2021/3/2
توفيق المديني
تُعَدُّ الجزائر دولة إقليمية كبيرة، وكان من المفترض أن تستقبل على أراضيها انعقاد القمة العربية المؤجلة منذ شهر مارس/آذار 2020، والمقررة في الجزائر، لكنَّ جائحة كورونا حالت دون انعقادها، إذ اعترض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على فكرة تنظيمها افتراضياً، حيث يفضل أن تكون القمة حضورية للقاء القادة العرب وتبادل الآراء.
ولا تزال الجزائر تلعب دورًا إقليميًا مُهِّمًا، فهي تساهم في حلِّ الأزمة الليبية، وهي تُصِّرُ على عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، إذ أعلن الرئيس تبون لقناة “روسيا اليوم” ، أنَّ عودة سورية إلى جامعة الدول العربية أمرٌ ضروريٌّ لأنَّها “من مؤسسيها ولأنَّها دولة وفية لمبادئها”، بل إن وزارة الخارجية الجزائرية كانت قد أعلنت بعد أيام من هذا الحديث بأنَّ قمة عربية ستعقد على أراضيها لن تكون من دون سورية. وفي ديسمبر/كانون الأول 2020 قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقاء جمعه في موسكو مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان “إنَّ المملكة السعودية وروسيا تجمع بينهما عدة نقاط بما يخص سورية أبرزها هو ضرورة عودتها للجامعة العربية. ورغم أنَّ الدول الخليجية موَّلتْ وسَلَّحَتْ الحركات الجهادية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، فإنَّها تصدر أصواتا متتالية لتمويل إعادة تأهيل سورية. وبعد عشر سنوات من قرار جامعة الدول العربية تجميد عضوية سورية فيها، ها هو وزير الخارجية المصري سامح شكري، يقول في تصريحات يوم الإربعاء 3 مارس/آذار 2021، “أنَّ عودة سورية إلى الحاضنة العربية أمرٌ حيويٌّ من أجل صيانة الأمن القومي العربي”.
وكانت الجزائر شهدت في 22 فبراير/شباط 2019، انطلاق الحراك الشعبي الذي أعلن عن سقفٍ عالٍ من المطالب الديمقراطية والشعارات والانتظارات الشعبية التي تراكمت على مرِّ عقودٍ، على رأسها تحقيق الانتقال الديمقراطي، وتمدين الحكم واستبعاد الجيش من السلطة، وتكريس استقلالية القضاء والصحافة، ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ويهمنا في هذا المقال، أن نستعرضَ أهَمَّ الإنجازاتِ المتحققةِ خلال عامين من عُمَرِ هذا الحراكِ الشعبيِّ الكبيرِ، الذي لا يَرْتَقِي إلى مستوى ثورةٍ شعبيةٍ، خاصة مع إعلان الرئيس عبد المجيد تبُّونْ، أخيراً، حلِّ البرلمان وإجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ مُبَكِّرَةٍ، وإصداره عفوًا عن 60 ناشطًا.
أهم المنجزات المتحققة للحراك
من وجهة نظر الناشطين في هذا الحراك الشعبي، فإنَّهم يعتبرون الحراك تَوْأمًا واستمرَارً للإنتفاضة الشعبية التي عرفتها الجزائر في أكتوبر /تشرين الأول 1988، وأنجزت للشعب الجزائري التعددية السياسية، وأنهت حكم الحزب الواحد، غير أنَّ هذا الحراك الذي لم يرتقِ إلى مستوى فعلِ ثوريٍّ تقليديٍّ، أي ثورة شعبية، استطاع أيضًا أن ينهي مغامرة إبقاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الحكم، عبر ترشحه لولاية خامسة، على الرغم من مرضه وحالة العجز اللذين يعاني منهما. فقد طَوَى الحراك الولاية الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتمَّ انتخاب الرئيس عبد المجيد تبُّونْ في 12ديسمبر /كانون الأول 2019.
وتمثَّل الإنجاز الثاني الذي تحقق بفضل الضغط الشعبي الذي كان يمارسه الحراك، في تقديم ما يقنع الحراك أو جزءًا منه على الأقل، بجدِّيَة في تفكيك المكونات السياسية والأذرع المالية والإعلامية لبنية الفساد في الجزائر. ومنذ نهاية شهر يونيو/حزيران 2019، بدأت السلطات الجزائرية في اعتقال عشرات الوزراء وكبار المسؤولين بتهمة الفساد، في وقت لم يكن يخطر ببال جزائري أنّ هؤلاء سيقادون إلى المحاكم والسجون. ومثّل اعتقال القائد السابق لجهاز المخابرات العسكرية، محمد توفيق مدين، وخلفه في الجهاز نفسه، بشير طرطاق، وشقيق الرئيس بوتفليقة، السعيد بوتفليقة، بتهمة التآمر على الجيش.
ومثلت تلك الاعتقالات والمحاكمات حدثاً فارقاً، لم يساوه في الأهمية حتى اعتقال رؤساء الحكومات السابقين، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، و32 وزيراً في المجموع بتهم فساد، والذين أُدِينُوا بأحكامٍ بالسجن في فترات لاحقة. كما اقْتِيدَ عددٌ من كبار ِرجالِ الأعمال والكارتل المالي الموالين لبوتفليقة، وكبارِالموظفين، إلى المحاكم بالتهمة نفسها، وتَمَّتْ إدانتهم بالسجن. ولم يَسْلَمْ قادة في الجيش والمخابرات والأجهزة الأمنية والدرك والشرطة، كقائد جهاز الأمن العام اللواء عبد الغني هامل، من الاعتقال والمساءلة القضائية.
لم يستطع أي نظام منبثق من “ثورات الربيع العربي” في مغرب الوطن العربي ومشرقه، أن يُحقِّقَ أهمَّ الانتظارات والمطالب الشعبية العربية، كما فعل النظام الجزائري في محاربة الفساد، ومحاكمة أبرز أباطرة الفساد من رؤساء حكومات، ووزراء وقادة عسكريين وأمنيين في أجهزة المخابرات، والقمارق.
ومع ذاك، فقد رأت بعض مكونات الحراك الشعبي في الجزائر أنَّ ما قامت به السلطة التي يمسك بزمامها الجيش، جزءٌ من “عدالة استعراضية متسرعة وانتقامية”. غير أنَّ هذه الخطوات أقنعت في المقابل كتلة من الحراك والأحزاب السياسية، التي انحازت إلى خيار المسار الانتخابي الذي طرحته السلطة في سبتمبر 2019، وكذا بعض النقابات المهنية، كالمحامين والقضاة، التي تراجعت عن الاستمرار في المطالب السياسية.
أما الإنجاز الثالث الذي تحقق، فهو إقدام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على وضع خطته للإصلاح السياسي والدستوري موضع تنفيذ، إذ سارع إلى تشكيل لجنة لصياغة نص دستور جديد، طُرح على القوى السياسية والمدنية للتشاور بشأنه، قبل أن يعرض لاستفتاء شعبي في الأول نوفمبر /تشرين الثاني 2020، ليشهد هذا الاستحقاق مقاطعة شعبية غير مسبوقة ، إذ قاطع 77 في المائة من الناخبين الاقتراع.
ويفسر المحللون الجزائريون هذا الصدّ الشعبي لدستور الرئيس تبون ،ومن قبله إعلانه للحوار، إلى “غياب الثقة من جهة، وإلى شخص الرئيس نفسه، وأنَّه قادم من نفس بيئة النظام الذي يطالب الحراك بتغييره”.
ويتمثل الإنجاز الرابع للحراك الشعبي الجزائري، في تأكيد الرئيس تبون أنَّ عودة مظاهرات الحراك الشعبي منذ الجمعة الماضية لا تشكل إزعاجاً له، إذ قال: “لا تزعجني هذه المسيرات الجديدة للحراك الشعبي، المسيرات خرجت للتذكير بمطالب الشعب”، موضحاً أنَّه التزم في حملته الانتخابية 54 تعهداً معلناً، وأنَّه يسعى إلى تنفيذها تدريجاً، لكنَّه أظهر الاستياء من ترديد المتظاهرين لشعار “دولة مدنية غير عسكرية”، واعتبر أنَّ هذا الشعار “ليس بجديدٍ، هو شعار وُجِدَ منذ أن بدأ ناشطون بالتدريب على يد منظمات أجنبية قبل 15 سنة”، مُشِيداً بدور الجيش في تأمين مظاهرات الحراك لينطق الشعب بما يريد”، مُضِيفاً: “لولا الجيش والأجهزة الأمنية لأمكن الإرهابيين استهداف المظاهرات وتفجيرها، وقد أوقفنا في المسيرات الأخيرة أشخاصاً كانوا يحملون أسلحة بيضاء خطيرة”.
وكان الرئيس تبون دعا إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، باعتبارها جزءًا من تعهداته الانتخابية، المتمثلة في ” حلّ البرلمان وانتخاب برلمان نزيه يضم شباباً تعهدنا بمشاركتهم” وقال تبون:” نحن متجهون في غضون ثلاثة أشهر إلى انتخابات نيابية، وكل من يرى في نفسه قوة، فليتقدم وليأخذ الحكم وليغير القوانين ما دام حاز ثقة الشعب”، مضيفاً: “لا يوجد حد دستوري أدنى يجعل من الانتخابات مقبولة أو غير مقبولة”، وجدد تعهداته بضمان كامل لنزاهة الانتخابات النيابية وشفافيتها، مشيراً إلى أن “الانتخابات المقبلة ليس لها أية صلة بالانتخابات السابقة، وكل من يستخدم المال في الانتخابات ويثبت عليه ذلك يفقد منصبه”.
وقد صدَّق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على قانون جديد للانتخابات يعتمد لأول مرة نظام القائمة المفتوحة، وذلك عقب ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء. وفي وقت سابق، قال الرئيس الجزائري في مقابلة مع وسائل إعلام محلية إن اعتماد نظام القائمة المفتوحة سينهي الفساد السياسي الذي طال الانتخابات السابقة. ووفق شهادات سابقة لقيادات حزبية ونيابية حوكمت في قضايا فساد ذات علاقة بالانتخابات، فإنَّ المراتب الأولى في قوائم أحزاب كبيرة وخاصة كانت تمنح مقابل رشاوى، حيث يضمن ذلك للمرشح دخول البرلمان أو رئاسة البلديات.
عد م نضج الحراك الشعبي الجزائري، واختراقه الجزائر التي عرفت معارك التحرر الوطني والاستقلال عادت للخضوع للدكتاتورية الوطنية طيلة عقود طويلة، لكنَّ النظام الجزائري يعلم جيدًا أنَّه لا يمكن الاستمرار إلى الأبد، ولذلك استجابت القوى المؤيدة للإصلاح من داخل النظام لمطالب الحراك الشعبي الإصلاحية لصياغة مرحلة انتقالية للديمقراطية كضرورة في الوقت الذي يجري فيه تداول مفهوم التحول الديمقراطي من خلال ربطه بالليبرالية السياسية، والإنتقال الديمقراطي، والرسوخ الديمقراطي .
فالانفتاح السياسي الإصلاحي من قبل النظام الجزائري بِبَعْثِ مسارِ تَغْيِيرٍ جِدِّيٍّ يتحوّل إلى آلية لتأطير الحراك، قابلَهُ الحراك الشعبي بطرحٍ راديكاليٍّ قائم على الاستعداء والتخوين والحذر والتشكيك،(وهي كلها جزء من الموروث السائد في ثقافة المعارضة العربية) يتمثل في إسقاط السلطة القائمة، أو رحيلها بالكامل، وهذا مطلب غير واقعي. فالحراك الشعبي عجز عن تحوله إلى مشروع مؤسساتي للتغيير، وبناء قوة سياسية منظمة تعتمد استراتيجية واضحة للتغيير السياسي ، وللتحول الديمقراطي، ضمن رؤية واضحة، وتأطير الشارع الجزائري عبر تحوله إلى فضاءٍ سياسيٍّ عامٍ بَنَّاءٍ، بدلاً أن يبقى دائماً فضاءَ تعبيرٍ عن اعتراضٍ يتوافق مع استراتيجيات التعطيل وليس البناء.
رغم الانجازات التي حققها الحراك الشعبي في الجزائر والتي أسلفنا في تعدادها في هذا المقال، فإنَّ الحراك لم يَكُنْ مقتنعًا بكل هذه التنازلات الحقيقيّة التي قدمها النظام الجزائري ، والتي قد تتحوّل إلى تهديدٍ لبقائه، مثل الانفتاح السياسي الحقيقي، والإعلان عن الحوار مع الحراك، أو إجراء انتخاباتٍ حرّةٍ نزيهةٍ، ومكافحةِ الفسادِ.. الخ، وهي كلها إصلاحات حقيقية تقع في منتصف الطريق، كان على الحراك استغلالها واستثمارها، من أجل تحقيق التحول الديمقراطي في الجزائر الذي لا يقف عند حدود الليبرالية السياسية، التي تتضمن أهدافاً متواضعة تتمثل في التخفيف من حدة القيود وتوسيع نطاق الحقوق الفردية والجماعية داخل النظام السلطوي، وهي لاتعني في هذا الإطار ضرورة إرسائها لتحول ديمقراطي وإن كانت تسهم في حفز هذه العملية.
ومن الواضح أنَّ الحراك الشعبي في الجزائر الذي رفض الإصلاحات التي قام بها النظام الجزائري، ورفعه شعار في المظاهرات يدعو لتمدين الحكم “مدنية وليس عسكرية”، يثبت مرّة أخرى أنَّه يريد التصادم مع الجيش عماد الدولة الوطنية في الجزائر، وهذا لن تقبل به المؤسسة العسكرية الجزائرية .
وهذا ما جعل افتتاحية مجلة الجيش الناطقة باسم وزارة الدفاع ، تشن هجومًا على الحراك، إذ وسمت المجلة شعار “مدنية وليس عسكرية “بالشعار الأحمق الذي وظفته هذه العصبة بخبث وعدوانية للعبث بعقل المواطنين الذين تاهت بهم السبل وفقدوا البوصلة التي توصلهم إلى موقع الوطن، فإن الشعب الجزائري يميز بين الغث والسمين ويفرق بين العدو والصديق ويدرك تضحيات جيشه في سبيل وحدة الوطن وعزته”.
وتساءلت المجلة “أين توجد هذه الدولة العسكرية التي رفض الأحرار وجودها وينددون بممارساتها”، واعتبرت أنَّ من يطلقون هذا الشعار هم من باعوا أنفسهم للشيطان “عندما تبيع نفسك للشيطان وتسيطر عليك الغرائز والأهواء عندها تطلق العنان لأفكارك ومشاعرك للغوص في مستنقع الخيانة والرذيلة والبهتان لا تقول إلا ما يملى عليك ولا تسمع إلا ما يريده أسيادك سماعه”.
واتهمت مجلة الجيش بقايا الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة ومجموعات يسارية وعلمانية متحالفة معها بالوقوف وراء السعي لبث هذا الشعار واستهداف الجيش “إذا رجعنا للماضي القريب وبالضبط إلى العشرية السوداء نجد أنَّ جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة وأذرعها الإرهابية هم أول من تبنوا شعارات المساس بالجيش الوطني الشعبي وضرب الرابطة التاريخية القوية بين هذا الأخير والشعب الجزائري”. وأضافت في هذا السياق “ولا غرابة اليوم إنْ وقفنا على منظمات إسلاموية إرهابية تتضامن مع من ينتسبون إلى اليسار والعلمانيين الذين يريدون ديمقراطية الأولغارشية”.
واعتبرت المجلة أن “المواقف الثابتة للدولة الجزائرية من القضايا الإقليمية والدولية، أحرجت وأزعجت أطرافاً كثيرة راحت تجند بيادقها ومرتزقتها وإعلامها علها تخفف من الصدمة وتحفظ ماء الوجه ثم تشكك في مواقف الجزائر الراسخة، خاصة رفضها التطبيع مع الكيان الصهيوني وموقفها المبدئي من القضية الفلسطينية”.
خاتمة:
فالتحول الديمقراطي المنشود في الجزائر، وفي باقي دول الوطن العربي ، يستهدف إجراء إصلاحاتٍ جذريةٍ على جميع المستويات من أجل إرساء نظام ديمقراطي جديد، يتسم بالرسوخ، ويؤسس لدولة المؤسسات والقانون.
أولاً:-ضرورة وجود الديمقراطية التعددية، التي تتطلب إنشاء أحزاب معارضة كعملية طبيعية لحرِّية الفرد في إبداء رأيه ، وحرِّية انتقاد الحكومة، وحرِّية الشعب في إعادة إقامة حكومة يختارها عن طريق الاقتراع السري. فالتحول الديمقراطي ، يقتضي التحرر كليا من نظام الحزب الواحد القابض على زمام السلطة، ووجود معارضة منظمة كخلف احتياطي محتمل وفي استطاعتها أن تحل محل الحكومة.
إنَّ الديمقراطية التعددية هي التي تضمن المشاركة الشعبية الواسعة النطاق، ورضاء من جانب المحكومين ، ونوع من الرقابة العامة على هؤلاء الذين يتولون السلطة. و لا شك أنَّ الديمقراطية التعددية قد تتخذ أشكالاً وترتيبات سياسية متنوعة طبقاً للظروف و التحولات التاريخية المرتبطة بكل بلد.
ثانياً: إنَّ التحول الديمقراطي الحقيقي مرتبط بالتنمية الاقتصادية ، وهو يقوم على دعامتين اساسيتين :الدعامة الأولى تتمثل في أنَّ الديمقراطية تعني تنظيم الأفراد في جماعات تنافسية من خلال نظام تعددية حزبية بهدف السيطرة على سلطة الدولة. والدعامة الثانية، إنَّ الديمقراطية شرطٌ أساسيٌّ لبناء الدولة الوطنية التي تستطيع مقاومة الضغوط السلبية النابعة من النظام الدولي الجديد الذي تتحكم فيه القوى الدولية الغربية ، و المؤسسات المالية المانحة، وكذلك ما يترتب عليها داخليا من آثار وعواقب.
و يمكن القول بصفة عامة أنَّ مقولة الديمقراطية تساوي التنمية التي أضحت قضية خلافية في الجدل العربي. فهناك من يرى أنَّ الديمقراطية من المنظور الليبرالي ما هي إلا جزء من أيديولوجية الهيمنة التي تسعى الدول الغربية إلى فرضها على الوطن العربي. وهناك من يؤكد في الوطن العربي على ضرورة تحلل مفهوم الديمقراطية من إطاره الرأسمالي من خلال إعطاء عملية التحول الديمقراطي توجهًا وطنياً ( أي معاد للإمبرالية) ومضمونًا اجتماعياً ( أي معاد للبرجوازية في الداخل ).
تجدر الإشارة إلى أنَّ هذا المدخل (التحديثي) يؤكد على عدد من المتطلبات الإجتماعية والإقتصادية لعملية التحول الديمقراطي. ويربط بين الديمقراطية الليبرالية والتنمية الإقتصادية.
ونعني بالتحديث: إستجلاب رموز الحضارة الحديثة وأدوات الحياة العصرية مثل التجهيزات التكنولوجية والمعدات الآلية والمنظمات ذات المسميات الحديثة وسلع الإستهلاك والرفاهية.
والديمقراطية ليست حكراً على المجتمعات الغربية المتقدمة، كما أنَّها لا يمكن أن تُفرضَ من الخارج، أو تُصدَّرَ، ولا يمكن أيضاً أن تُسْتَوْرَدَ، بل لا بُدَّ وأن تنمُوَ وتتطوَرَ في الداخل مرتبطة بالتطورات والخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدول والمجتمعات. ولَكِنَّ الخارجَ يمكن أن يقوم بدورٍ هامٍ في دعمِ ومساندةِ التطورِ الديمقراطيِّ في دول لديها معطيات وإمكانيات تجعلها أكثر قابلية للانتقال الديمقراطي.
فالديمقراطية تنطوي على مجموعة من القيم و المبادىء العامة ذات الطابع الكوني، مثل : الحرِّية، والمساوة، وسيادة القانون ، والتسامح السياسي والفكري، واحترام الكرامة الإنسانية، لَكِنَّ صيغَ وأشكالَ تطبيقِ النُظُمِ الديمقراطيةِ متعددةٌ، وتختلف من دولة إلى أخرى سواء من الناحية المؤسسية أو الإجرائية، وتتميز بالمرونة بما يتوافق مع ظروف كل دولة ، ومجتمع . وبصورة إجمالية ، في البلدان التي توطدت فيها أسس الديمقراطية، شهدت زيادات إجمالية في متوسط الدخل الفردي بنسبة مئوية أعلى من البلدان التي حكمتها أنظمة شمولية أو تسلطية.
المصدر: مجلة البلاد اللبنانية