الرئيسية / الملف السياسي / هل درب الأردن توصل لمملكة خامسة؟

هل درب الأردن توصل لمملكة خامسة؟

31-آذار-2023

فؤاد البطاينة*

أعطت بريطانيا ومن بعدها أمريكا العائلة الهاشمية دوراً عميقاً واستباقياً في فلسطين والقضية الفلسطينية. وكان هذا في سياق إقامة إمارة شرق الأردن. وتؤكد الوثائق اعتراض الوكالة اليهودية آنذاك على إقامة هذه الإمارة لكون أراضيها ضمن وعد بلفور والمستوطنات اليهودية كانت تقام فيها. إلّا أن المستعمر البريطاني أقنعها بضرورة هذه الدولة لإنجاح تنفيذ وعد بلفور وتحقيق متطلبات إقامة الدولة اليهودية والمشروع الصهيوني على مراحل، وبأن الأردن دولة مؤقتة ستبقى تحت السيطرة لدور ينتهي بها كوديعة. وبالفعل صدر صك الإنتداب بعد عام من قيام الإمارة يتحدث فيه عن تنفيذ الوعد في الأردن كجزء من فلسطين رغم وجود الدولة.

 

فالقيادة الهاشمية التي خُدعت في الحجاز، لم تُخدع في فلسطين والأردن. حيث كانت تعلم بشروط المستعمر البريطاني لتمليكها، والمرتبطة بخدمة المشروع الصهيوني. واستمرت في التنسيق مع رعيل الصهاينة الأول لدى قيام كيانهم، على أمل تثبيت حكمها في الأردن على مبدأ الشراكة الاستراتيجية معه، مع أن الجيش الأردني الذي كان يرأسه القائد البريطاني كلوب قد شارك في حرب 48. وفي المحصلة فإن الحكم الهاشمي الذي خرج من الحجاز ودخل الى سوريا والعراق والأردن انحسر ولم يتمكن من البقاء إلّا في الأردن لتبنيهم ودعمهم له، كحكم، لا كدولة وأرض.

 

فصورية إقامة الدولة الأردنية ومآلها لم يكن خافيا على القيادة الهاشمية. وهذا ليس مجرد كلام وإنما مخطط يشهد عليه الأرشيف البريطاني الذي لم يعد سراً، وتشهد عليه المسيرة الميدانية من عسكرية في فلسطين وسياسية في الأردن، كما تشهد عليه إدعاءات مندوبي الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة الموثقة، ومكرس في أدبيات أحزابهم وكتبهم من يمين ويسار، ويؤشر عليه عدم سايكوسبيكية الأردن. فالأردن كجغرافيا وسكان في مفهومهم السياسي والعقدي هو فلسطين. وأؤكد هنا التحدي لكل من يعتقد بأن الأردن خرج من وعد بلفور أن يبرز أية وثيقة رسمية بريطانية أو صهيونية. وحتى لو افترضنا جدلاً أن الأردن لم يعد ضمنه، فمن الغباء السياسي تجاهل حقيقة أن بقاء الكيان الصهيوني بفلسطين لا يمكن أن يتحقق ويستقر من الناحية الإستراتيجية وخاصة العسكرية من دون أردن،،كجغرافيا وقرار،، خاضع لسيادته.

 

وعلى الأردنيين ونظامهم أن يتيقنوا من أن قصة الوطن البديل هي “دحة” قياسا بما يُرسم لهم، فهي ليست في الاستراتيجية الصهيونية، ولا فيها الأردن غير محطة رحيل يتبعها محطات، وإذا كان الكيان الصهيوني يسمي هذا الترحيل وطناً بديلاً أو أصيلاً فهذه خدعة للنظام والشعب. فليس في المخطط الصهيوني نظام هاشمي باق، ولا شعب أردني أو فلسطيني هنا أو هناك. وإلّا فإن الصهيونية تُسقط احتلاها ومشروعها بنفسها، مما يفرض على الأردنيين وقيادة النظام أن لا ينظروا للكيان الصهيوني كنظرة غيرهم، ولا أن يتعاملوا مع القضية الفلسطينية كما تتعامل معها بقية الأقطار العربية، إنها للأردن والأردنيين كما لفلسطين والفلسطينيين، قضية وجود أو لا وجود.

 

ومن كون الإدعاء الصهيوني بالأردن ليس جديداً على القيادة الهاشمية، وكذا ليس خافياً على سلطة أوسلو، فإن التسريبات الإعلامية والسياسية للكيان الصهيوني بهذا الإدعاء الذي لم ينقطع منذ قيامه ليست موجهة للسلطة الفلسطينية أو للقيادة الأردنية. فلا حاجة للكيان لإقناع السلطة أو أخذ إذنها، فهي أسيرة الابتزاز والعجز والتعاون، ولا كذلك بحاجة لإقناع النظام الأردني أو أخذ إذنه وسنأتي لهذا، بل هي موجهة للراي العام الدولي بهدف التوطئة المتصاعدة لتلويث وعيه وتزوير التاريخ وصولاً لشرعنة احتلال كامل مزمع لفلسطين والأردن كأراضي يهودية.

 

أما للأردن، فمسألة الإدعاء الصهيوني على لسان سياسييهم وإعلامييهم وأخرها من فرنسا، ليس فيها ما لم يعرفه النظام أو قيادته أو لم يعتادوا على سماعه بدون تعليق على مر السنين كما جاء بالفقرة الثالثة من هذا المقال، بما فيه ادعاءات المؤرخين اليهود عن سيرة القيادة المؤرشفة مع فلسطين والأردن. فالجديد هذه المرة هي فقاعة الضجة المفتعلة وأحتسبها بضوء أخضر. إذ طالما لم يترتب على هذه الضجة أي فعل أو صحوة، فتكون الفقاعة في سياق تحريك استخدامي يتصل بالصراع على السلطة في داخل الكيان، وهذا لا يعني الأردنيين ولا الفلسطينيين.

 

إلّا أن اكتساب الأردن صفة الدولة المستقرة على الخارطة الدولية بقيادة الملك حسين صاحب الإنجازات الأردنية المحلية والدولية، جعل منه تحدياً مركزياً للكيان الصهيوني الذي تلقف قدوم المملكة الرابعة التي نعيشها بقيادة رخوة لا تؤسس لخامسة. حيث نالت أمريكا منها ومن صمودها حتى أصبحت تُصر على أن تفهم بأن مصلحة الأردن ومصلحتها هي في الإنصياع للمنظور الأمريكي الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني بكل إطماعه. فاستبدلت الصداقة والندية والتحالف بالرضوخ والتنفيذ. فكل اتفاقية لها مع الكيان كان فيها مصلحة استراتيجية للإحتلال وطعنة استراتيجية للأردن وفلسطين. وقطعت مرحلة كبيرة في تكبيل الأردن وشعبه وفتحت أبوابه لغزو صهيو\ أمريكي أفقدته أي معنى للسيادة أو البقاء، في مناخ سُخّر فيه الفساد بأنواعه لنخر جسم الدولة وفك عراها.

 

وفي الختام كلمتان. ألأولى، إذا كان الأردن وديعة صهيونية لدى الهاشمين، فهو أيضاً أمانة الأردنيين لديهم، وإخلاء الساحة من السادة والسوادي لا يخليها من شعبها، ومهما طال أسر قراره بزيف التقنين سيحرره. ولحينه تتحمل القيادة الهاشمية مسؤولية قيامها بانعطافة سياسية تاريخية مبتدئة بثورة بيضاء قوامها سلطة الشعب في ملكية دستورية. والثانية، أن معيار مصداقية أي نظام عربي في حماية بلده وسيادته ونهوضه، هو إعادة تصنيف كيان الاحتلال ب، العدو الوجودي، بكل استحقاقات هذا التصنيف وعلى رأسها التمسك باستراتيجية المقاومة. فكل إدعاء بدعم القضية أوالقول بإمكانية تحرير شبر واحد من فلسطين بالتفاوض بمعزل عن المقاومة، هو نفاق وقصور سياسي، وباطل ومخادع. وما جاءت مشروعية المقاومة كحق في الشرائع الأرضية والسماوية إلّا لحصريتها كنهج وحده المقنع لأي محتل بترك احتلاله ومكاسبه المحرمة، ووحده بوابة السلام.

 

*كاتب وباحث عربي اردني

عن Amal

شاهد أيضاً

وصية السنوار: كونوا الطوفان الذي لا يهدأ

أنا يحيى، ابن اللاجئ الذي حوّل الغربة إلى وطن مؤقت، وحوّل الحلم إلى معركة أبدية. …