23 حزيران 2023
محمد نادر العمري
ما زالت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتطرفة تصر في إمعانها على اتباع سياسة عنصرية تصعيدية تجاه مواطني المناطق التي تحتلها دون مراعاة لأي قرارات وقوانين دولية في ظل صمت مريب من قبل مايسمى المجتمع الدولي الذي يمارس أبشع صور ازدواجية المعايير في تعاطيه مع قضايا الصراع الدولية، والتي لايمكن مقارنة تعاطيه مع الأزمة الأوكرانية بقضية الصراع العربي الإسرائيلي .
آخر صور التصعيد التطرفي تمثلت بداية بمحاولة اجتياح مخيم جنين في الضفة الغربية وصولاً لسلب الأراضي وممتلكات أهالي الجولان المحتل من خلال نشر التوربينات الهوائية بهدف تهجيرهم من قراهم التي يتمسكون بها، مروراً بإطلاق يد المستوطنين للقيام بأعمل شغب واعتداءات في منطقتي (الحوارة وترمسعيا) بعد تمكن عناصر المقاومة من تحقيق عملية نوعية في مستوطنة “عيلي”.
حكومة نتنياهو المصغرى أو مايعرف بالكبيت عقدت اجتماعاً طارئاً لبحث تداعيات التطورات التي تشهدها منطقتي الضفة الغربية والجولان المحتل، في ظل غياب كل من إيتمار بن غفيروبتسلايل سموتريش اللذان يمارسان ضغوطاًلدفع نتنياهو اتخاذ قرار شن عملية واسعة في الضفة الغربية وإطلاق يد المستوطنين المتطرفين للقيام بأبشع صور الاعتداء والعدوان دون محاسبة.
هذه التطورات المتسارعة والتصعيد المقصود في مناطق الضفة الغربية وقرى الجولان المحتل، لايمكن عزلهاعن بعضها، وهي تنبئ بجملة من التطورات المقبلة تتمثل أبرزها فيـ:
اندلاع انتفاضة ثالثة داخل الضفة الغربية واحتمال توسعها باتجاه قطاع غزة والجولان المحتل في حال استمرار التصعيد العنصري للكيان وحكومته المتطرفة، مما يكرس توحيد الساحات.
تزايد العمليات الفدائية والمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي رداً على الممارسات والإجراءات القمعية لجيش الاحتلال أو المستوطنين.
فرغم ضعف مايمتلكه أهالينا في الجولان المحتل من إمكانات التصدي للغطرسة الصهيونية، إلا أن موقفهم البطولي في قرية مسعدة المحتلة ورفضهم الخضوع والانكسار أمام المسعى الصهيوني لسرقة أراضيهم عبر إقامة التوربينات الهوائية يبرز مدى تمسك شعبنا الصامد في الجولان بهويته وانتمائه، وهو الموقف الذي شهدناه قبل يومين في تصدي أهالي جنين لمحاولة توغل صهيوني داخل جغرافيتها وما تلاها من عملية فدائية بطولية في مستوطني عيلي.
مايقوم به الكيان “الإسرائيلي” من نشر التوربينات الهوائية في قرى الجولان المحتل ليس لتوليد الطاقة الكهربائية كما يدعي، بل هدفه سرقة الاراضي الزراعية التي تشكل مقوم الحياة ومصدر رزق ما تبقى من سوريين في الأراضي المحتلة، وهي سياسية صهيونية تعود لعام 2009 ومن ثم 2011م، عندما صادقـت الحكومـة الإسرائيلية حينها على إنتاج حصة من الكهرباء، من خلال طاقة الرياح، حددتهـا لنفسها بمقدار 800 ميغاوات، لذلك تعد استكمالاً لسياسة فرض الأمر الواقع الذي مالبثت بالظهور خلال الأسبوع الأول من احتلال الجولان وما تلاها من تطورات تمثلت في تدمير ما يزيد عن (131) قرية و (112) مزرعة ومدينتين في الأعوام 1971-197، وإقامة مايزيد عن 45 مستوطنة كان أولها مستوطنة “مروم جولان” ، مروراً بما شهده مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما سعت حكومة تل أبيب من فرض الهوية “الإسرائيلية” على أهالي الجولان الذين رفضوا الانصياع لها وأدى لانفجار مواجهة عارمة في تلك الفترة، بعدها سعت حكومة الاحتلال إلى اشتراط تقديم أوراق ملكية الاراضي والعقارات للدوائر الإسرائيلية بهدف تزوير تلك الوثائق وجعلها ضمن الإدارة الإسرائيلية وهو مارفضه اهالي وقرى الجولان المحتل.
إعلان ترامب الغير قانوني والذي يشكل خرقاً للقرارات الدولية حول سيادة إسرائيل على الجولان المحتل، شكل دافعاً لها للقيام بمزيد من الغطرسة داخل الجولان في ظل انخراط الكيان بدعم الحرب على سورية.
لذلك فأن نشر التوربينات وفي القرى والمناطق التي يتواجد بها اهالي الجولان المحتل، هدفها تهجيرهم من مناطقهم بعد افقادهم موارد رزقهم ومصادرة اراضيهم عوضاً عن إقامة المستوطنات بعد تعرض الكيان للعديد من الضغوط الأوروبية لعدم توسعها في الجولان المحتل وبعض مناطق الضفة الغربية.
هذا التصعيد لحكومة الاحتلال الأكثر فاشية وعنصرية منذ زرع هذا الكيان في المنطقة، سيواجه بردة فعل مؤكدة وبالتالي قد نكون أمام مشهد انتفاضة ومواجهة عارمة بأبسط الإمكانات من الجولان للضفة الغربية، وقد نكون أمام مشهد انتفاضة ثالثة توحد الساحتين الفلسطينية والجولانية في التأكيد على توحيد الجبهات، كما أن هذا التصعيد قد يدفع السوريين والفلسطينيين لاتباع كل أشكال المقاومة الشعبية في التصدي لفاشية الكيان المتزايدة، وقد تسرع من تشكيل مقاومة جولانية بدعم سوري والمحور المقاوم، لذلك فأن الأيام القادمة حبلى بالتطورات الميدانية ولاسيما في ظل خضوع نتنياهو لتلبية رغبات أركان حكومته من اليمين المتطرف، وماخبأته المقاومة في جنين ومخيمها من مفاجئة الردع، وما يسطره شعب اعزل في الجولان المحتل من بطولة في التصدي لهمجية الاحتلال، لن تمر بمرور الكرام ….. ولعل صورة الجنود الاحتلال وهم يسخرون من جيش كيانهم خير دليل على ذلك.
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
رأي اليوم