10-آذار-2023ا
في أعقاب قصف الاحتلال الإسرائيلي مطار حلب، مرة أخرى، فجر السابع من آذار/مارس 2023، قد نسمع أو لا نسمع عبارات الشجب والتنديد من بعض العواصم…وقد يغيب ذكر العدوان عن وسائل الإعلام…وإن تم ذكره، فلن يكترث إليه متخذو القرار (في الغرب الجماعي بالتحديد) المنحازون والمتواطئون مع الإدارة الصهيونية التي تحتل وتتحكم في فلسطين، وتعربد شرقاً وغرباً كلما طاب لها، وضد سوريا على وجه التحديد.
نحن نتألم كلما تمت إضافة أي ثقل إلى الدولة السورية بحكومتها وشعبها وجيشها ومواردها. ونقول دوماً إننا نعارك ضد كل عدوان على سوريا، وبالتأكيد نندّد ونستنكر عدوان الاحتلال الإسرائيلي الغاشم والإجرامي على مطار حلب الدولي، وكل بقعة من الأراضي السورية بأقسى عبارات الهجاء… وصحيح أن دماء العديد منا تنضح بالكرامة والعزة، وتطالب بالرد العسكري، وتغلي غضباً من عدم الرد العسكري على العدوان المتكرر، والذي وصل إلى مئات الضربات الجوية على سوريا في العقد الأخير… لكننا نفكر بالعقل وليس بالعواطف…ولن نطلب من سوريا التورط في معركة عسكرية ضد الاحتلال في هذه الظروف العصيبة أصلاً، والتي قد تأتي بكوارث إضافية على سوريا.
ما من خلاف أن الاحتلال الإسرائيلي يمتهن الإجرام؛ ولا جدال أن سوريا محاصرة بأشنع العقوبات، وتعاني من شح الموارد، ناهيك بالوضع بعد الزلزال، ولهذا وغيره وبما أن سوريا على حق، فقد دافعنا منذ شن الحرب عليها في آذار/مارس 2011 ندافع وسندافع عن سوريا بكل ما أوتي لنا، ولم ننتظر أحداً لتوجيهنا، لا بل نقود عملية الدفاع بعيون مفتوحة وعقول تعرف قوانين اللعبة في العواصم التي عملت ولا زالت تعمل ضد سوريا، وذلك رغم المخاطر والتضحيات.
لكن، أحياناً، مهما كان التحرك الفردي والجمعي لمصلحة سوريا من أي بؤرة في العالم… فهو إما أنه لا يضاهي العمل الرسمي، أو أنه بحاجة إلى تغطية رسمية من الدولة حتى ولو شكلية. فكل ما على الرئاسة في دمشق أو الحكومة السورية عمله أحياناً، هو تبني مقترحات واتخاد قرارات معينة من خلالها وبعدها تفويض المختصين (مثلاً) قانونياً للشروع في إجراءات الدفاع عن سوريا لمحاولة صد الإجرام ضدها… حتى ولو القليل من هذه الجرائم.
هناك منابر ومحافل دولية متاح العمل فيها للدولة السورية، يجب طرق أبوابها ليل نهار، حتى ولو كانت منحازة ضد سوريا؛ لأنها تتأثر باللوبي الصهيو-أميركي… والوصول عبرها إلى الرأي العام العالمي. أليست سوريا عضواً في الأمم المتحدة؟ أليس للأمم المتحدة منظمات وهيئات يجب العمل من خلالها؟ لمَ لا نقوم بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية (ليس بالضرورة الجنايات الدولية) في لاهاي ضد الاحتلالين الإسرائيلي والأميركي التي أقرّت بنهب النفط السوري منذ سنين، وزار قائدها العسكري خلسة شمال شرق سوريا ليتفقد أنفار احتلاله ويتآمر على سوريا؟
ألم تُقم نيكاراغوا اليسارية الصغيرة في أميركا اللاتينية دعوى ضد الولايات المتحدة تم عرضها على محكمة العدل الدولية عام 1986؟ والتي أقرت خرق الولايات المتحدة للقانون الدولي من خلال دعم المعارضة المسلحة في الحرب ضد حكومة نيكاراغوا وبتفخيخ الموانئ في نيكاراغوا؟
وقد حكمت محكمة العدل لمصلحة نيكاراغوا وضد الولايات المتحدة الأميركية، ما دفع واشنطن إلى رفض الحكم الصادر، وأقرّت المحكمة بأن الولايات المتحدة قامت باستخدام القوة بشكل غير شرعي. «لقد أوقعت حرب ريغان ضد نيكاراغوا نحو 75 ألف ضحية بينهم 29 ألف قتيل، ودمرت بلداً لا رجاء لقيامته». رفضت المحكمة الادعاء الأميركي الذي يزعم بأن العمليات الأميركية ضد نيكاراغوا كانت دفاعاً عن النفس، كما ادّعت أميركا بأن المسألة تقع خارج صلاحيات المحكمة. كما تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة من الدول الموقّعة على معاهدة إنشاء المحكمة، لكن باستثناءات وشروط خاصة اضطرت المحكمة إلى أخذها في الاعتبار ما يجعل القرارات غير ملزمة، لكنها أصدرت قرارها بشأن القضية بأغلبية 11 مقابل 4.
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً غير ملزم بهدف الضغط على أميركا لتسديد الغرامات المالية التي فرضها قرار المحكمة، وقد صوّتت إلى جانب أميركا كل من “إسرائيل” والسلفادور التي كانت تواجه خلافات ونزاعات خاصة مع نيكاراغوا، في حين صوّت الأعضاء الباقون لمصلحة نيكاراغوا، ورغم ذلك، لم تسدد الولايات المتحدة الغرامات المستحقة. (انظر مصادر عديدة في الشبكة العنكبوتية) كما يمكن مراجعة تقرير مفصل لندوة أقيمت في المركز الأوروبي لدراسات التطرف في كمبريدج ذكر فيها المحامي العربي -البريطاني الدكتور عبد الحق العاني هذه القضية.
أميركا تدّعي أنها تحارب الإرهاب في سوريا (في حين أنها هي من اخترعه ودرّبه وموّله) فيما لم يدعُ أحد أميركا إلى محاربة الإرهاب في سوريا… وليس هناك قرار مجلس أمن للتدخل الأميركي أو الناتوي! فلمَ لا تحذو سوريا حذو نيكاراغوا أو حتى فلسطين المحتلة ضد جدار الفصل العنصري؟ في وضع كالذي تواجهه سوريا يجب تبني استراتيجية مدمجة؛ لأن كل تحرك من شأنه تخفيف معاناة سوريا دولة وشعباً ولو بقليل، والذي هو (وبشكل تراكمي) جزء من عملية التحرير الكامل وفرض السيادة.
المصدر:الميادين