حسن حردان
بعد أكثر من عقدين من إحكام سيطرته على رئاسة بلديات المدن الكبرى الرئيسية في البلاد، تلقى حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب أردوغان هزيمة قاسية هي الأولى منذ وصوله إلى السلطة، عندما خسر الانتخابات البلدية في العاصمة أنقرة، ومدن اسطنبول وأنطاليا وأضنة، التي فاز فيها تحالف حزب «الشعب الجمهوري» وحزب «الجيد»… على أنّ خسارة مدينتي اسطنبول ذات الثقل السكاني عشرة ملايين نسمة شكلت ضربة سياسية ومعنوية كبيرة وموجعة لأردوغان، الذي صعد نجمه من هذه المدينة، عندما نجح في الوصول إلى رئاسة بلديتها، وتعزز دوره في الحياة السياسية وصولاً إلى رئاسة الجمهورية وسيطرة حزب على مقاليد السلطة من دون منازع.. لا سيما أنّ الرئيس التركي اعتبر هذه الانتخابات مسألة حياة أو موت بالنسبة له ولحزبه، ولهذا رمى بكامل ثقله فيها، لدعم مرشحي حزب العدالة، وتحوّل إلى قائد لحملاتهم الانتخابية، يخطب في المهرجانات ويدعو إلى دعمهم والتصويت لهم… ومع ذلك كانت النتيجة مخيبة لأردوغان وحزبه، ولم يعوّض من هذه الخسارة الموجعة، فوز حزب العدالة في الأناضول، لأنّ المدن الأساسية، لا سيما أنقرة واسطنبول، هي التي تشكل المركز، وتملك البلديات فيها الموارد والإمكانيات الكبيرة، التي تجعلها قادرة على تنفيذ المشاريع التنموية، وبالتالي من يحسن القيام بمشاريع تصبّ في مصلحة الناس ترتفع شعبيته ويصبح مؤهّلاً لاحتلال مواقع سياسية، واستطراداً تحقيق الطموح لخوض معركة الانتخابات النيابية أو الرئاسية، تماماً كما فعل أردوغان بعد فوزه برئاسة بلدية اسطنبول سنة 1994 وتمكن من وضع تنفيذ برنامج عالج المشكلات المزمنة التي كانت تعاني منها المدينة على صعد النفايات والطرقات والمياه وتسديد ديون البلدية التي كانت تناهز ملياري دولار… هذه الخسارة لأردوغان في مدينة اسطنبول العريقة وعصب الاقتصاد والمهمة في مثل هذه المحطات الانتخابية، دفعت موقع «فرانس 24» إلى وصفها بالانتكاسة الكبرى لحزب أردوغان، واعتبارها اختباراً حقيقياً لشعبيته.. «انّ خسارة أهمّ مدينتين، أنقرة واسطنبول، تشكل هزيمة مدوية لأردوغان».. لذلك فإنّ هذه النتيجة كانت بمثابة استفتاء على حكم حزب العدالة، مما يؤشر إلى تراجع ملموس في شعبيته، ومؤشراً على إخفاق سياساته..
لكن ما هي الأسباب التي أدّت الى هذه الخسارة لحزب العدالة وفوز احزاب المعارضة له؟ وبالتالي ما هي النتائج المترتبة على هذه الخسارة؟
تكمن أسباب الهزيمة التي مُني بها حزب العدالة في أهمّ المدن التركية، في الآتي:
أولاً: انخراط أردوغان في الحرب الإرهابية على سورية وتحويل تركيا إلى قاعدة للإرهابيين، ما أدّى إلى انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار في تركيا والتسبّب بمضاعفات سلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، في حين أنّ أردوغان أخفق في تحقيق أهدافه في سورية ما أدّى إلى التسبّب في مشكلات عديدة لتركيا، تجسّدت في نشوب خلافات مع الاتحاد الاوروبي، والولايات المتحدة التي أقدمت على فرض عقوبات اقتصادية على تركيا مما أثر سلباً على سعر صرف الليرة التركية وبالتالي على القدرة الشرائية للمواطن التركي ووضعه المعيشي الذي تدهور نتيجة لذلك… وترافق كلّ ذلك مع ركود اقتصادي وتراجع معدلات النمو…
ثانياً: إقدام أردوغان على ممارسة عمليات قمع واعتقال واسعة شملت المعارضين له مدنيين وعسكريين بدعوى انتمائهم لجماعة عبد الله غولن المعارض لأردوغان والموجود في الولايات المتحدة التي ترفض تسليمه للسلطات التركية، كما أقدم أردوغان على طرد عشرات آلاف من الموظفين في الدولة وضباط وجنود من الجيش بتهمة الانتماء إلى جماعة غولن…
ثالثاً: تقييد الحريات الإعلامية واعتقال والتضييق على الإعلاميين الذين ينتقدون سياسات أردوغان، وإحكام قبضته على وسائل الإعلام..
وأدّى ذلك إلى اتساع دائرة المتضرّرين من سياسات سلطة حزب العدالة، وبالتالي إلى تعزيز قوى المعارضة لنهج أردوغان السياسي.. من هنا فإنّ أسباب هزيمة حزب العدالة في المدن الكبرى الرئيسية وتراجع شعبيته إنما تعود إلى هذه المشكلات والأزمات الداخلية والخارجية التي تسبّبت بها سياساته.
وأما على صعيد النتائج،
1 ـ من الطبيعي أن تؤدّي هذه النتائج للانتخابات البلدية إلى إنعاش قوى المعارضة وتعزيز موقفها في مواجهة حزب العدالة، وان يؤدّي ذلك إلى رفع معنوياتها ودفعها إلى زيادة وتيرة عملها السياسي والاجتماعي والخدماتي لكسب المزيد من التأييد الشعبي استعداداً للانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة.
2- إضعاف موقف أردوغان وحزبه وسيادة حالة من الإحباط لدى جمهوره.. وإذا ما استمرّت الأزمات الداخلية والخارجية، وتدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي أكثر، وفشل حكم أردوغان في إيجاد الحلول للأزمات المختلفة، فإنه من غير المستبعد أن يؤثر ذلك بشكل كبير على مجرى الانتخابات النيابية، واستطراداً الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أنّ الانتخابات البلدية، خسّرت أردوغان وحزبه ورقة خدماتية كبيرة في انقرة واسطنبول وباتت سلاحاً بيد الأحزاب المعارضة…
خلاصة الأمر أنّ أردوغان الذي ورّط تركيا في الحرب الإرهابية على سورية وراهن على استعادة أمجاد الدولة العثمانية الغابرة لتعزيز حكمه، ليس في تركيا وحسب، وإنما أيضاً على مستوى العالمين العربي والإسلامي، فشل في رهانه وارتدّ هذا الفشل عليه في الداخل والخارج، بتفجير أزمات مع الحلفاء والخصوم والتسبّب في إضعاف الاقتصاد وتراجع الوضع المعيشي للشعب التركي.. ولهذا بدأ يدفع فاتورة فشله، وأول فاتورة كانت خسارته الانتخابات البلدية في معاقله الأساسية…