الرئيسية / الملف السياسي / التطبيع سيقفز خارج الصندوق وعلى مفكري الأمة الاستعداد للتصادم الوجودي!

التطبيع سيقفز خارج الصندوق وعلى مفكري الأمة الاستعداد للتصادم الوجودي!

2 تموز 2023

خالد شحام *

موضوع المقال بعنوان (مقاومة التطبيع في مصر) ، وللحقيقة أن أحد القراء الأفاضل هو موضوع المقال السابق لي طارحا عبارة واحدة: لماذا لا تعلق؟ قد أكتبت في هذا المقال.

السيد فؤاد البطاينة لمن يعرفه كاتب أردني سياسي يطل علينا بين الحين والآخر في الصحيفة ، ولمن لا يعرفه كاتب عربي قفز منذ مدة طويلة فوق الأسوار المفصلة للعرب من منازلنا والعقائد والفئات ونذر نفسه لقضايا هذه الأمة وتحول إلى جسم فكري ، وجداني متألم وإحساس عال بالمثل عدد كبير من كتاب هذه الصحيفة.

بعد قراءة متأنية للمقالة يمكن لأي منكم التوصل إلى جملة حقائق أساسية بسيطة لا تتعلق بالمحتوى فحسب بل بالكاتب ثانيا والتعليقات ثالثا ، فيما يتعلق بالكاتب فقد أصبح واضحا لجمهور القراء من هو الكاتب الذي نبحث عنه وما نوعية الخصائص التي تتطلبها المرحلة وفي الليالي االظلماء تفتقد النجوم ولهذا السبب تحظى الصحيفة بمتابعة ومشاركة النخبة وعلى رأس ذلك عميد الصحافة الشريفة أستاذنا عبد الباري عطوان ، وفيما يتعلق بالتعليقات وانطباعات القراء فكما هو الحال عادة مع أية صحيفة ورقية أو الكترونية ستجدون فئات متنوعة ليس فقط من الكتاب بل من القراء والمعلقين وما ينطبق على فئة ينطبق على الآخرى ، وكما هو معروف لدينا فئة كتاب أو معلقين ذهبية وفضية ومنا دون ذلك وكنا طرائق قِددا ، لدينا فئة أخرى تستحضر مقالاتها من الفريزر ثم تضعها في الميكروويف وبعد دقائق تقدمها للقارىء ، لدينا كُتّاب 70% عربي و30% انجليزي او فرنسي أو روسي أو تركي أو ايراني ، لدينا كُتاب لهم ألسنة بثلاث عشرة شعبة قادرة على التكيف مع أية وضعية تتمثل مهمتهم في صناعة التضليل ، لدينا كُتاب متنكرون في شكل صحافي لكنهم في الأصل موظفون رسميون موكولون بمهام ذات تقارير يومية ، لدينا فئة تستطيع إغواء إبليس بنفسه ، لدينا كتاب يبيعون المعجنات والشيش طاووق وكذلك حقوق الملكية الفكرية بالفريكة ، لدينا كتاب أبرياء وآخرون متعاقدون مع الشيطان وآخرون وكلاء عنه ، لدينا كتاب مهتمهم التفريق وآخرون هدفهم التجميع وآخرون متخصصون في النبش في القمامة، لدينا كتاب بذكاء صناعي وآخرون بغباء طبيعي، لدينا كائنات قارئة أو كاتبة أو معلقة بحجم البعوض وأخرى بحجم الدبور وثالثة بحجم البكتيريا ولدينا معلقون عبارة عن درونز يمكن برمجته وتوجيهه للفعل المركز، كل شيء تتم قراءته وتحليله وكما أن هنالك طاقم من الصحيفة للإعداد والتحرير فلدينا من خلفهم ومن بين أيديهم ومن بعدهم أجهزة كاملة تحلل وتصنف وتشخص أدق التفاصيل ولا شك أن المهمة شاقة وعسيرة وكثيرة الحدود والجدران، إنها متاهة كاملة وطبعا وكما هي العادة وحتى لا يتم استئجار وتفعيل قوات (فاجنر ) الرقمية ضدي أو ضد الصحيفة فإنني اعلن براءتي من الغمز أو الإشارة لأي طرف أو جهة فنحن نكتب في هامش من الوعي والاحترام الجمعي.

وسط هذه المتاهة التي تلف القارىء لا يمكن للبوصلة الصحيحة أن تضل أو تنحرف خاصة في المواضيع المصيرية ولا يمكن تمرير الزيف على أنه حرية رأي ولا يمكن تمرير الأقنعة على أنها الحقيقة وعلى السادة القراء التفكير جيدا بكل الكلام السابق لأن ذلك هو من يقرر ماذا تزرع وماذا تقلع في وعيك ، وكان الصحافيون أكثر شيء جدلا !

وفيما يتعلق بالمحتوى والسياق الذي تفضل الدكتور فؤاد بتقديمه اسمحوا لي بالنقاط الاتية :

1-السؤال الأولي الذي يطرح نفسه حول هذه الظاهرة : من هو الذي يفترض أن يحدث التطبيع معه وتكييف الشعوب لكي تتقبله في نهاية المطاف ؟ هل هو ذلك المستوطن الذي أظهرته شاشات الأخبار طيلة الأسابيع الماضية في نابلس وجنين والقرى والمدن الفلسطينية وهو يحرق ويقتل ويسب النبي محمد وكل العرب وينادي بالإعدام الميداني ؟ هل هو هذا الذي يحمل رشاشا ومسدسا وبلطة وسكينا وجالون بنزين ولا يعرف سوى التخريب والقتل والابادة ؟ إذا كان هذا الكائن هو المعني في نهاية المطاف بالتطبيع فلماذا لا تجرب مثلا الدول الغربية وأمريكيا راعية التطبيع بنفسها أن تستضيفه وتحتويه وتطبع معه كما تشاء ؟ لماذا يتوجب على شعوب العرب أن تتقبل القاتل والمغتصب والمحتل ومحرك الشر ويصبح جارا وشريكا ويتم منحه صك الغفران لكل الجرائم التاريخية بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ؟ لماذا يريد السيد بلينكن فرض هذا النموذج على بلادنا بالخاوة ؟

2-إذا كانت الغاية من التطبيع كما يشاع تتمثل في خلق حالة من التقبل الناعم لدولة الكيان ودمجه جيدا في المحيط العربي والقلب العربي فألا يتطلب ذلك وجود نوع من حسن النوايا المتبادل الواضح جدا ؟ أين أرضنا المغتصبة وحقوقنا المسروقة ؟ دعونا ننسى رأينا قليلا ولنذهب إلى الطرف الاخر فلو تم عمل استفتاء بينهم فهل سيقبلون بالتطبيع معنا ومع الحكومات العربية ؟ إن الغاية من التطبيع وبعكس ما يتم ترويجها على أنها لوز وعسل وسلام دائم ليست إلا أداة هيمنة وسطوة وابتلاع أميبي ، إن الذي يحتل الأرض ويقتل مواطنيها ويستورد حقوقهم المعيشية لا يمكن أن تكون له نوايا حسنة على الإطلاق مع الذين يرغب في التطبيع معهم ، إن التطبيع لا يختلف عن الربا السياسي الذي لن تتوقف عن دفع ثمن فوائده الى الابد .

3-إن ظاهرة التطبيع لم تخلق من فراغ ولم تأت فجأة من العدم بل سبقتها وتعمل بموازاتها أربعة برامج أساسية تحضيرية تسللت كالماء داخل الشعوب العربية واشتغلت طيلة سنوات بصمت ، البرنامج الأول هو برنامج الفساد والإفساد بمفهومه المتكامل ، وإن كان الفساد ظاهرة عالمية في زمن العولمة فهو بالتأكيد فيروس مصنع ومدسوس في الوجبة الغذائية العربية لخلق الأرضية المؤهلة لأية مشاريع تالية ، إن برنامج الفساد هدفه الأساسي إلغاء وإقصاء الشرفاء من الواجهة وخلق حالة عامة من الضعف الداخلي وتعقيم الشعوب عن توليد أي منحى مضاد ، البرنامج الثاني هو برنامج الترفيه وصناعة التسلية في الوسط العربي الذي تحول الى مدخل التحوير الايديولوجي وخاصة ضد تعاليم ونهج الإسلام الذي منح الأمة الحصانة طيلة قرون ووقف كحائط صد ضد مشاريع التطبيع ، البرنامج الثالث هو برنامج الإفقار والإفلاس الاقتصادي ونقل محاور الحياة إلى معارك ثانوية عنوانها لقمة العيش وليس عدو الأمة ، البرنامج الرابع هو فرض الانحلال الجنسي والمثلية ، إن التطبيع وفقا لهذه النظرية لا يمكن أن يحدث دون إضعاف وتوهين الشعوب ووضعها تحت الأمر الراهن قسرا واستسلاما ثم في مرحلة تالية إظهار التطبيع على أنه المنجي والمخلص.

4- إن خط الصد الأساسي لظاهرة التطبيع هو الشعوب العربية بثقافتها ووعيها لكن هذه تم تجاوزها من خلال ميكانيزميات سيكولوجية ذات أعمار تأثير مطولة لضمان خلق أجيال جديدة في حالة تحلل وهروب من التزامات الاجيال الاقدم منها وأقل شعورا بمسؤولياتها التاريخية ، الميكانيزميات المتبعة يمكن دراستها بسهولة في عينات من الدول العربية لنرى كيف تم نقل المواطن من قضايا محورية جذرية لها القدرة على تحسين مساره مثل الانتخاب الحر والديموقراطية وحقوق المواطنة والتركيز على التعليم الاخلاقي والمنتج الى قضايا ثانوية تتمتع بخاصية الإغراق مثل النعم المزيفة والفتح المطلق لشبكات الانترنت وتقنيات شبكات الاتصال ووضع أداوت تواصل دمرت النسيج الديني والمحافظ في المجتمعات العربية ونقلتها من حيث لا أحد يدري الى تغريب غير مسبوق في التاريخ العربي ، إن تهميش الشعوب من المعركة وضع الطبقة المثقفة في عين العاصفة ونقل اليها ملف المواجهة واصبحت محاصرة بين فكي ملزمتين من المضايقة والمحاصرة والاتهام بشتى اصناف التهم المعلبة لكل شيء والمفصلة خصيصا لتأليب الجماهير على أي مثقف أو مفكر عربي يحاول بعث الروح او ممارسة فعلة الايقاظ للشعوب النائمة.

5-إن التطبيع لا يفنى ولا يستحدث ولكنه يتحول من شكل الى أخر ، والتطبيع كفعل موجه لا يكفي لوحده لخلق القاعدة المتقبلة له ولا يمكنه السير في وادي الموت لوحده لأنه كائن ضعيف مخلق له جينات لا تحتمل البيئة العربية المؤدلجة ضده ، هنالك معززات فيتامينية تعمل بنفس التوقيت للعمل على تغذيته وتقوية عوده ومنحه صفة المنقذ والخيارالوحيد للشعوب والدول ، الحرب المفتعلة في السودان – تفجير ميناء بيروت وسرقة اموال الناس في لبنان ومروادتهم عن لقمة العيش – تحطيم وتأزيم اركان المقاومة الفلسطينية وحصارها وعزلها عالميا وعربيا وحتى شعبيا بتجفيف المؤازرة الشعبية – افتعال وتضخيم الشقاق بين الجزائر والمغرب – تسخير العداء مع ايران كذريعة لتقبل الطرف الآخر -وصدقوا أو لا تصدقوا فالتحرش بالقرآن الكريم في السويد والدوس عليه وعلى كرامة كل هذه الأمة لا يصب إلا في هذا المنحى لأن الأيدي الصهيونية هي التي تقف وراء هذا الأمر قولا واحدا والحبل على الجرار .

6-إن التطبيع ينتقل من مرحلة القوة الناعمة والحضور الناعم نحو المرحلة التالية التي ستفضي الى جعله حلالا سياسيا مدفوع الأجر ثم ليتحول إلى الفرض والموضة السياسية الجديدة في بلاد العرب ، إن التطبيع يقفز خارج الصندوق بالدفع الأمريكي ليكون متوحشا ، مسمى الارهابيين الجدد سيطلق على تلك الفئة التي سترفض نهج التطبيع والتي سوف تٌحاصَر وتُطارد ، إنه مثل ظاهرة المثلية والسير بها نحو الفرض والاقحام وكلا الظاهرتين ترتبطان ارتباطا وثيقا ببعضهما بمعية ظواهر اخرى ، يفترض في الفترة القادمة أن تصبح الأمور أكثر حدة وصعوبة في انتقاد التطبيع أو الوقوف في الصف المضاد له ، إن هذا المنطق الذي نتوقع قدومه يؤكد الفكرة المبيتة والتي يؤمن البعض بها خطأ بأن هدف التطبيع هو تقبل وجود أعداء الأمة بين صفوفها وشعوبها ، لكن الحقيقة ليست كذلك ، إن التطبيع هو تمهيد الابتلاع والاستيلاء والسيطرة وليس غير.

مقابل ذلك كيف نقرأ مصير هذه الظاهرة ؟

1-إن الصعود الحضاري يتحرك شرقا ولم يعد غربي الهوى، الصعود الذي نتكلم عنه هو صعود اقتصادي -علمي – أخلاقي متمدد يتضخم رغما عن كل انوف الراكعين والمنساقين خلف الفلك الامريكي – أما الغرب فنحن أمام معالم الأفول الأكبر وسيكون العامل الأخلاقي هو بذرة الفناء الأساسية والتآكل الداخلي والذي يتضخم كل يوم من خلال الدفع نحو الجنون الجنسي ومحاربة الله على المكشوف وبلا حياء ولا خجل من أنفسهم ولا من الكنيسة التي لفظوها بعيدا، إن التطبيع كمولود مسخ مرتبط جسديا وروحيا بالغرب وبذبوله لن يقوى على الوقوف لفترة طويلة ، نحن اليوم معنيون جدا بالسير مع هذا الصعود للنجم الروسي والصيني سواءا كرهنا أم أحبننا ، يكفي موقف الرئيس الروسي من حرق القرآن الكريم لنفهم هذه الرسالة بالتحديد .

2-إن التطبييع المفروض بالاساليب القسرية على الشعوب والدول يشبه إقامة بناية حديثة أنيقة وعصرية من الزجاج تتمتع بصلابة وبذات الوقت هشاشة كبيرة وضعف بنيوي مبيت وتلقائي ، إنه تخزين لطاقة وضع وجدانية – تذخيرية لا يمكن لها إلا أن تنفجر في التوقيت الدي يحدث فيه تشقق جدران القوة الماسكة أو لحظة غفلة منها، إن التاريخ يثبت أن الشعوب لا تنسى ولا تسامح ولا تغفر مهما طال الزمان والحق يبقى حقا ومشروعا مهما تم الاحتيال عليه بالماكياج والتلفيق والتحوير، تكفي قراءة تعليقات القراء في مقالة السيد فؤاد لنفهم حجم الروح الصادقة الحية في وجدان هذه الأمة ووعيها الحقيقي ولو في نطاق ضيق.

3-لقد أشار السيد فؤاد في نهاية مقالته إلى مكمن القوة الأساسي الذي سينهي هذا السيل الجارف والمتمثل في مقاومة شباب فلسطين وفشل مشروع التقسيم في سوريا وحتى في العراق والسودان قادما ، شباب فلسطين الذي يمارس مركزية المقاومة العربية بدمائه ليس لأجل حزب أو جماعة أو تنظيم بل لأجل الحرية والكرامة العربية بأكملها ، إن فلسطين التاريخية هي التي ستوقف كل هذه المؤامرات وستكون القدس رمزيتها القصوى الجامعة لكل العرب .

4-إن محاور الهجمة على الأمة ليست بمعزل عن بعضها البعض ، ومحاور الانتصار المعنوي والمادي أيضا ليست بمعزل عن بعضها البعض ، اوقفوا التطبيع وقاوموا هذا السيل الجارف وسوف تجدون أن الهجمة على القرآن وشتم النبي ستنكمش إلى التلاشي ، اوقفوا التطبيع وستجدون بأن إقحام المثلية وفرض الإنحلال على الأمة لن يجد سبيله ولا طريقه ولن يتجرأوا على طرحه ، أوقفوا التطبيع وستجدون أن الأمة ستتنفس وترفع رأسها وتنافس وتحتل موقعها الحقيقي من التاريخ والانتاج والبطولة .

* كاتب عربي فلسطيني

رأي اليوم

عن Admin

شاهد أيضاً

إسرائيل اليوم بحاجة إلى معجزة .. والى دفرسوار وسادات وملك حسين .. وكيسنجر*

21 تشرين الثاني 2023 نارام سرجون . اسرائيل في محنة كبيرة .. وهي تواجه أصعب …