2-نيسان-2023
علي الحطبة*
المنطقة تعيش حالة حرب حقيقية
لم تكد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، بكل ما حملته من تقدم ووعود بتمتين العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين تكتمل، حتى كانت الصواريخ والمسيّرات تدك على مدى يومين القواعد الأميركية في شمال شرق سوريا تتبعها اشتباكات وقصف مدفعي في اتجاه هذه القواعد، وهجمات الطيران الأميركي على مواقع في مدينة دير الزور، ادّعت الولايات المتحدة أنها تابعة لحزب الله، وكذلك التهديدات الإيرانية بالرد الحاسم على أي استهداف للقواعد الإيرانية التي أُنشئت بطلب من الدولة السورية.
حسم الحليفان موقفهما من الصراع في سوريا، إذ أعطيت الأولوية لوجهة النظر والمطالب السورية المتمثلة بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، وإيقاف دعم التنظيمات الإرهابية. تمثل هذا التفاهم في إلغاء اللقاء الرباعي الذي كان يفترض أن يضم نواب وزراء الخارجية لكل من سوريا وإيران وروسيا وتركيا. هذا ما أكده الرئيس بشار الأسد في اللقاءات الإعلامية التي أجراها مع وسائل الإعلام الروسية والتي أكدّ فيها إمكانية عقد أي لقاء مرتبط بالاستجابة التركية للطلبات السورية.
في الفترة نفسها، أعلنت “إسرائيل” عن حدث أمني في شمال فلسطين، ثم نشرت تقريراً مضطرباً حول تفجير عبوة ناسفة عند مفرق مجدو، وإصابة شخص واحد بجروح خطيرة، وأن العملية نفذها فلسطيني تسلل من لبنان اغتالته قوات الاحتلال في شمال فلسطين. وجهت حكومة العدو الاتهام إلى حزب الله، ولاحقاً إلى حركة حماس. على الرغم من تهديد وزير الأمن الصهيوني بالرد على العملية خلال زيارته للجبهة الشمالية حيث قال: “من خطط وأرسل منفذ العملية سيندم”، لكن أخبار العملية تم تجاوزها لما تثيره من قلق حول الإجراءات الأمنية في المنطقة الشمالية، وعلق أحد المسؤولين على هذه العملية بقوله إنها الأخطر منذ حرب يوم الغفران عام 1973. رد السيد حسن نصر الله على هذه التهديدات بشكل حاسم بقوله: “بلطوا البحر”.
قبل هذه الأحداث وبعدها، قامت طائرات العدو بالاعتداء على مطار حلب ومحاولة إخراجه من الخدمة، علماً بأنه المطار الرئيسي لعمليات الإغاثة في شمال سوريا، الهدف المعلن هو طائرات إيرانية تحمل أسلحة إلى سوريا، أما الهدف الحقيقي فهو وضع المزيد من الضغوط على الاقتصاد السوري من خلال إعاقة أعمال الإغاثة الإنسانية.
بعد انتهاء زيارة الرئيس الأسد إلى روسيا بأربعة أيام، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قرار وصفته موسكو بأنه “شائن”. رغم أن عشرات الأسباب تمنع تنفيذ مذكرة التوقيف أبسطها عدم انضمام روسيا إلى بروتوكول روما، فإن هذه المذكرة التي ربطت مصير الرئيس الروسي بنتيجة الحرب في أوكرانيا ستكون عاملاً في زيادة التصعيد في الحرب الأوكرانية حسب BBC.
التصعيد جاء من بريطانيا التي أعلنت وزيرة خارجيتها، أنابيل جولدي، أن بلادها سوف تزوّد أوكرانيا بذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب. رد الفعل الروسي كان عنيفاً، سواء من خلال تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي الذي قال: “إن خطر نشوب صراع نووي هو في أعلى مستوياته منذ عقود”، أو الإعلان أن روسيا ستقوم بتزويد بيلاروسيا باليورانيوم الحقيقي.
جاء الرد الأميركي مستخفاً بالقلق الروسي، إذ صرّح منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، جون كيربي: إن الذخائر التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، أسلحة مألوفة، وأن روسيا إذا أرادت حماية دروعها وجنودها فعليها إعادتهم إلى بلادهم. هذا الرد استدعى إعلان الرئيس بوتين نقل أسلحة نووية إلى بيلاروسيا.
وسط هذا الضجيج، جاءت زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، والذي تحدث عند تغييرات في النظام العالمي لم تحدث منذ 100 عام. لم تقتصر الزيارة على التشديد على العلاقات الاقتصادية المتينة بين الطرفين، بل أكدت أن البلدين يمتلكان وجهات نظر متطابقة حول معظم القضايا الدولية، وهو ما يعني أن هذه الجبهة التي تقف في وجه الولايات المتحدة و”الناتو” متماسكة، وتعمل ضمن استراتيجية مدروسة لتغيير شكل النظام العالمي.
يبقى التصعيد الذي تقوم به المقاومة في الداخل الفلسطيني، وخاصة العمليات العسكرية المستمرة والتي لم تنخفض وتيرتها، رغم عمليات الاغتيال الصهيونية بحق المقاومين. على العكس من المخطط الصهيوني، بدأت عمليات المقاومة تأخذ شكلاً أكثر تنظيماً، بل وبدأت تشكيلات المقاومة تعلن مسؤوليتها المباشرة عن العمليات كما فعلت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في عملية الهجوم على حاجز حوارة.
أمام هذا المشهد المتداخل، نستطيع القول إن المنطقة تعيش حالة حرب حقيقية، وأن هذه الحرب الشاملة تخوضها قوى محلية وإقليمية ودولية، وأن ساحة الصراع تشمل جزءاً كبيراً من منطقتنا، وتجعل من محور المقاومة أحد أركان هذه المعركة.
“إسرائيل” التي اعتادت على الهجوم وخلط الأوراق في المنطقة، تقف اليوم موقف الدفاع. التظاهرات التي تجتاح كيان الاحتلال وتقسمه بشكل حاد، تمنع “إسرائيل” من القيام بأي مغامرة عسكرية، سواء في اتجاه إيران أو لبنان، فالثمن قد يكون انهيار كيان الاحتلال بشكل كامل، كما أن الاتفاق السعودي – الإيراني أغلق الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية، وهو ما أعلنت عنه دولة الإمارات صراحة.
لم تسهم الاعتداءات على مطارات سوريا، والانخراط الأميركي في محاولة التصعيد ضد إيران، في التخفيف من حدة التظاهرات في شوارع “تل أبيب” وغيرها من المدن المحتلة.
الوقت اليوم للهجوم، ولتصعيد العمل المقاوم العسكري، والسياسي في مواجهة المحور المعادي. هذا العمل يستدعي إعادة تعريف معسكر الأعداء ومعسكر الأصدقاء، وكذلك الدول التي تغيرت مواقفها كالسعودية التي كما يبدو حسمت موقفها بعيداً من “الاتفاقيات الإبراهيمية”. المشهد مهيأ لتغيرات يومية بعضها يتفوق على جميع التوقعات، لذلك على جمهور المقاومة في كل مكان الاستعداد للتعامل مع هذه المتغيرات.
*كاتب أردني