الرئيسية / الملف السياسي / من دخل دار محمد بن سلمان فهو آمن .. فتح مكة عام 2023

من دخل دار محمد بن سلمان فهو آمن .. فتح مكة عام 2023

16-نيسان-2023
نارام سرجون*

لاشك ان القلب يطرب لسماع أناشيد العرب وهم يحيون بعضهم ويثنون على بعضهم ويقبلون شنبات بعضهم ولحى بعضهم .. من بعد حرب ضروس .. كانت فيها الكلمات مسلحة .. والدين مسلحا .. والله نفسه حمل السلاح في حروب العرب على العرب .. وفي حروب العرب تعاد كل الحروب القديمة والحديثة .. وتعود الى الحياة كل الحروب التي انقرضت بين العرب .. حرب داحس والغبراء وحرب البسوس وحرب الجمل .. وفي هذه الحروب عادت عظام الصحابة حية وهي رميم وعادت عظام السقيفة وعظام الجمل .. وكانت كل الكلمات تقاتل بعضها .. ذبحت الكلمات فيها أعناق الكلمات .. وابادت كلمات الكراهية كل ذريات الحب .. ونسينا حب عنترة وعبلة وقيس وليلى ولم يبق في جعبة العرب من تراث سوى حروب الزير سالم وجساس وبني مرة مفردات الابادة عن بكرة الاب من أجل ناقة .. واجتثت كلمات الوعيد كل جذور السلام والحب .. فقد كان الكلام العربي مصابا بالجنون والهستيريا ..

حدث طوفان نوحي من كلام الكراهية والبغض والتحريض .. وبعض كلمات التصالح والتسامح اختفت وبعضها دفنت على قيد الحياة .. وخرجت من القواميس ونزعت عنها الجنسية ونامت في الملاجئ أو أخفيت قسريا او هربت مع اللاجئين في قوارب الموت وغرقت معهم أحيانا .. وكان من المستحيل ان يتصالح العرب مع العرب لأن يوم القيامة سيأتي فيما لو تصالحت هذه القبائل ..
وللصدفة فقد جاء يوم القيامة .. وتصالح العرب مع العرب .. تصالحت قطر والسعودية دون ان تقوم القيامة وتصالحت مصر مع قطر .. وفجأة شربت الارض كل الكلام المسموم الذي كان مثل ماء الفيضان العكر .. وغاض ماء طوفان الكراهية والحقد .. كما غاض طوفان نوح .. ورست سفينة سورية التي ضربتها العواصف والانواء على الجودي .. ولم تفلح العاصفة الكونية والعربية والاسلامية في تحطيم صواريها وأشرعتها ..

فبعد كل هذه الحروب .. تحول كل شيء وكأن ساحرة طيبة قررت ان تضرب بعصاها قلوب العرب الغاضبة المليئة بالقيح والحصى .. وتجعلها لينة .. وتغسلها من السم .. فمن يسمع الكلام الجميل العربي هذه الايام عن المصالحة والاخوة والوئام والسلام والاسلام ووحدة الصف يتعجب مما يسمع .. ويستغرب السامع من كم الحب والثناء والتقدير وقدرة الكلمات على القيام بهذه المناورة الرشيقة و ان تدور قافلة راجعة عن مسارها وقد تخلت عن ثياب الحرب وخلعت الدروع والسيوف القاطعة التي تبللت من دم الكلمات التي أبيدت في مجزرة الحب العربي .. وحملت أغصان الزيتون وسعف النخل وورود الياسمين ..
كم العرب مضحكون عندما يتقاتلون مع العرب .. وماأحلاهم وهم يتصالحون مع بعضهم من بعد عراك طويل .. انه طعم الثلج وطعم النار ..

 

طبعا سمعت كما سمعتم الكلام الجميل الذي دار والغزل بيننا وبين السعوديين .. ورغم ان بعضنا ضحك .. وبعضنا تعجب . وبعضنا غضب .. وبعضنا ابتهج .. وبعضنا لم يصدق نفسه .. وبعضنا لم يعر الامر اهتماما .. ولكن هؤلاء هم العرب .. وهكذا نحن العرب .. نتقاتل لعشرات السنين ثم نسلم على بعضنا وكأنه لم يكن بيننا سوى سوء تفاهم بسيط .. ويصبح كفار دمشق مؤمنين بفتوى من البيت الحرام .. ويصبح ملوك الرمال من كرام الملوك ..
ومااشبه اليوم بالأمس .. فعندما وصل النبي الى مكة من بعد ان ظلمته مكة وحاربته مكة وأذته مكة .. قال لأهلها ماتظنون أني فاعل بكم؟ فقال له القوم الذين كانوا يشتمونه لسنوات ويشككون به ويصفونه بالساحر الخبيث ويحاولون اغتياله في بيته وهو نائم .. بل وحركوا الجيوش عليه ثلاث مرات وحاصروه في المدينة .. بعد كل هذا يتغير قاموسهم ويقولون (أخ كريم وابن أخ كريم) !! ..
بل وفي نفس اليوم .. يعلن النبي ان من يدخل دار أبي سفيان فهو آمن كما لو انه دخل الكعبة .. وساوى النبي بين البيت الذي حاربه عشرين عاما .. وحاول قتله وقتل أحبابه واصحابه وكانت بقايا كبد عمه لاتزال تلاك في فم هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان .. ومع هذا قال النبي ان (من دخل دار ابي سفيان فهو آمن) .. انها كانت الديبلوماسية النبوية .. رغم ان النبي كان يدرك ان أبا سفيان لايزال على الشرك والعداوة ولكنه مغلوب على أمره ..
واليوم نحن نخرج تدريحيا من الحرب ومن الأوقات الصعبة .. وهاهي مكة ترفع الرايات البيضاء .. ويقول السوريون للسعوديين .. ماذا تظنون أنا فاعلون بكم .. فيقول السعوديون (أخوة كرام وابناء اخوة كرام ) .. فيرد السوريون (من دخل دار محمد بن سلمان فهو آمن .. ومن دخل الكعبة فهوآمن) .. رغم ان ديبلوماسيتنا الذكية تقول لنا ان أهل مكة والخليج لايزالون على الشرك .. وانهم غالبا مغلوبون على أمرهم بعد أن تبدد الجمع الكوني من حول سورية ..

على العموم هذه المصالحة يحب ان ينظر اليها على انها تشبه فتح مكة وسيلحق كل رهط الخليج بالسعودية مهما تأخروا .. ويجب أن يكون فيها الخير .. وان نستفيد منها .. ويجب ان نذهب اليها رغم شكنا بالعرب .. وهي لن تكون فخا جديدا مثلما فعل الملك عبدالله عندما زارنا وزارنا اردوغان وغيرهما وقبلوا شواربنا .. وكانت الزيارات هي للتسلل الى الداخل السوري في غفلة منا ..

لذلك سنقول ان عودة العرب لن تكون الى سورية التي تركوها عام 2011 بل الى سورية التي لاتعطي ظهرها بعد اليوم للطاعنين .. ولاتنام ملء جفونها عن شواردها .. وتغمض فقط عينا واحدة .. فما حدث يجب ألا ينسينا الحذر .. ولايجب ان نستحم بماء العرب البارد وكلامهم الذي جعل النار بردا وسلاما .. ولانظن ان فتح مكة دوما كان نهاية الحرب .. فقد كادت العرب تنقلب على العرب والاسلام في حنين ولولا صمود النبي لأعلن أهل مكة انشقاقهم ثانية فيما لو هزم .. ونصف العرب ارتدوا من بعد وفاة النبي ..

دعونا نرحب بالمصالحات وأن نجعل منها خيرا لنا ومكسبا لشعبنا الذي لولا صموده لما فتحت مكة أبوابها له .. ولكن دعونا نقول اننا لن نلدغ من الجحر مرتين .. حتى وان قلنا ان من دخل دار بن سلمان فهو آمن .. او اذا قلنا يوما من دخل دار اردوغان فهو آمن .. ونحن نعلم .. انه ليس من دار آمن أبدا .. سوى دار الوطن ..

*كاتب ومفكر سوري

عن Amal

شاهد أيضاً

إعلام إسرائيلي: كيف شارك كبار ضباط الجيش في إخفاق 7 أكتوبر؟

شباط 23 2024 صحيفة “معاريف” تتطرق إلى دور ضباط خدموا في مناصب عليا في الجهازين …