الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / حرب الآثار والمزاعِم اليهودية

حرب الآثار والمزاعِم اليهودية

15 أب 2019

موفق محادين*

لم تترك المرويات اليهودية، حاضِرة مشرقية إلا ونسبتها إليها، وآخر تلك المزاعِم مدينة البتراء، الأثر العظيم الذي بناه العرب جنوب بلاد الشام (الأردن الحالية)التي أُثيرت مُجدَّداً بعد تواصل الإختراق الصهيوني للساحة الأردنية، وتصوير أكثر من فيلمٍ مشبوه، من فيلم رحلة إبراهيم عام 1998، وهو إنتاج مُشترَك بين صهاينة وأردنيين، إلى فيلم منطقة حرّة عام 2008، إلى محاولة تصوير فيلم جابر الذي قوبِلَ برفضٍ شعبي وثقافي واسعٍ ما اضطر فريق الفيلم إلى وقف التصوير في الأردن ونقله إلى مكانٍ آخر.

ويُشار كذلك إلى أن تزوير الحقائق والآثار، تمهيداً لوضع يد العدو على الأردن بكامله، دونه تاريخ خطير من المُزوِّرين اليهود الكِبار، الذين سبقوا المشروع الصهيوني ومهَّدوا له بإصدار مجموعةٍ من الدراسات المُلفَّقة، بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ومنها:

أرض جلعاد –
أرض مؤاب –
أرض مَدْيَن –

بل أن رواية تانكريد لديزرائيلي، رئيس وزراء بريطانيا في العهد الفكتوري، تُعدّ عملاً تأسيسياً لكل ذلك، بحديثها عن صحراء الشرق وأبناء سارة وعبيدها (الساراسين) (الهاجريون والإسماعيليون في المنطق اليهودي

وليست مشاريع تصفية القضية الفلسطينية الأخيرة عبر الأردن والشرق العربي، ومنها صفقة القرن بعيدة عن الإستراتيجية الصهيونية وخطابها العُنصري (السيّد اليهودي والعبد العربي)

في الردّ على ذلك، وتأكيداً على ما كتبه أنجلز، وكذلك هيغل حول الطبيعة البدوية الصحراوية لليهود وسرقتهم آثار الشرق وإعادة صوغها في التوارة والمُدوِّنات اليهودية، فإن اليهود لا علاقة لهم البتَّة بأيّ أثرٍ عُمراني حضاري، ناهيك بتكفيرهم للنحت أصلاً

هكذا، يميل معظم عُلماء التاريخ في الحفريات والأنثروبولوجيا إلى أن اليهود القُدامى في الشرق هم قبائل عربية مُتهوِّدة، رعوية، جوَّابة، احترفت الربا ومهنة المُرتزقة بسبب هذه الوضعية الإجتماعية بالذات، ولم تعرف الاستقرار والزراعة وبناء المدن والقِلاع الحجرية، وهو الأمر الذي ظهر في ربط الروايات اليهودية بين (تاريخهم المزعوم) وتجوالهم وهروبهم الدائم، وبين الصراع مع الحضارات الحجرية (حضارة الأهرامات والقِلاع والأبراج …الخ).

فمصر الفرعونية (الحجرية) ملعونة وبابل الحجرية (ملعونة) وأقوام مؤاب وعمون الذين شذّبوا الحجارة ونحتوها أقوام ملعونة وهكذا.

بهذا المعنى، كيف توفِّق الروايات اليهودية بين هذه الأيديولوجيا، وبين هيكل سليمان المزعوم، والمُفترَض أنه لو كان قد وُجِدَ فعلاً، لكان هيكلاً حجرياً منحوتاً (ملعوناً) في التأويلات التوراتية.

يذكرُ الأنثروبولجي الكبير، السير جيمس فريزر في كتابه الفولوكلور والتُراث اليهودي، كيف كان أشعيا (النبي حسب بعض الروايات والمدوّن أو الكاتب حسب روايات أخرى) يتّهم (الإسرائيليين) القُدامى بالوثنية لأنهم. كانوا يعبدون الأحجار المُشذَّبة بفعل المياه وكانوا يصبّون عليها قربان الخمر ويقدِّمون لها الهِبات مثل الوثنيين.

زد على ذلك، أن أيّ معبدٍ حجري في الأزمنة القديمة كان مُرتبطاً بمجموعةٍ من الطقوس، وثنية بالكامل، أهمها قرابين الاسترضاء أو الاستدعاء، وهي فكرة إسترجاعية قائمة على التحيين المُقدَّس ورَبْط الحياة بالأله الوثني كعنوانٍ لوحدة الوجود نفسه كما للخلود.

كما أن حجارة المعبد نفسه في الثقافة الوثنية، تُعتَبر مسكناً للربّ والقوى الروحية، ما يُفسِّر الرَبْط السابق بين هذه الحجارة والطقوس الاسترضائية وفكرة الخلود المذكورة التي تتناقض بحد ذاتها مع الثقافة التوراتية الأولية، التي لم تتعرَّف على الخلود وتؤمِن به إلا لاحِقاً.

إلى ذلك، وفي ما يخصّ الآثار الحجرية المُقدَّسة عموماً فغالبيّتها كانت معابد أو هياكل وثنية تُقام فيها الطقوس والتقديمات لإيل وبعل وزيوس وتموز وزفس وجوبتير وأوزيريس، وهكذا.

وقد تحوَّل بعضها، مع انتشار المسيحية إلى كنائس ثمّ إلى مساجد مع الفتح الإسلامي، وحدث العكس في بلدانٍ أخرى (الأندلس مثلاً).

ومن نماذج الحال الأولى، معبد زيوس اليوناني في دمشق الذي تحوَّل إلى معبد جوبتير الروماني ثم إلى كنيسة ثم أُقيم المسجد الأموي على جزءٍ منه، ومثله مسجد آيا صوفيا في إسطنبول التي تغيَّر إسمها هي نفسها حسب الحضارات والدول المُتعاقِبة، اليونان، الرومان والعثمانيون.

موفق محادين: كاتب وباحث أردني

سيّاح إسرائيليّون يمارسون طقوسهم الدينية في قبر النبي هارون في الأردن مؤخراً

عن Amal

شاهد أيضاً

إسرائيل تنفّذ أكبر عملية أمنية في تاريخ الصراع: هل فُتحت أبواب حرب بلا ضوابط ولا أسقف ولا حدود؟

18 أيلول 2024 إبراهيم الأمين خلال دقيقة واحدة، نجح العدو في توجيه أقسى ضرباته إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *