عـبدالله عـلي صـبري
كان لا بـُـدَّ من ثورة أَو حركة 11 فبراير بغضِّ النظر عن مآلاتها، وما نكابدُه تحتَ الحرب والعدوان وتجزئة البلاد وانهيار الاقتصاد وتردّي حالة السلم الاجتماعي في عموم الوطن الواحد، وبغضِّ النظر عن الدماء والتضحيات التي التفَّت عليها الانتهازيةُ السياسيّة ولصوص الثورات، كما يحصلُ في معظم التجارب والدول.
بَيْــدَ أن الأحلامَ العريضةَ التي تبخّرت لأسبابٍ كثيرة، ما تزالُ هي ذاتها الأحلام، مع أولويات طغت على هموم الناس ومعيشتهم اليومية. ومكابرٌ مَن يظُنُّ أن الشعوبَ في مسيرة تحرّرها الوطني يمكنُها أن تتنازلَ بسهولةٍ عن أهدافها الكبيرة وإنِ انشغلت عنها؛ بسبب عارض ما.
فلا يظُنُّ أحدٌ أن عقاربَ الزمن تعودُ إلى الوراء، مع مفارقةِ أن البعضَ يتمنَّى تحت ضغط اللحظة التأريخية أن تعودَ بنا الأيامُ إلى قبل فبراير 2011م. لكن ترى ما المغرى في عهد 2010 وما قبله؟
هل يمكنُ لعاقلٍ أن يترحَّمَ على زمن الظلم والاستبداد وتبديد ثروة الشعب لصالح قلةٍ انتفاعية أكلت الأخضرَ واليابس، وأدّت أنانيتُها المفرطةُ إلى إشعال الحرب الداخلية في صعدةَ وفي الجنوب؟
هل كان بإمكان تلك الطغمة الحاكمة أن تتنازلَ للشعب عن السلطة بعد 33 عَاماً من التفرُّد بكل شيء تقريباً؟.. ولو كان للمستبدين والطغاة عقولٌ وقلوبٌ يفقهون بها لما رأينا السيناريو ذاتَه يتكرّر في أكثرَ من دولة عربية، وُصُولاً إلى الرئيس السوداني عمر البشير الذي يتعامَلُ مع السلطة وكأنها حَــقٌّ شرعي له إلى ما لا نهاية؟
2011 م كان مفترقَ طرق، إمّا العبودية وإمّا التغيير.. وقد اختار شعبُنا وسلك بملء إرادته طريقَ اللاعودة، وأنجز المهمةَ التي كانت تبدو شبهَ مستحيلة، غيرَ أن نتاجَ الحاكم وثقافتَه كانت قد استشرت في جسد المعارضة السياسيّة نفسِها، فإذا بها تتصرَّفُ بمشروع التغيير وكأنه تقاسُمٌ للسلطة والنفوذ فحسب.
انخدعنا بالنُّخبة الانتهازية -ولا نبرِّئُ أنفسنا- وتعاملنا مع التغيير وكأنه مشروعٌ ناجزٌ لا يحتاجُ سوى جَرّة قلم، فندخُلُ واحةَ الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة والدولة المدنية، وهَلُمَّ جَرًّا.
تحتَ نشوة الظفر بالسلطة وعلى إيقاع التكالب على المصالح والمناصب، تناسلت القيمُ والمبادئُ شيئاً فشيئاً؟ وإلا كيف نفسّرُ مسرحيةَ تسليم هادي السلطة وِفْـقاً للمبادرة الخليجية، وكيف تواطأت القوى الثوريةُ والسياسيّةُ على مشروع التغيير حين تعاملت مع ذاك السيناريو وتلك الانتخابات الهزلية التي لم تمنحِ الناخبُ سوى خيار واحد؟. واليوم فإن القوى التي صنعت الكذبةَ باتت أكثرَ من يصدِّقُها ويدافعُ عنها تحت مسمّى الشرعية؟
الدرسُ المستفادُ أن التفريطَ بالديمقراطية أفضى بنا إلى النفق المظلم، ومَن يرومُ اليومَ يمناً حرًّا سيِّداً، فليعملْ مع كُــلّ القوى الوطنية باتّجاه الاحتكام إلى اختيار الشعب عبر انتخابات حُرَّةٍ ونزيهة، واحترام النتائج أيّاً كانت!!
.