3-أيار-2023
ا– قراءة لـ البروفيسور بيار بولس الخوري
الإتفاقُ الذي وُقِّعَ بين الصين وإيران، ويدوم 25 عاماً، أعاد إلى الأذهان سريعاً مجموعةً من الأسئلة الكبرى المُتَعلِّقة بالتعقيد الجيوسياسي في الشرق الاوسط والعالم، والتي يُمكن اختصارُها على الشكل التالي:
١- هل سيقود الإتفاق إيران إلى التصلّب أكثر في مفاوضات الإتفاق النووي؟
٢- هل سيقود الإتفاق إلى تهديد علاقة الصين بدول الخليج العربي النفطية؟
٣- كيف ستردّ أميركا التي هدّد الإتفاق هيمَنتها على الشرق الاوسط والحصار الذي تفرضه على إيران؟
٤- هل تقبل اسرائيل بتثقيل الصين لإيران وفتح آفاق التنمية لها من دون الإستغناء عن مشروعها النووي؟
٥- هل يُمهّد الإتفاق لنزعِ أَمرَكة الشرق الأوسط على دربِ استعادةِ طريق الحرير وفقاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية؟
سوف أُجيب بمجموعة الحقائق التي يمنعنا الاستقطاب والعقائدية، اللذان يطغيان على تفكير قادة المنطقة، من الإعتراف بها.
١- إيران كانت ولا تزال لا شرقية ولا غربية. وهي وقّعت الإتفاق النووي مع ستِّ دولٍ لا مع الولايات المتحدة حصراً، وفتحت باب الإستثمارات للصينيين والروس والأوروبيين لا للأميركيين حصراً . وقد ذهبت ومعها الدول العظمى الى اتفاقٍ تاريخي نقضته إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد أول انتخابات أميركية لاحقة للإتفاق. إن إيران تُريد اتفاقاً تاريخياً يعترف بمصالحها، ولكنّها لن تعود كما أُخرِجت. وهي تحتاج إلى التسلّح بالإتفاق مع الصين لكي تضمن عناصر قوّتها في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والغرب لأن ايران، كما كتبت دائماً، تعرف أنها لا تستطيع ان تكون للغرب ولا للشرق، كما تُريد أن تؤكد حضورها كي تكون حاجة للطرفين. الواقع أن الإتفاق مع الصين سيُعطي أملاً واقعياً لإنتاجِ اتفاقٍ مع السُداسي ذي مفاعيل طويلة الأجل لا يخضع لتغيّر أمزجة الرؤساء الأميركيين.
٢- قرأتُ الكثير من التحليلات الرصينة قبل توقيع الإتفاق عن أن الصين لن تُوقّع مع إيران لأن ذلك سيُهدّد مصالحها التجارية مع دول الخليج النفطية. كان من الممكن أن يكون ذلك صحيحاً في ظل إدارة ترامب التي حاولت استلحاق الخليج بطريقة عارية، ولكن مَن قال أن الخليج لا يُريد حلاً سليماً للنزاع مع إيران؟ مَن قال أن الخليج لا يُفضّل الخروج من الاستقطاب الإميركي-الايراني؟ تُتيح قوة العلاقات الصينية-الإيرانية بإيجاد شريكٍ موثوق قادر على البحث عن المشترك في مصالحه مع الطرفين بدل تسعير الصراع الإسلامي-الإسلامي.
٣- لنعود قليلاً الى سورية. روسيا دعمت ركائز النظام السوري في لحظة تحوّل، ذلك لم يُناسب (إسرائيل). لكن روسيا خدمت أيضاً مصالح الدولة العبرية، أو ما تُسمّيه عاصمة الإحتلال هاجس الأمن، وحدّت من قدرة إيران على التمدّد في سورية رُغم أن موسكو حليفة طهران. لنُطبّق هذا المبدأ على دول الخليج وإسرائيل بالنظر الى قوة الصين في إيران، فإن إزاحة سيف الحصار سيُشجّع الجمهورية الإسلامية إلى النظر إلى خصومها في المنطقة على قاعدة المصالح الإقتصادية التي تعرف الصين كيف تحوّلها إلى علاقات الربح للجميع.
٣- أميركا تُريد الخروج من الشرق الاوسط ولكنها سعت إلى رهن دول المنطقة لها من بعيد بفعل سيطرتها على النظام المالي الدولي ونظام الاتصالات والممرات البحرية الاستراتيجية. ضغطت إدارة ترامب من أجل تطويع إيران وفشلت. فماذا بعد؟ إن ردّ الفعل الأميركي الناعم على الإتفاق الصيني-الإيراني يُشير أن الولايات المتحدة ستخضع لمنطق الأمور، لأن ذلك هو الطريق الوحيد الممكن بعد كل الندوب التي خلّفتها إدارة ترامب. إنه اعتراف غير مباشر بالهزيمة تماماً كما فعلت واشنطن مع الروس في سوريا.
٤- الدولة العبرية تعبت من عدم استقرار سياسات الولايات المتحدة الذي أثّر في نسق الاستراتيجيات الصهيونية في المنطقة. لقد انهار الإتحاد السوفياتي وانفرط، وسقطت الأنظمة الراديكالية العربية، وتمزّقت سورية، فيما إيران تتقدّم وكذلك روسيا، والآن الصين.
٥- في ظل استراتيجية الإنسحاب الأميركي من المنطقة حصدت (اسرائيل) نقلة استراتيجية كبيرة مع اتفاقات “أبراهام” بعد النقلة الروسية في سورية، وعليها ان تتوقع نقلتين استراتيجيتين مقابلتين: الإتفاق الإيراني-الصيني واتفاقٌ ضروري بين تركيا ومصر ودول الخليج ليكتمل عقد إعادة التموضع بعد الإنسحاب الأميركي. تحتاج هذه التموضعات الاستراتيجية الى فتيلِ تفجير أو مشروع تنموي جديد لمنطقة الشرق الاوسط بعيداً من نظرة الغرب الأحادية التي لا تُقيم وزناً لطموحات شعوب المنطقة، ولا تقبل الشراكة إلّا من موقع السيّد المُطلَق.
٦- فتيلُ التفجير بات وراءنا، ذلك أنه أمام خطر انهيار الاقتصاد العالمي بعد إنفاقِ أكثر من عشرة تريليونات دولار لمواجهة جائحة كورونا واستمرار غرق العالم بتداعيات الجائحة (عدا الصين)، فإن الشرق الاوسط يُمثّل حاجة ماسة للإستثمارات العالمية لغناه بالموارد الطبيعية والطاقات الشابة المنافسة.
مع الإتفاق الإيراني-الصيني يكتمل عقد الدول الكبرى وتتثبّت توازنات القوى الإقليمية التي تمنع فكرة إلغاء طرف لطرف. أليس هذا الشرط هو الأساس للجلوس على الطاولة بأعصاب باردة؟