22-أيار-2023
كلمة الرئيس السوري بشار الأسد أمام القمة العربية في جدة في 19 أيار 2023
«سمو الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية أصحاب الجلالة والسيادة والسمو السيدات والسادة،
من أين يبدأ المرء حديثه والأخطار لم تعد محدقة بل محققة، يبدأ من الأمل الدافع للإجياز والعمل. وعندما تتراكم العلل يمكن للطبيب أن يعالجها فرادى شرط أن يعالج المرض الأساسي المسبب لها.
فإذًا علينا أن نبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبلنا وتنتج أزماتنا كي لا نغرق ونغرق الأجيال القادمة بمعالجة النتائج لا الأسباب.
التهديدات فيها مخاطر وفيها فرص، ونحن اليوم أمام فرصة تبدل الوضع الدولي الذي يتبدى بعالم متعدد الأقطاب كنتيجة لهيمنة الغرب المجرد من المبادئ والأخلاق والأصدقاء والشركاء. هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي، وهو ما يتطلب إعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزًءًا فاعلًا فيه، مستثمرين في الأجزاء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة وصولا إليها. هي فرصة لترسيخ ثقافتنا في مواجهة الذوبان القادم لليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرده من أخلاقه وهويته، ولتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري وهي تتهم زورًا بالعرقية والشوفينية بهدف جعلها في حالة صراع مع المكونات الطبيعية القومية والعرقية والدينية، فتموت وتموت معها مجتمعاتنا بصراعها مع ذاتها لا مع غيرها.
العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم، لا تبدأ عند جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربيًا بحق الشعب الفلسطيني المقاوم ولا تنتهي عند خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة اخوانية منحرفة، ولا تنفصل عن تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا النامية، هنا يأتي دور جامعة الدول العربية باعتبارها المنصة الطبيعية لمناقشة القضايا المختلفة ومعالجتها شرط تطوير منظومة عملها عبر مراجعة الميثاق والنظام الداخلي وتطوير آلياتها كي تتماشى مع العصر.
فالعمل العربي المشترك بحاجة لرؤى واستراتيجات وأهداف مشتركة، نحولها لاحقًا إلى خطط تنفيذية، بحاجة لسياسة موحدة ومبادئ ثابتة وآليات وضوابط واضحة. عندها سننتقل من رد الفعل إلى استباق الأحداث، وستكون الجامعة متنفسًا في حالة الحصار لا شريك به، ملجأُ من العدوان لا منصة له.
أما عن القضايا التي تشغلنا يوميًا من ليبيا إلى سوريا مرورًا باليمن والسودان وغيرها من القضايا الكثيرة في مناطق مختلفة، فلا يمكننا معالجة الأمراض عبر معالجة الأعراض، فكل تلك القضايا هي نتائج لعناوين أكبر لم تعالج سابقًا، أما الحديث في بعضها فهو بحاجة لمعالجة التصدعات التي نشأت على الساحة العربية خلال عقد مضى واستعادة الجامعة لدورها كمرمم للجروح لا معمق له. والأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها فهي قادرة على تدبير شوؤنها، وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصرًا.
أما سوريا فماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة، لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان. فالأحضان عابرة أم الانتماء فدائم. وربما ينتقل الانسان من حضن لآخر لسبب ما، لكنه لا يغير انتماءه أما من يغيره فهو من دون انتماء من الأساس، ومن يقع في القلب لا يقبع في حضن، وسوريا قلب العروبة وفي قلبها.
السيدات والسادة ونحن نعقد هذه القمة في عالم مضطرب، فإن الأمل يرتفع في ظل التقارب العربي العربي والعربي الإقليمي والدولي، والذي توج بهذه القمة والتي أتمنى أن تشكل بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن فيما بيننا، للسلام في منطقتنا، للتنمية والازدهار بدلا من الحرب والدمار.
التزامًا بالدقائق الخمس المخصصة للكلمات، أتوجه بالشكر العميق لرؤساء الوفود الذين عبروا عن المودة المتأصلة تجاه سورية وأبادلهم بالمثل، كما أشكر خادم الحرمين الشريفين على الدور الكبير الذي قام به والجهود المكثفة التي بذلها لتعزيز المصالحة في منطقتنا ولإنجاح هذه القمة، وأتمنى له ولسمو ولي العهد وللشعب السعودي الشقيق دوام التقدم والازدهار والسلام عليكم ورحمه الله».