2023/3/11
يُصادف اليوم الذكرى ال45 لاستشهاد المناضلة الفلسطينية الشابة دلال المغربي الملقبة “عروس يافا”، التي قال عنها الشاعر نزار قباني إنها “أقامت الجمهورية الفلسطينية”.
ولدت دلال عام 1958 في أحد مخيمات الفلسطينيين في بيروت، وهي ابنة لعائلة من مدينة يافا لجأت إلى لبنان عقب نكبة عام 1948. ثم درست الابتدائية والإعدادية في المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في المخيم.
قررت الانضمام إلى الثورة الفلسطينية والعمل في صفوف الفدائيين في حركة “فتح” وهي على مقاعد الدراسة، وتلقت العديد من الدورات العسكرية ودروسًا في حرب العصابات تدربت خلالها على أنواع مختلفة من الأسلحة، وعرفت خلال اجتيازها هذه الدورات بجرأتها وشجاعتها وحسها الوطني الرفيع وإخلاصها لفلسطين.
اغتيال 3 من قادة “فتح”
وكان لاغتيال القادة الثلاثة كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار على أيدي الإسرائيليين عام 1973 أثر شديد في نفس دلال، كما ترك ما كانت تتعرض له المخيمات الفلسطينية من عدوان مستمر ومقيت لديها شعورا بالمرارة، وكذلك البؤس الذي كانت تعيشه أسرتها وسائر قاطني المخيمات، نتيجة هجرتهم القسرية جراء الاحتلال الإسرائيلي لبلدها فلسطين.
لذا أخذت تراود دلال كغيرها من أترابها ورفاقها في الأسى من سكان المخيمات مشاعر غضب جياشة ولّدت تصميمًا على الانتقام من العدوّ.
فرقة دير ياسين
فرقة دير ياسين وضعت الخطة على يد الشهيد القائد خليل الوزير (أبو جهاد)، وكانت تقوم على أساس القيام بعملية إنزال على الشاطئ الفلسطيني والسيطرة على حافلة عسكرية والتوجه إلى تل أبيب لمهاجمة مبنى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وقد تسابق الفدائيون الفلسطينيون إلى المشاركة فيها وعلى رأسهم دلال المغربي التي كانت في العشرين من عمرها. وتم اختيارها رئيسة لمجموعة مكونة من عشرة فدائيين لتنفيذ العملية، وقد عرفت العملية بعملية “كمال عدوان” والفرقة باسم “دير ياسين”.
يوم العملية
وفي صباح يوم 11 مارس/ آذار 1978 نزلت دلال مع فرقتها من قارب كان يمر أمام الساحل الفلسطيني واستقلت المجموعة قاربين، ونجحت عملية الإنزال والوصول من دون أن يكتشفها الإسرائيليون. ونجحت دلال وفرقتها في الوصول إلى تل أبيب واستولت على حافلة جنود بجميع ركابها، واشتبكت الفرقة مع عناصر إسرائيلية أخرى خارج الحافلة.
علم فلسطين و”جمهورية” دلال
وقالت دلال للرهائن “نحن لا نريد قتلكم، نحن نحتجزكم فقط رهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر”، ثم أخرجت من حقيبتها علم فلسطين وعلقته داخل الحافلة وهي تردد “بلادي بلادي لك حبي وفؤادي، فلسطين يا أرض الجدود إليك لا بد أن نعود”.
قال عنها الشاعر نزار قباني “إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة على طريق طوله 95 كيلومترا في الخط الرئيسي في فلسطين”، لتشكّل دلال بذلك حالة خاصة في المقاومة.
خسائر الاحتلال
وأدت هذه العملية إلى إيقاع مئات القتلى والجرحى في الجانب الإسرائيلي، وعلى ضوء الخسائر العالية قامت حكومة إسرائيل بتكليف فرقة خاصة من الجيش يقودها وزير جيش الاحتلال السابق إيهود باراك بإيقاف الحافلة وقتل واعتقال ركابها، حيث استخدمت الطائرات والدبابات لحصار الفدائيين.
هذا الأمر دفع دلال المغربي إلى القيام بتفجير الحافلة وركابها مما أسفر عن قتل الجنود الإسرائيليين، وعندما نفذت الذخيرة أمر باراك بحصد جميع الفدائيين -وعددهم 13- بالرشاشات فاستشهدوا جميعا عدا واحد تم أسره بعد إصابته.
وظهر باراك أمام المصورين وهو يجذب دلال ويركلها بعد استشهادها. وفي اليوم الثاني للعملية، اعترف رئيس حكومة الاحتلال آنذاك مناحيم بيغن بمقتل 37 من الإسرائيليين وجرح 86، لكنه لم يفصح عن عدد القتلى في صفوف الجيش.
الوصية الأخيرة
قبل استشهادها، تركت دلال وصية مكتوبة بخط يدها للفلسطينيين جاء فيها “وصيتي لكم جميعا أيها الإخوة حملة البنادق تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية، وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني وتوجيه البنادق كل البنادق نحو العدو الصهيوني، واستقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة لكل الفصائل”.
وتابعت “أقولها لإخواني جميعا أينما وجدوا: الاستمرار بنفس الطريق الذي سلكناه”. يُشار إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت حتى الآن تحتجز جثمان الشهيدة دلال المغربي في “مقابر الأرقام”.
ولا تزال دلال -حتى بعد استشهادها قبل 44 عامًا- تؤرق الاحتلال الذي قدمت حكومته شكوى إلى الأمم المتحدة في 2016 من السلطة الفلسطينية لاحتفائها بذكرى استشهاد المناضلة العشرينية
دلال من الشهداء القلة الذين ظلوا حاضرين في الذاكرة الفلسطينية رغم مرور كل هذا الوقت على استشهادها مع رفاقها في العملية الشهيرة، وما زال اسم دلال المغربي يطلق على العديد من المؤسسات والفرق الفنية والمدارس والحضانات في فلسطين، وما زالت رمزاً للنضال الفلسطيني.