الرئيسية / الملف السياسي / عزل محمود عباس”: لماذا لم أوقّع؟”

عزل محمود عباس”: لماذا لم أوقّع؟”

 

 

10 حزيران 2021

جهان حلو الخميس

وصلَنا بيان يبدأ «نحن الموقّعين أدناه، من مثقفين وأكاديميين وشخصيات فلسطينية عامة، نتوجّه إلى الشعب الفلسطيني بكل قواه الحيّة والمناضلة بهذا النداء، من أجل نزع ما تبقّى من شرعية عن الرئيس محمود عباس، والمطالبة باستقالته أو إقالته الفورية من مناصبه القيادية كلها» (كل المناصب الفلسطينية القيادية ملكه).

لا شكّ في أن هذا نداء استغاثة من شخصيات وطنية مناضلة من أرجاء الوطن وخارجه فخورة بنضالات شعبنا وبطولات شبابه وشاباته ومذهولة باستمرار قيادته في السياسة الاستسلامية المدمّرة التي عزّزت الاحتلال الاستيطاني الذي يتمادى بفاشيته وعنصريته.

لم أوقّع على هذا البيان. لماذا لم أوقع بيان المطالبة باستقالة محمود عباس وإقالته، فذلك للأسباب التالية:

ـــ لأن الرئيس لن يستقيل فهو يستميت للبقاء على ما يراه رأس الشرعية (على هشاشتها) ليحقق وهم حياته الذي سكن ذهنه طويلاً وصولاً إلى اللامنطق مع تقدم العمر، بإقامة دولة فلسطينية مهما صغر حجمها وغاب استقلالها!

ـــ السبب الثاني غياب وتغييب المؤسسات المخوّلة بالمساءلة والإقالة منذ سنوات. لذلك برأينا يجب إرفاق هذه الدعوة بدعوة استقالة كل رموز سلطة أوسلو، أو من ينفخ الحياة في هيكلها المتهالك، من خلال المشاركة في اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي المراكز العليا للسلطة. لا ندري كيف يدعي البعض أنهم ضد أوسلو أو ضد التنسيق الأمني وهم يعززون السلطة المطلقة لعباس ولا يتجرأون على المعارضة العملية لقراراته وسياساته المدمّرة.

نطالبكم بالاستقالة، ارفعوا الغطاء عن عباس ولا تقولوا لاحقاً: «لم نكن نعلم»، أو «كنا نقول له ولم يسمع». أنتم المسؤولون، «من فرعنك يا فرعون؟»، الشعب لن يغفر لكم ولن ينسى!

لماذا المطالبات هذه والآن، والقضية الفلسطينية في أحسن أحوالها منذ سنوات؟ ذلك لأن هناك توجساً من أن هذه القيادة ماضية في طريق الضلال، ولا تزال تتوهم وتسعى لحل ما، وإلا فلماذا الاستجابة لسموم الإدارة الأميركية والحديث عن اللجنة الرباعية؟

السلطة تواصل سقوطها، ولم تلتقط الفرصة الذهبية حين توحّد شعبنا في النضال في انتفاضة عمّت فلسطين من نهرها إلى بحرها وفي مقاومة مسلحة أذلّت إسرائيل رغم الحصار البربري الطويل والإمكانات العسكرية المفقودة. النضالات الرائعة حرّكت الشعوب العربية وشعوب العالم التي تحترم وتتفاعل مع البطولة ومع من يدافع عن قضيته العادلة، ولا يهمّها المستسلمون!

أعطيت لهذه القيادة فرصٌ عديدة لتتراجع عن أوسلو والتنسيق الأمني اللاوطني ولكن في غياب المحاسبة والإدانة القاطعة جعلها تتمادى في المناورة وفي استجداء المزيد من الخضوع للمحتل الفاشي وداعميه الإمبرياليين، وإلا كيف نفسر بعد كل ما حدث أن يطالب رئيس حكومة السلطة محمد اشتية في زيارته للكويت قبل بضعة أيام بتفعيل اللجنة الرباعية؟

ماذا ننتظر من الولايات المتحدة التي باتت علناً تدعم يهودية دولة العدو ولم تسمح بإدانة جرائم إسرائيل ومجازرها، أو إصدار قرار من مجلس الأمن؟ أو هل نعتمد على روسيا وموقفها الملتبس وهو أساساً داعم لإسرائيل أو على الأمم المتحدة المسيطر على مجلس أمنها أو على الساقط سياسياً وأخلاقياً توني بلير عراب العدوان على العراق ومستشار الإمارات المتحدة؟

السلطة تواصل سقوطها، ولم تلتقط الفرصة الذهبية حين توحّد شعبنا في النضال في انتفاضة عمّت فلسطين من نهرها إلى بحرها، وفي مقاومة مسلحة أذلّت إسرائيل

للتأكيد على التمادي ذهلت لما سمعت القيادي في فتح والمنظمة عبدالله عبدالله يجيب المذيع في الـ«بي بي سي» العربي قبل أيام أن هناك ترحيباً بانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، شرط الموافقة على برامجها واتفاقياتها! طبعاً من كان يوماً مناضلاً يصبح اليوم بوقاً للكارثة، نسي أن ميثاق المنظمة الذي وحّد الشعب الفلسطيني حول العالم لعقود عدة تم «تحويره» وعارضت هذا التغيير المعيب المنظمات الفلسطينية الأساسية التي كانت في اللجنة التنفيذية كما عارضته الغالبية العظمى من شعبنا خاصة في الشتات، بمن فيها أغلبية قاعدة حركة فتح، التي كالعادة لم تُسْأَل عن رأيها؟

ولنذكر هنا دلالات ما كتبه آنذاك الصحافي البريطاني دافيد هيرست: «باعت المنظمة روحها لتنقذ جسدها»!

لا يمكننا استحضار أي قصة شبيهة في نضالات الشعوب حيث يصبر الشعب وقواه السياسية المنظّمة على سياسات قيادته التي تخدم موضوعياً مصلحة العدو وتعزز احتلاله وتُضعف مقوّمات صمود ونضال شعبها. عرقلت هذه القيادة جهود الوحدة لأنها لا تريد التخلي عن نهج الاستسلام رغم الديماغوجيّة والكلمات المنمّقة، ما رأيكم لو طلب ديغول التنسيق مغ حكومة فيشي باسم الوحدة الوطنية؟

ما العمل؟

لا يُرعبنا محمود عباس ومناصروه. فالقيادة تُنتزع من خلال النضال والدعم الشعبي، لكن ما يهمنا إخوتنا في قوات الأمن الذي حاول دايتون غسل دماغهم، ولا أظن أفلح في ذلك كثيراً رغم الإغراءات المالية. ولكن عندما ترافق ذلك مع قيادة ومسؤولين يبيعونهم الأوهام، بأنهم يدافعون عن الشرعية والدولة القادمة المضمونة، «لولا المشاغبون الذين يخرجون عن خطط القيادة الحكيمة» ولا يحق لهم النضال خارج إرادة قيادة السلطة والتنسيق الأمني، فهنا المصيبة؟! لكن مع النهوض وتصاعد الانتفاضة الكثير من رجال الأمن ينضمون أو سينضمون إلى شعبهم. لكن، يجب التوجه إليهم وخاصة من قبل الشباب لتوعيتهم بالحقائق ولشرح التعقيدات وحثّهم على رفض الدور المرسوم لهم.

وفي المقابل يجب أن تسارع القوى والشخصيات الوطنية المناضلة إلى تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة التي تنسق التحرك وتتحدث باسم الشعب كما في الانتفاضة الأولى ومرحلة السبعينيات وتحضر لاحقاً للتجديد الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية، جبهة وطنية عريضة تضمّ من يمثل مرحلة الانتفاضة والمقاومة من تنظيمات ومن فعاليات وطنية ومن شباب وشابات وهم البديل الثوري وأمل المستقبل، وتكون لهذه الجبهة امتدادات قاعدية وجغرافية.

سقط حلّ الدولتين عملياً والبديل هو الدولة الديمقراطية على أرض فلسطين التاريخية بعد دحر كل مؤسسات الحركة الصهيونية، وتحطيم كل ما يمتّ إلى إيديولوجيّتها العنصرية بصلة. الدعوة إلى دولة فلسطينية لا تميز بين مواطنيها بسبب الجنس أو الدين أو الإيديولوجيا، حيث يعيش الفلسطيني العربي مع اليهودي الذي يرضى بأن يعيش على قدم المساواة. من المهم بلورة خطابنا في هذا الاتجاه لأن حربنا مع العدو الصهيوني جزء مهم منها حرب إعلامية شرسة يجب أن نربحها أيضاً ونؤكد على أخلاقية وعدالة قضيتنا ونضالنا. حاول العدو أن يربط إدانة الصهيونية بمعاداة السامية وهذه الحملة التي دفع ثمنها الكثير من أصدقائنا في طريقها للهزيمة وخاصة بعد النصر الأخير، على رمزيته. والخطاب الصهيوني الآن أن حماس معادية لليهود أو القول إن إزالة اسرائيل توازي رميهم في البحر أو إبادتهم، هذا يمكن أن يواجه بالحقائق الدامغة، إضافة إلى أن التصريحات والأدبيات الواضحة تفحم كل هذه الافتراءات. لماذا لا نشدد على شعار «تحرير فلسطين» بدلاً من إزالة إسرائيل أو لماذا نطالبهم بتجهيز حقائبهم للسفر متى انتصرنا ونحن نعلم أن اليهودي العنصري المهزوم لن يقبل أن يعيش معنا؟ أما اليهودي غير الصهيوني فلا مشكلة معه. عاش اليهود معنا في فلسطين والعالم العربي لقرون طويلة ولم يعانوا من الاضطهاد كما الحال في أوروبا.

لا يجب أن ننسى أن أهم أسلحة الحركة الصهيونية هي غسل الدماغ وخلق أساطير الخوف من الأعداء الحقيقيين والمتوهّمين، ودعوتهم لليهود للمجيء واستعمار فلسطين كان تحت حجة أنه سيكون المكان الآمن الوحيد لهم. ولهذا من المستحيل على إسرائيل القبول بحل سلمي مهما ناسب مطامعها، لأن وجود «العدو» مهم لإبقاء اللحمة في الكيان القائم على جنسيات وثقافات مختلفة وتناقضات لا تُحصى. هناك المئات، بل الآلاف، من اليهود الشباب يقومون اليوم بإدانة الصهيونية ويناصرون نضالنا. كذلك هناك العديد من الشخصيات اليهودية المهمة التي ترفع صوتها إدانة للصهيونية ليعرف العالم حجم الأساطير والأكاذيب التي برّرت فيها هذه الحركة استعمارها الاستيطاني والنكبة الفلسطينية المستمرة. علينا باستمرار توسيع هذه الدائرة مع توسّع دوائر التضامن العالمية المتصاعدة.

انتهى عهد الأمر الواقع وبدأ عهد نهوض ونضال لن ينثني. يقولون توحّد الشعب الفلسطيني نقول يمكن لجغرافيا الاحتلال أن تجزّئنا، لكنّ التاريخ باستمرار يوحدنا في سعينا لتحقيق حقوقنا الوطنية. أما اليوم فالنضال يؤكد وحدتنا من جديد.

* عضو سابق في المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ وفي الأمانة العامة للاتحاد العامّ للمرأة الفلسطينيّة.

 

 

 

عن Amal

شاهد أيضاً

إعلام إسرائيلي: كيف شارك كبار ضباط الجيش في إخفاق 7 أكتوبر؟

شباط 23 2024 صحيفة “معاريف” تتطرق إلى دور ضباط خدموا في مناصب عليا في الجهازين …