حسن جوهر
يستمر التخبط الأميركي في الشرق الأوسط تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يترنح سياسياً في واشنطن وتتراجع شعبيته حتى في وسط جماهير الحزب الجمهوري نفسه، ومع ذلك ما زال البعض في المنطقة العربية يحسب له حسابا كزعيم عالمي، وإن تحول إلى شخصية كارتونية وكاريكاتيرية هزيلة.
جولة وزير الخارجية الأميركي بومبيو للمنطقة العربية تعكس حالة التيهان في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، فبعد فشل تشكيل الناتو العربي، تحاول الإدارة الأميركية الترويج لفكرة حلف وارسو، الذي سقط سقوطاً مدوياً مع انهيار الإمبراطورية الشيوعية، وتسعى واشنطن إلى إحيائه هذه المرة ولكن لمواجهة إيران.
الوزير الأميركي زار ثماني دول عربية لضمها إلى هذا المحور، لكنه ألغى محطته الأخيرة إلى الكويت بحجة حضور جنازة في الولايات المتحدة، ويتساءل البعض حول تفسير هذه الحركة الدبلوماسية الرعناء، والتي قد تحمل دلالتين: الأولى الامتعاض الأميركي من فشل حكومة ترامب في إلغاء الاتفاقيات التي وقعتها دولة الكويت مع الصين في إطار شراكة استراتيجية طويلة المدى، حيث جاء الرد الكويتي بزيارة النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء إلى بكين لتأكيد التزامات الجانب الكويتي. الدلالة الثانية تتمثل بالموقف الكويتي تجاه أمن الخليج، وتفضيل أسلوب الحوار والدبلوماسية الناعمة مع إيران بدلاً من التصعيد السياسي والعسكري، وهو الخيار الذي يضغط الرئيس ترامب من أجله، إضافة إلى التنسيق الأمني مع تركيا وبريطانيا وليس الولايات المتحدة. ولكن هل يستحق رد الفعل الكويتي مثل هذا التصرف الأميركي؟ الحقيقة أن جولة بومبيو فشلت بعدما تلقت إشارات واضحة من كل من مصر والأردن وسلطنة عمان وحتى قطر بعدم التحمس لخيار المواجهة مع إيران، خصوصا أن الملفات الإقليمية الدامية في سورية واليمن والعراق بدأت تسير نحو الانفراج، كما أن الموقف الأميركي بدأ يفقد مصداقيته وهيبته في دعم حلفائه، وآخر أمثلة ذلك الانسحاب من سورية وترك الأكراد في العراء والرضوخ للمطالب التركية، وأخيراً فإن عنجهية الولايات المتحدة قد تجاوزت كل خطوط اللباقة ومفاهيم الشراكة، فدونالد ترامب يحاول أن يكون هو الآمر الناهي في ضخ أموال الخليج من جهة والجيش المصري والأردني من جهة أخرى في الحرب ضد إيران ولبنان وفلسطين، دون أن يتحمل دولاراً واحداً أو جندياً أميركياً إنما من أجل مصالح إسرائيل في المنطقة. الإدارة الأميركية تريد أن تشعل المنطقة الخليجية برمتها، لكنها أجبن من أن تكون في أرض المعركة، فها هي تنسحب من اليمن أمام أفقر شعوب العالم، وها هي تهرب أمام “داعش” وهو في أضعف حالاته، ومنذ مجيء ترامب كانت معظم الصفقات الأميركية مع الخليج عسكرية، ولم تتضمن أي علاقات تجارية أو في التقنيات الحديثة، وحتى البترول الخليجي لم يعد له وجود في السوق الأميركية. الموقف الكويتي فعلاً أذكى المواقف العربية حالياً، ولعل هذا سبب إلغاء زيارة بومبيو لأنه لن يقبض شيئاً، خاصة بعد سلسلة الفتاوى الدينية التي دعمت الموقف الرسمي في عدم إقحام المنطقة في بحر جديد من الدماء، فجنازة بومبيو في الحقيقة هي مشروعه الميت في وارسو، فذهب ليواري جثمانه الثرى في واشنطن!