لم يكن ممكناً للإمارات، التي يزورها اليوم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، وفق أدبيّات التعامل البَيني بين دول الخليج، إلّا أن ترحّب بالاتّفاق السعودي – الإيراني، على رغم أن التطوّرات الأخيرة في العلاقات بينها وبين السعودية تفيد بأن الصراع بينهما تأجّج على ملفّات كثيرة، كاليمن والنفط وغيرهما، بما يجعل الأولى متضرّرة حُكماً من ذلك الاتفاق الذي يسير في عكس الاتّجاه الذي كانت نَحَت هي إليه، بجعل أولويتها التحالف مع إسرائيل، وإنْ أظهرت بعضاً من التردّد في الآونة الأخيرة. أيضاً، حقيقة أن يأتي ردّ الفعل على الحدث من وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، لا من الرئيس محمد بن زايد، وفي تغريدة على «تويتر»، لا في بيان رسمي، تَفضح أن الإمارات تَنظر إلى التطوّر كمنغّص عليها. فالإعلان المشترك بين الرياض وطهران يعني، من بين أشياء كثيرة، تراجعاً إضافياً كبيراً للمشروع الذي قامت عليه سياسة ابن زايد، والذي كان يريد للسعودية تحت قيادة وليّ العهد، محمد بن سلمان، أن تكون محوره، منذ أن صار الأخير الصانع الأوّل لسياسة بلاده بعد تولّيه منصب وزير الدفاع عام 2015، حين أطلق حرب اليمن الكارثية بتحريض من الأوّل. وقد كان يُفترض أن يُتوَّج هذا المشروع بتطبيع سعودي – إسرائيلي، يَستكمل حلقة التطبيع التي بدأتْها أبو ظبي، بالشراكة مع المنامة، على أن يُترجَم بإقامة مظلّة أمنية جديدة تتصدّرها تل أبيب التي وحدها يمكنها، بحسب مفهوم ابن زايد، إبطاء الخطى الأميركية للانسحاب من الشرق الأوسط، في معادلة احتاجت إلى عدو جاهز، لم يكن إلّا إيران. وبالانطلاق من تلك الاعتبارات، وعلى رغم حالة الانكفاء التي أظهرتْها الإمارات في غير ساحة، يمكن القول إن أبو ظبي ستمثّل في المرحلة المقبلة واحداً من عناصر العمل لتخريب الاتّفاق إنْ أمكن، أو المرابطة في موقع الضدّ لاصطفاف خليجي جديد يمكن أن ينجم عنه، وقد لا تجد إلى جانبها، في الاصطفاف المذكور، سوى نظام البحرين الذي يمثّل الارتهان لأميركا وإسرائيل عِلّة وجوده الوحيدة.

الخليج كان دائماً على رأس أولويات السياسة الإيرانية، باعتباره بؤرة تهديد تُستخدم من قِبَل الغرب الذي ينشر قواعده العسكرية تقريباً في كلّ دُوله. إلّا أن الخيار الإيراني في التعامل مع هذا التهديد كان دائماً يقوم على عزْل عامل التأثير الخارجي باعتباره مكمن التهديد، والعمل على ترتيب أوضاع الخليج بين أهله. وإذا كان للاتّفاق الجديد أن يحقّق ذلك الهدف ولو بنسبة، فهو يمثّل مكسباً إيرانياً هائلاً، بما يمكن أن يبشّر بخليج جديد مختلف عن ذاك الذي استُخدم أميركياً، بكلّ إمكاناته الضخمة، ضدّ إيران منذ الثورة، إذ إن تلك المنطقة هي التي موّلت حرب صدام حسين على النظام الإيراني عام 1980 بعد عام واحد من انتصار الثورة، فيما اعتُبر قيام «مجلس التعاون الخليجي» في العام التالي، ردّاً مباشراً على قيام الجمهورية الإسلامية، وصولاً إلى محاولات الاختراق الإسرائيلية المستمرّة حالياً لإقامة تحالف ضدّ طهران. وعليه، فإذا أدّى اتّفاق بكين، فقط، إلى استقرار العلاقات مع نحو أربع دول خليجية، فبلا شكّ ستكون هذه المرّة الأولى التي تتمتّع فيها «إيران الثورة» بهكذا وضع، ما سينعكس إيجاباً عليها على المستويَين الاقتصادي والأمني، وهو ما يُفترض أنه مؤكَّد في الإعلان الجديد، على اعتبار أن البند الذي ينصّ على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، يعمل في الاتّجاهَين