الرئيسية / الملف السياسي / لماذا فشلت شعوب المنطقة العربية في كسر شوكة “ثالوث” التخلف التنموي و التدخل الأجنبي والطغيان السياسي؟

لماذا فشلت شعوب المنطقة العربية في كسر شوكة “ثالوث” التخلف التنموي و التدخل الأجنبي والطغيان السياسي؟

3 حزيران 2023

 طارق ليساوي*

حولت في مقال: لماذا فشلت المؤامرات المعلنة و الخفية في إسقاط أردوغان و تحالفه؟ توضيح لأسباب إستمرار أردوغان وتحالفه في حكم تركيا رغم الجهود الجبارة من قبل الداخل و الخارج لإسقاطه. فقبل انطلاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية توقعنا فيه فوز الرئيس “طيب رجب أردوغان” و حزبه بالانتخابات الرئاسية و البرلمانية، ومن ضمن هذه الأسباب الجوهرية فعالية الأداء والنجاح في تغيير الأوضاع الاقتصادية  والاجتماعية والسياسية ورفع مكانة المواطن وتوسيع خياراته والرفع من قدر تركيا ومكانتها الدولية وحماية مصالحها القومية الجيوإستراتيجية، .وتحريرها التدريجي من التبعية المذلة للقوى الأجنبية

وفي ذات السياق ، ولكن بالانتقال ببوصلة اهتمامنا إلى عالمنا العربي ، أطرح سؤال يؤرقني منذ اندلاع الربيع العربي عام 2011  تحوله إلى خريف حارق، لماذا لم ينجح الشرفاء والأحرار في المغرب و باقي البلدان العربية في تغيير الأوضاع الموروثة عن الاستعمار،  وإقامة نظم حكم ديموقراطية، وبلدان ناجحة اقتصاديا وسياسيا ، وأنظمة اجتماعية متماسكة على غرار ما نراه في باقي بلدان المعمورة ، والتي كانت بالأمس القريب تعيش نفس الأوضاع التي عاشتها البلدان العربية من تخلف واحتلال وتدخل أجنبي، ومن ذلك تركيا والصين وكوريا وغيرها؟

لماذا اجتمعت شياطين الإنس و الجن بالمنطقة العربية منذ سنة 1947 تاريخ النكبة العربية و ليس فقط فلسطين؟ خمسة وسبعون سنة والأمة العربية والإسلامية تعاني من ويلات التدخل الأجنبي بريادة الرأسمال الصهيوني والدعم العلمي واللوجستيكي الصليبي، ويتساءلون بعد كل هذا لماذا لم تستطع الشعوب العربية الخروج من دورة التخلف والاستبداد والطغيان السياسي و الظلم الاجتماعي ، و نهب خيرات و مقدرات هذه البلدان ؟

لقد عرفت المنطقة العربية منذ تاريخ النكبة إلى يومنا عشرات الحروب و المؤامرات ، سواء ضد العدو الخارجي أو حروبا بينية بين الأشقاء و الجيران ، أو حروب أهلية بين الشعب الواحد ، و كل هذه الحروب و المؤامرات تنفيذ لأجندات خارجية لكن تنفذ بأيادي عربية – عربية وبأموال عربية في الأصل…

ونحن نتابع ما يحدث في السودان من تقاتل داخلي بين من كانوا بالأمس شركاء في تقسيم السودان و خلق دويلة جديدة إقتطعت من السودان و إسمها ” جنوب السودان” ، كما شاركوا في خلق أزمة دارفور و إبادة العديد من المواطنين ، كما شاركوا في نهب ثروات البلد و تهريب خيراته .وموارده للخارج. هذا البلد نموذج لباقي المنطقة العربية ، فهو بلد غني بثرواته و لكن شعبه لا يستفيد منها

وحتى ندرك خلفيات هذا الصراع الدائر على أرض السودان يكفي سرد المؤشرات التالية التي تعطي صورة تقريبية عن ثروات هذا البلد العربي –الإفريقي و المسلم: فإجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في السودان تعادل 850.000 كلم 2 ، وهي أكبر من مساحة كامل اوكرانيا التي تطعم العالم و تساوي تقريبا مساحة كل من ألمانيا و بريطانيا و اليونان و البرتغال و بلجيكا و هذه البلدان الأروبية مجتمعتاً معروفة بأراضيها الخصبة ..

وتبلغ مساحة الغابات و المراعي الخضراء حوالي 230.000 كلم 2وهي تساوي 5 أضعاف مساحة الدنمارك، كما تملك السودان حوالي 100 مليون رأس ماشية بينها 30 مليون بقرة بينما لا تملك هولندا سوى 3 مليون بقرة و تصدر حليبها و اجبانها للعالم ، كما أن يوجد على أرض السودان 7 انهار و 13 بحيرة و 400 مليار متر مكعب من مياه الأمطار …

وبحسب تقديرات منظمة “الفاو” فالسودان تستطيع ان توفر الغذاء لأكثر من 600 مليون نسمة ، و صدق من وصفها بسلة غداء العالم العربي لكن للأسف رغم كل هذه الإمكانيات فإنها عاجزة عن توفير الغذاء ل40 مليون نسمة..

والسودان ثالت أكبر منتج للذهب في افريقيا بإنتاج يتراوح ما بين 95 الي 100 طن من الذهب سنويا ، و لا يدخل لخزينة الدولة إلا 30 طن فقط، وباقي الكميات تهرب الي الخارج وبهذا تحول الذهب في السودان من نعمة الي نقمة بسبب المصالح الشخصية والتدخلات الدولية، و 80 %من تنقيب الذهب يتم بصورة حرة خارج مؤسسات الدولة و من غير رقابة و هو ما يؤدي إلى نهب ثروات البلاد ، بالإضافة إلى الاستغلال الجائر المضر بالبيئة ، فبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية تشهد السودان تزايدا حادا في عدد المواليد المشوهة، و من ضمن الأسباب المباشرة لهذه الظاهرة ورمي مخلفات التنقيب عن الذهب في نهر النيل مثل الزئبق وغيره من المخلفات السامة ..

وبحسب تقارير محلية و دولية فإن الجنرال “حميدتي” صاحب “شركة الجنيد” مع عائلته هو المسؤول الاكبر في تصدير الذهب وتهريبه الي الامارات بدون الرجوع الي بنك السودان المركزي.

فالسودان حالها كحال باقي الدول العربية مع بعض الفوارق النسبية، ثروات هائلة و شعوب غافلة و طبقة حاكمة فاشلة وغرب صهيو-صليبي ينهب ويتحكم.

فتقييم وضع التنمية في العالم العربي في العقدين الأخيرين، يحيل إلى وجود العديد من النواقص التي تعيق عملية التنمية فهناك الاستبداد وضعف الحريات السياسية والمدنية ، إلي جانب عجز معرفي فالوطن العربي لازال يعاني من فجوة معرفية شديدة العمق ، إلى جانب ضعف تمكين أغلبية الناس من المشاركة الكاملة في صياغة القرارات و الاختيارات الكبرى التي تؤثر على حياتهم حاضرا و مستقبلا . دون أن نهمل ضعف شبكات الأمان الاجتماعي و عجز الأداء الاقتصادي و سوء توزيع الثروة و شيوع الفقر والبطالة وهيمنة شبح الحروب الأهلية والصراعات الطائفية والإثْنية، و فساد النخب الحاكمة و تحالفها مع أوليغارشية رأسمالية تعتمد في بقاءها على الريع و مكافحة المنافسة الاقتصادية الحرة …

لكن أهم نقص كشفت عنه ثورات الربيع العربي هو تغول الدولة و أجهزتها وغلبت فكرة أمن الدولة والنظام على فكرة أمن الإنسان وحريته، فالإنسان العربي لا زال لم يتحرر بعد من التهديدات الشديدة، و المنتشرة و الممتدة زمنيا التي تتعرض لها حياته وحريته، فالانحراف السياسي للأنظمة السياسية و ابتعادها عن قواعد الحكم الرشيد تشكل دون شك المعوق الأساسي لانطلاق عملية تنمية سليمة .

فالاستبداد السياسي و قمع الحريات الفردية و الجماعية، حال دون إشراك فعلي لغالبية الناس في صياغة السياسات العمومية، التي تتلاءم مع ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . و نتاجا لذلك سادت رؤية أحادية الجانب في مجال التنمية تعبر عن وجهة الحاكم و بطانته، ولما كانت هذه الأنظمة السياسية تابعة و خاضعة لأطراف و مصالح خارجية، فإن سياساتها التنموية اتصفت بحالة اللاستقرار و غياب البعد المحلي في التنمية. بل هناك تعارض شديد بين الاختيارات التنموية و تطلعات الناس ، فالتنمية كانت مجرد أداة لتشويه المجتمعات العربية و قتل روح المقاومة بداخلها ، و حتى مخرجات التنمية الهزيلة التي تم تحقيقها لم تتوافق مع حجم المدخلات التي تم إنفاقها ، ومظاهر ذلك اللامساواة في توزيع الثروة حيث استحوذت الأقلية على أغلبية الناتج المحلي ، كما أن السلع و الخدمات العمومية انحازت بدورها إلى الفئات المستحوذة اقتصاديا و سياسيا كما انحازت للحضر و تم تهميش الريف .

كما أن الاختيارات التنموية على المستوى الاقتصادي لم تراعي طبيعة البنية السكانية و الإمكانيات المتاحة من حيث وفرة أو ندرة رأسمال المحلي أو الأجنبي ، لكن في هذه الجزئية لابد من التأكيد على أن الفساد السياسي و زواج السلطة بالمال ، وغياب الضمانات و الشروط الضرورية لقيام مناخ استثماري صحي شكل عائقا في وجه تحرير معدل النمو ورفع وثيرته ، باعتباره المدخل الأساسي لتوفير فرص الشغل و تحقيق الوفرة المالية التي تمثل دون شك أساسا للإنفاق العمومي على باقي القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والسكن …

لكن الذي ينبغي التأكيد عليه أنه لا مجال لتحقيق تنمية مستدامة وفعلية في ظل مجتمع دولي تسوده المنافسة الشرسة على استقطاب موارد رأس المال و الأدمغة ، إلا بالاعتماد على الداخل وهنا تكمن إشكالية المجتمعات العربية، فالدولة في العالم العربي لازالت تمثل الحاجز الأساسي في وجه تنافسية المجتمعات العربية، بفعل هيمنة الفساد السياسي و الاقتصادي والأخلاقي،و ضعف كفاءة البيروقراطية المحلية و تبعيتها لأجندة النظام والحاكم المستبد بدلا من ولائها للشعب و تطلعاته .

لذلك، فإن ثورات الربيع العربي هي في الأساس ثورات من أجل التنمية و محاربة الإقصاء والظلم الاجتماعي، لكن في قلب هذه الانحرافات التنموية هناك الاستبداد و التسلط الذي أنتج كل هذه النواقص ، فتحقيق التنمية لن يستقيم إلا بتطهير البلدان العربية من كل مظاهر الاستبداد السياسي و بناء دول تقوم على احترام حرية الأفراد والجماعات ، إن الديموقراطية هي خارطة الطريق لمستقبل أفضل للأجيال المقبلة .

فتضحيات الشعوب و التي تتخذ عدة أشكال و على رأسها دفع ضريبة الدم في مواجهة قمع وتسلط أنظمة التخلف، تعتبر بدون شك الوصفة العلاجية الصحيحة لعلاج الاختلالات التنموية التي تعرفها البلدان العربية ، فتمسك الأنظمة بحجج ندرة الموارد المالية والانفجار الديموغرافي هي مبررات واهية يمكن التغلب عليها بسياسات عمومية رشيدة تبتعد عن الوصفات العلاجية التقليدية . ففساد النخب الحاكمة وتحالفها مع ميلشيات الريع الاقتصادي تشكل العائق الأول في وجه التنمية السليمة والمستدامة ،لذلك فان الحرية بمفهومها السياسي و الاقتصادي و الإنساني تمثل ضرورة ملحة ينبغي الحسم فيها . و أظن أن الشعوب العربية أدركت سبب تخلفها و هي اليوم في ساحة أم المعارك ضد طغاة وبغاة الداخل و حلفاءهم في الخارج ..

كما ينبغي التأكيد في هذه المعركة على الدور السلبي الذي لعبته الأنظمة الخليجية في دعم الثورات المضادة و إجهاض الثوارات الشعبية ، فقد و ظفت سيولتها المالية لدعم الانقلاب على الشرعية الانتخابية في مصر و تونس و ليبيا و اليمن و الجزائر و السودان ،و موقف الأنظمة الخليجية هو تعبير عن نواياها المستقبلية تجاه مطالب شعوبها و هو ما لحظناه في حملات القمع التي عرفتها السعودية و الإمارات و البحرين ، فهذه الأنظمة لا تملك إلا رفع شعار الإرهاب في وجه مطالب الشعوب، فهو الشعار الذي يتوحد حوله الطغاة وقراصنة السلطة ، و الواقع أن هذه الأنظمة هي من تمارس الإرهاب بشتى أنواعه …فحكام الخليج يستولون على ثروات بلدانهم و يوظفونها بشكل سلبي ، فبالرغم من ارتفاع مستوى الدخل الفردي نتيجة لعائدات النفط إلا أن الجزء الأهم من هذه العوائد المالية يذهب إلى خزائن الحكام و أسرهم و عشيرتهم الأقربون، في غياب تام للشفافية والمحاسبة ، فهذه المنطقة من العالم لازالت لم تدخل بعد للحداثة بالمفهوم السياسي و الفكري وان كانت دخلتها من الناحية الاستهلاكية والتقنية نتيجة للوفورات المالية التي مكنت هذه الأنظمة من شراء التقنية والتكنولوجيا و شراء الخبرة عبر استقطاب الأجانب مع الحرص الشديد على تأمين ثقافة الانغلاق و التقليد على مستوى المواطن الخليجي ..و حتى لا أطيل عليكم سأرحل هذا النقاش للمقال الموالي إن شاء الله تعالى و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…

إعلامي وأكاديمي متخصص في الإقتصاد الصيني* والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..

المصدر: راي اليوم

 

عن Amal

شاهد أيضاً

تركيا والعلاقة مع الصين وروسيا في ظلّ مجموعة البريكس

15 حزيران 2024 هدي رزق الشراكة بين واشنطن وتركيا أصبحت أقوى من أيّ وقت مضى …