بدأت تمدّ أدرعها إلى المجال الأوراسي وتبني لها أوضاعا متقدمة عبر التغلغل والاختراق لقطاع السياسة والأمن والاقتصاد والصناعة..وبذلك فهي تطور نفسها ككيان وظيفي قادر على أن يشكل ثغرا إمبرياليا في هذا المجال..
ستهرب أمريكا من الشرق الأوسط ناحية شرق آسيا وهناك ستجد إسرائيل، ستجدها في التخوم الحيوية للمجال الأواسي لا سيما في التخوم العازلة ما بين روسيا والصين..ستستند إسرائيل على اللوبي الصهيوني في أمريكا لتضخيم الدور الاستراتيجي الجديد لإسرائيل، هذه المرةّ لن يكون على أساس الوعد بأورشاليم بل ربما سنصبح أمام الحنين إلى خازاريا، حيث الأصول الحقيقية لسلالة آل روتشايلد..وهو ما يعيد الاهتمام الأمريكي بها ولن ينظر لها كعبئ في المستقبل، غير أن هذا هو الآخر لن ينفع، لأنه سيفتح المجال لتناقضات كبيرة..
إنّ إسرائيل لم تعد بالنسبة لشريحة كبيرة من شعبها حلما، ولهذا السبب يعمل الكيان على القيام بين الفينة والأخرى بعمليات تطبيع تعويضية وإعلامية هدفها طمأنة شعب..إنها ليست اختراقات باهرة بل تعبير عن اضطراب في غريزة حبّ البقاء وتحويل كل مصافحة إلى حدث إعلامي حتى أننا رأينا كيف تحتفل إسرائيل بمطبّعين من درجة مجهول لأنها في حاجة إلى التعويض النفسي من حالة النفور والحصار النفسي للشعوب..حصار لن تنفع معه مسرحيات التطبيع مهما سلط عليها الكيان المذكور أضواء الإعلام كأنها فيستيفال تطبيعي..إن ما يحدث أحيانا من حالات التطبيع الفانتازية هدفها مكافحة اليأس ومطاردة خيبات لأمل..فالوعي النقيض يتشكّل داخل الكيان الصهيوني وهناك ما يشير إلى تفكك الكيان من الداخل، عملية صامتة يدركها العارفون بمسارات القوة والضغط في الميكانيكا، أي تستطيع أن تدرك ذلك حتى بمستوى ميكانيكا نيوتن إن كنت لن تدرك ذلك بمنطق التيرموديناميكا الحرارية، حيث التفاعلات السياسية اليوم في المنطقة والعالم تشبه عمليات التبادل الحراري التي تنتهي بانخفاض حراري في مناطق التّوتّر..كلّ هذا يحصل بعامل الزمن، ولكنه أي زمان؟ إنه الزمن الضروري للمقاومة لكي تحقق أهدافها..يحصل ذلك بسبب يقظة الشعب الفلسطيني وخيار المقاومة…

عن prizm

شاهد أيضاً

يزول الكيان وتبقى فلسطين..

20 تشرين الثاني 2023 أحمد بهجة يقول تاريخ الإنسانية إنّ ما من احتلال استمرّ ودام، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *