5-أيار -2023
محمود درويش *
إلى أين تأخذني يا أبي؟
إلى جهة الريح يا ولدي…
… يبدو أنه يخرجان من السهل ، حيث
أقام جنود بونابرت تلاً لرصد
الظلال على سور عكا القديم ـ
يقول أبنه: لا تخف. لا
تخفْ من أزيز الرصاص! التصقْ
بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
جبل في
الشمال
ـ ومن يسكن البيت من بعدنا
يا أبي؟
ـ سيبقى على حاله مثلما كان
يا ولدي!
تحسس مفتاحه يتحسس
أعضاءه ، واطمئن. وقال لهُ
يعبران سياجاً من الشوك:
يا ابني تذكّرْ! هنا صلب الإنجليزُ
أباك على شوك صبارة ليلتين ،
ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا
ابني ، وتروي لمن يرثون بنادقهم
سيرة الدم فوق الحديدِ…
ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟
ـ لكي يؤنس البيت ، ولدي ،
فالبيوت إذا غاب سكانها…
تفتح أبوابها من بعيدٍ ،
لسيارة الليل. تعوي ذئاب
البراري على قمر خائف. ويقول
أبنه: كن قوياً كجدّك!
واصعد معي تلة السنديان الأخيرة
يا ابني ، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
عن بغلة الحرب ، فاصمد معي
لنعودَ
ـ متى يا أبي؟
ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!
وكان ينتهكون
ومنتجعون
ومنتجعون ومنتجعون
. يلهثان
على درب (قانا): هنا
مر سيدنا ذات يوم. هنا
جعل الماء خمراً. وقال كلاماً
عن الحب ، يا ابني تذكّر
غداً. وتذكر قلاعاً صليبية
قضمتها حشائش نيسان بعد
رحيل.
* شاعر فلسطيني