الرئيسية / الملف السياسي / ما سر القلق الإسرائيلي من احتدام الصراع في السودان؟

ما سر القلق الإسرائيلي من احتدام الصراع في السودان؟

1-أيار-2023

 

إيلي كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلي الذي زار السودان في شباط الماضي، والذي يقود جهود الوساطة الإسرائيلية اليوم بين البرهان وحميدتي

ما كشفه موقع “أكسيوس” الأميركي مؤخراً عن ارتفاع حدة القلق لدى الأوساط الإسرائيلية من احتدام الصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني الذي يرأسه عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حميدتي، ثم الدعوة الإسرائيلية الصريحة ودخول وزارة الخارجية الإسرائيلية المباشر على خط الوساطة، إذ دعت البرهان وحميدتي إلى عقد اجتماع مشترك في “إسرائيل” للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يثير تساؤلات مهمة، عن حقيقة أهداف “إسرائيل” الكامنة وراء هذا التحرك، في ظل غياب شبه رسمي للدور العربي وجامعة الدول العربية عن التدخل المباشر للوساطة ووقف نزيف الصراع.

من وجهة نظر “إسرائيل”، فإن الدعوة الإسرائيلية وتواصل مسؤوليها مع طرفي النزاع، ينطلقان من أن عملية التطبيع مع السودان والعلاقات التي أقامتها مع كل من البرهان وحميدتي، تتيحان لها الفرصة لمحاولة التأثير في الجنرالين المتصارعين.

كما هو معروف، فإن السودان جزء لا يتجزأ من اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها “إسرائيل” مع عدة دول عربية وخليجية عام 2020 برعاية الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب، وكان من المتوقع أن يتم توقيع اتفاقية تطبيع بين “إسرائيل” والسودان في الوقت القريب، لكنّ اندلاع الاشتباكات المسلحة أوقف المخطط بشكل مفاجئ ومغاير للحسابات الإسرائيلية.

قبل اندلاع القتال المسلح، كانت “إسرائيل” تتابع المحادثات في السودان حول الاتفاق الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى تعيين حكومة بقيادة مدنية ويهيئ المشهد لتوقيع اتفاق تطبيع رسمي مع “إسرائيل”، وفي شهر شباط/فبراير الماضي، زار إيلي كوهين، وزير الخارجية الحالي في حكومة نتنياهو ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الأسبق، العاصمة السودانية الخرطوم، وحث البرهان على الاستمرار في إعادة السلطة إلى حكومة سودانية مدنية، وأنه من دون ذلك سيكون من الصعب التوصل إلى توقيع اتفاقية تطبيع.

سرعان ما خاب ظن “إسرائيل” بعد أن كانت تراقب وتتابع من كثب ولادة حكومة مدنية، حتى اندلعت شرارة الصراع المسلح فجأة، بعد أن كانت تطمح وتخطط لأن تخترق السودان وتحقق أهدافها وأطماعها في تحويله إلى قاعدة للعمل داخل القارة السمراء، بوجود أمني إسرائيلي في الموانئ السودانية على جهة البحر الأحمر.

الدافع الإسرائيلي الأول وحال القلق من تطور الصراع الدائر والمتصاعد في السودان نابعان من ارتفاع مؤشرات انهيار صفقة التطبيع المرتقبة، وهو الأمر الذي تخشاه “تل أبيب” بسبب تداعيات ذلك على علاقاتها ومخططاتها ونفوذها المتعدد في القارة السمراء.

بات واضحاً أن الأوساط الإسرائيلية ليست قلقة فحسب، بل تشعر بخيبة وانتكاسة جديدة بعد تراجع مسار التطبيع الإسرائيلي -العربي، في وقت كانت تراهن حكومة نتنياهو على أن المهمة الأولى لها بعد التشكيل هو توسيع دائرة اتفاقيات التطبيع في المنطقة العربية، وتوقيع اتفاق تطبيع رسمي مع السعودية، لكنها فوجئت باختيار السعودية مسارات جديدة، وقدمت العلاقة والتقارب مع إيران على التطبيع مع “إسرائيل” في ظل المتغيرات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة وتشكل قطب جديد مغاير لهيمنة أميركا المعهودة.

بين الانتكاسة والقلق تولدت المخاوف الإسرائيلية من أن يؤدي الصراع القائم في السودان إلى تجميد تام وكامل للعلاقات التي شقتها “إسرائيل” مؤخراً مع الأطراف في السودان، وطي صفحة التطبيع بشكل نهائي. كذلك، لا يقتصر القلق الإسرائيلي على تجميد التطبيع فحسب، فهناك قضايا أخرى تشكل عامل إرباك كبير للأطماع الإسرائيلية الأخرى وقطع الطريق أمام “إسرائيل” في مواصلة مخططاتها لتطبيع العلاقات مع مزيد من دول أفريقيا، والذي من شأنه أن ينعكس على قضايا مثل التبادل التجاري والاستثمارات الاقتصادية والمبيعات العسكرية لدول أفريقيا، إذ تعتمد “تل أبيب” في بيع منتجاتها العسكرية لكل الدول التي طبّعت معها بذريعة حفظ الأمن في المنطقة.

في العقل الأمني الإسرائيلي وأمام حال الصراع والاقتتال القائم في السودان، لن تغيب عن “إسرائيل” أهمية موقع السودان كمحطة مهمة بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية التي لطالما كان لها دور سابق في نقل السلاح من إيران وليبيا إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وقد سبق أن تحدثت عن ذلك علانية. أكثر ما تخشاه “إسرائيل” أن يصبح السودان ساحة فوضى ما يسهل عودة عمليات نقل الأسلحة المتطورة إلى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بدعم إيراني يتجدد كما كان في السابق.

إسرائيلياً، إن تجميد مسار التطبيع مع السودان في ظل الصراع الداخلي الدائر لن يؤثر عليها سياسياً وأمنياً فحسب، بل سيطال المجالات الاقتصادية أيضاً، إذ إن تعليق التطبيع سيعيق تنفيذ المشاريع والاستثمارات الإسرائيلية الاقتصادية في السودان، وحتى في أفريقيا التي كانت تطمح بها الشركات الإسرائيلية التي تنظر إلى المجالات الأكثر تقدماً مثل البرمجيات والتكنولوجيا الفائقة، وإدخالها إلى السودان كهدف رئيسي.

التطبيع مع السودان الذي كان منذ اللحظة الأولى ينظر إليه على أنه تطبيع هش، حاولت “إسرائيل” ترسيخه باتفاقية رسمية مع حكومة سودانية مدنية، لكنها ومع تفاقم الصراع أصابتها الخيبة والانتكاسة مرة ثانية وسيطرت عليها حالة القلق والخوف من العودة إلى مشهد جديد يخالف توجهاتها وأطماعها، إذ إن مسار التطبيع حتى الآن ما هو إلا حبر على ورق، ويصطدم بمعطيات، أولها الصراع المتفاقم بين قطبين سودانيين عسكريين لا أفق لأي حل قريب، والأهم هو الرفض الشعبي الكبير لأي تقارب رسمي مع “إسرائيل”.

الميادين

عن Amal

شاهد أيضاً

حزب الله الأسطورة .. هيدرا الله .. خليط الناصرية والخمينية

14 تشرين أول 2024 نارام سرجون كان السيد حسن نصرالله مالئ الدنيا وشاغل الغرب .. …