سعادة مصطفى أرشيد*
تشهد الأوضاع السياسية والأمنية في شرق الإقليم انفراجات مهمة وواعدة بالمزيد، ولكن في غرب الإقليم نراها تسير على العكس من ذلك، إذ تخطو خطوات واسعة نحو التأزم والزيادة في الاحتقان، خاصة في لبنان والشام وفلسطين.
انفراج العلاقات السعودية ـ الخليجية مع إيران برعاية الصين التي حققت ما لم يستطع غيرها تحقيقه بأسلوبها الهادئ وأصابعها الناعمة في نزع فتائل الخلاف وتحقيق الانفراج من جانب، وفي تعطيل مفاعيل المشروع الأميركي «الإسرائيلي» في النفخ في ناره وإبقاء جذوته في حالة اشتعال، انعكس ذلك برداً وسلاماً على مسارات الحرب في اليمن (نسبياً وحتى الآن)، فلقاءات مسقط تحقق تقدّماً معقولاً وهناك بوادر حول الاتفاق على تبادل للسجناء والأسرى، وهي خطوة أولى ستفتح الباب أمام آفاق تفاهم أعمق لاحقاً، روسيا ساهمت في الدفع بهذا الإتجاه، ثم دخلت الصين على خط الاتصالات اليمنية السعودية ومنذ أيام أعلنت إيران المتصالحة مع السعودية وحليفة أنصار الله في اليمن، أنّ لديها مشروعها لإنهاء الأزمة وفق ما قال ناطق رسمي إيراني (كنعاني)، موسكو وبكين وطهران جميعهم يثقون بقدرة الوسيط العماني ويقدّرون دوره، ولا أحد منهم يريد أن يحلّ محله، وإنما جميعهم يريدون في وساطاتهم ومبادرتهم إكمال الدور العُماني ودعمه.
الإدارة الأميركية أرسلت عرضاً متأخراً إلى طهران تقترح فيه رفعاً جزئياً للحصار ولكن إيران التي تعيش ظروفاً قد أصحبت أكثر انفراجاً قد ردّت بفتور وعدم اكتراث على العرض الأميركي، فهي في حالة من الانسجام مع جوارها الخليجي وعلى قدر من الارتياح النسبي اقتصادياً ومالياً بسبب ارتفاع أسعار النفط وارتفاع مبيعاتها من مشتقاته، كما أنّ وضعها الأمني الداخلي أخذ يعود إليه الاستقرار بعد المصالحة مع السعودية، لكن (إسرائيل) تنفخ في نار المواجهة مع إيران بحجة أنها امتلكت أو ستمتلك خلال فترة قصيرة القنبلة الذرية، لكن (إسرائيل) تدرك محدّدات السياسة، فالمواجهة مع إيران تتطلب الدور الأميركي المباشر وهو ما لا تريده إدارة بايدن وتتطلب الانخراط الخليجي وكلا الأمرين غير متوفرين.
لكن (إسرائيل) لا تستطيع إلا أن تصعّد، بداية على جبهتها الشمالية الشرقية، حيث تريد تحقيق أكثر من هدف، فهي معنية بقطع الطريق أمام المصالحة السورية ـ التركية، التي تعمل عليها روسيا ويبدو أنها تحقق تقدّماً ولو كان محدوداً في هذا الملف، يساعدها الحاجة الملحة لأردوغان لعقد المصالحة استعداداً لمعركتة الانتخابية الأصعب في القريب العاجل، و(إسرائيل) معنية بالاحتكاك بإيران طالما عجزت عن جرّ واشنطن والخليج للمواجهة المباشرة، فتصاعدت الضربات الإسرائيلية على الشام لتضرب أهدافاً إيرانية وسورية، مدنية وعسكرية وتنفيذ عملية اغتيال في مخيم اليرموك وتفجيرات تقول أنا هنا، أما في الشمال فالجولاني وهيئة تحرير الشام يعملون على إكمال الدور.
تقول بعض الأخبار الواردة في الصحافة العبرية والموجه من جهات أمنية، أنّ إيران وحزب الله يديران من الشام معركة جديدة وأنه قد أصبح لديهما نقاط ارتكاز وخلايا عاملة في فلسطين، وأن الضربات الأخيرة هي جزء من هذه المعركة، لكن دمشق وطهران لا تستطيعان تبني نظرية الردّ في الزمان والمكان المناسبان أو القول إنّ (إسرائيل) تصدّر أزماتها بهذه الطريقة ضدّ عدم استيراد هذه البضاعة المسمومة وهو الأمر الذي يطالب به جمهور المقاومة.
نقطة التصعيد الثانية هي الضفة الغربية المحتلة، فعيد الفصح اليهودي بدأ أمس الأربعاء ويستمر لبضعة أيام، تتحضّر جهات استيطانية تلمودية متطرفة ومدعومة بوزراء في الحكومة إلى اقتحامات من نوع جديد للمسجد الأقصى تمارس به طقوساً فصحية غير مسبوقة في استفزازها لمشاعر المقدسيّين خاصة والفلسطينيي عامة وصولاً إلى ذبح القرابيين، الأنباء الصادرة من تل أبيب تقول إنّ تفاهمات بخصوص دخول اليهود إلى المسجد الأقصى في العيد قد أبرمت مع الحكومة الأردنية وبموافقة السلطة الفلسطينية، في حين تنفي عمّان ورام الله ذلك وهو ما ستكشفه مفاجآت الأيام المقبلة.
وفي مسألة خطيرة أخرى، فقد وافقت الحكومة (الإسرائيلية) على مشروع وزير الأمن القومي بن غفير بإنشاء جيش خاص بالضفة الغربية لتحقيق الأمن وحماية المستوطنين، وفي حقيقته لقتل الفلسطينيين وجعل حياتهم جحيماً لا يطاق، هذا الجيش سيكون ميليشيا منفلتة تعمل بلا ضوابط كان يلتزم بها الجيش (الإسرائيلي) على ضعف تلك الضوابط، ميليشيا عناصرها من غلاة المستوطنين والمتطرفين ويشاع أنّ هنالك اتفاقاً بتقديم إغراءات للسجناء اليهود المحكومين بتهم جنائية باستبدال فترة عقوبتهم بأن يخدموا في هذه الميليشيا، وأقرّت الحكومة برغم معارضة وزراء اقتطاع 1.5% من موازنة كافة الوزارات لتمويل هذه الميليشيا. هذا في حين يقوم الجيش «الإسرائيلي» بعمليات إقتحام ليلية ونهارية لأي مكان في الضفة الغربية بما فيها منطقة (أ) التابعة للسلطة وأصبح القتل والهدم قصة كل يوم.
الحرب أضحت بين الشعب الفلسطيني الأعزل وبين الإحتلال، وباتجاه صراع ديني، صراع حول مقدسات، وتجاوزت الأحداث السلطة وكثير من الفصائل وبياناتهم الجاهزة وعباراتهم المعلبة، هنا من يدين ويشجب ويندّد بالجرائم وهناك من يؤيّد ويحيّي ويشيد بالمقاومة، الاشتباك المقبل والمسألة من يقدح الشرارة ومتى…؟
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة