الانتخابات في فلسطين المحتلة: استحقاق وطني ام توظيف سياسي؟
السبت 14 ديسمبر 2014
إن الانتخابات في الأنظمة الرأسمالية أو التي تشبهها هي إحدى أهم وسائل الحفاظ على سيطرةأحزاب الطبقةالبرجوازية على مقاليد الحكم ومراكز القرار في مؤسسات الدولة وخاصة العسكرية والأمنية والمالية والاقتصادية، وتُسَوّق للرأي العام المحلي والعالمي على أنها أرقى أشكال الحكم، والفائز في الانتخابات يُمثل الشرعية الدستورية والوطنية للأمة ومصالحها. نعم هذا الذي يحدث في ” مجتمع الضرورة ” كما يسمي كارل ماركس المجتمع الرأسمالي، وليس في ” مجتمع الحرية ” أي المجتمع الشيوعي.
إذاً الدول ( المجتمعات ) التي تمارس هذا النوع من الانتخابات كتعبير عن الديموقراطية هي دول (مجتمعات ) مستقله ذات سياده لذاتها ولا تؤمن بالحرية وإن ادعت أنها تطبقها، وتقيم الديكتاتوريات عند الضرورة في مجتمعات أخرى من أجل استغلال ونهب ثرواتها، أي تمتلك القوه والوسائل كي تضطهد وتستعمر شعوباً وأمماً أخرى وتنهب ثرواتها وتلغي سيادتها باسم الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان التي تنتهكها وتلغيها تماماً عندما يتعلق الأمر بمصالحها وأمنها القومي كما تدعي .
هكذا يتضح أن المجتمعات والشعوب التي ترزح تحت الاحتلال والاستعمار تفتقد للشروط الموضوعيةوالذاتية لممارسة الانتخابات الديموقراطية حتى بشكلها الأسوأ النقابي والبلدياتي ولا يذكر التاريخ أن هنالك شعب مارس حقوقه السيادية والديموقراطية تحت الاحتلال، وكافة الحكومات التي مارست سلطتها ووظيفتها في ظل الاحتلال المباشر ( الهند ، فرنسا، يوغسلافيا ، اليونان . . . ) كانت حكومات عميلة مُسًيرة ومُسيطر عليه من المركز الاستعماري، وتستمر هذه الوظيفة حتى بعد إنهاء المستعمر لوجوده المباشر وانتقاله لدرجةأرقى استعمارياًأي الاستعمار الجديد .
في الحالة الفلسطينية، المسألةأكثر تعقيداً مما يُعتقد، نحن نعيش الاستعمار المزدوج، أي الاستعمار المباشر بشكله ” القديم ” الإحلالي، على يد الحركة الصهيونية وبدعم مطلق من قبل المراكز الاستعمارية الإمبريالية، وهذا ينطبق على القسم المستعمر من فلسطين منذ العام 1947 والذي أقيمت عليه ” دولة اسرائيل ” التي قامت بدورها باحتلال واستعمار ما تبقى من فلسطين تلبية لأطماع ومصالح الحركةالصهيونية و ” اسرائيل ” ذاتها، فكما أن قيام ” اسرائيل ” في قلب العالم العربي هو مصلحه إمبريالية فإن احتلال ما تبقى من فلسطين هو مصلحة صهيونية.
الازدواجية تكمن في أن الإمبريالية العالمية وخاصة الأمريكية، تعمل بوسائلها الخاصة إلى تحويل المناطق المحتلة منذ العام 1967 إلى مناطق استعمار جديد صهيو إمبريالي، ولهذا الغرض لابد من إيجاد طرف فلسطيني له مصلحه طبقية، أي اقتصادية وسياسية، للتعاون لتحقيق هذه الاستراتيجية، في إطار سلطة محلية، أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة، وكان من المستحيل تحقيق ذلك بدون الاعتراف العلني والصريح بسلطة وشرعية الدولة المحتلة ” اسرائيل “، الشيء الذي جاءت اتفاقيات ومعاهدات ” أوسلو ” وملحقاتها لتحقيقه على أكمل وجه. وقد حققت اتفاقيات ” أوسلو ” للعدو ما عجزت عن تحقيقه كافة محاولاتها في الأراضي المحتلة وأكثرها وضوحاً ومباشرة روابط القرى التي طرحتها كمنافس لقيادة منظمة التحرير في تلك الفترة ووضعتها أمام خيار وحيد إما ” الانصياع وإما الضياع “.
عندما تُجري أي دولة ذات سيادة ومستقلة انتخابات وطنية شاملة يشارك فيها كل مواطني الدولة داخل وخارج الوطن، وتكون الحكومة المنتخبة تمثيلية وشرعية وقومية بامتياز بغض النظر عن أيديولوجية وبرامج وأهداف الفائزين فيها، هكذا الديموقراطية البرجوازية. هل هذا ينطبق على الحالة الفلسطينية؟ بكل تأكيد لا، وللانتخابات أهداف عكسية تماماً آخر ما تكون فلسطينية.
عملياً ودستورياً الانتخابات محصورة بالفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ العام 1967 وأي سلطة منتخبة في هذه المناطق تُمثل هؤلاء فقط بمن فيهم الذين لم يشاركوا فيها كمواطنين، أما الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 فهم ” مواطنين إسرائيليين ” لا يحق لمنظمة التحرير الفلسطينية ( وللسلطة ) أن تعتبرهم مواطنين فلسطينيين حسب رسالة ” الاعتراف المتبادل “، والأخطرأن فلسطينيي اللجوء ( الشتات ) غير معترف بهم كفلسطينيين من قبل الطرف الصهيوني ـ “الاسرائيلي” المقرر ولهذا لا يشملهم حق الاقتراع لمؤسسات السلطة، إنها انتخابات تمزيق الشعب والوطن!
هكذا يتضح أن المسألة الأساسية لهذه الانتخابات لا تكمن في ” نزاهتها أو ديموقراطيتها، أو تساوي الفرص للقوى المشاركة ” أو إذا سبق إجرائها لقاءً وطنياً أم لا، لأن وظيفتها المباشرة والأساسية ليس فقط تجديد شرعية السلطة المنبثقة عن اتفاقيات أوسلوا التي هدمت المداميك الوطنية والقومية والأممية للقضية الفلسطينية، بل لتجديد شرعية الاحتلال والتعاون معه وخدمة مصالحه خاصة الأمنية والأيديولوجية مما يساعده على تقوية علاقاته مع محيطه الاقليمي ” كدوله مركزية”.
من هنا يصبح من الضروري أن يتحقق الفرز الوطني على أرضية المشاركة أو عدم المشاركة في هذه الانتخابات التي هي الأخطر والأكثر تعقيداً، وأي مشاركة فيها وخاصة للقوى الثورية وفي القلب منها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تعني انصهار الكل في بوتقة اليمين فلسطينياً والتكويع في سلة الاحتلال صهيونياً، و لن تفيد بعدها أي تململات للمقاومة والتمرد .
إن من يقاطعها ويفضح أهدافها، سيصفح له التاريخ، والشعب سيغفر له عن ذنوب مشاركته السابقة، وسيضع حد لمرحلة الجمود والكساد السياسي وستُفتح له آفاق ورحاب النضال على مصراعيها، نعم إن من يجرأ على اتخاذ هكذا موقف رغم الصعاب والمخاطرسيقود المرحلة الجديدة وسيكتسب قوة جذب مغناطيسية جماهيرياً ونضالياً تؤسس إلى التحرير الفعلي والعودة، وسيحسب لمن يأخذ هكذا قرار ألف حساب.