10 تموز 2023
إن استضافة مهرجان سينمائي في القدس، التي تشهد أشكالاً متعددة من الاضطهاد، يحمل بين جذوعه النَفَس الحي. إنه فعل يجسد إيماناً بحقوق الناس في الحياة وفي الفرح كي لا يقتصر فقط على الأحداث العابرة. ينتصر المهرجان كل عام على المحتلّين، جاعلاً من العدسة والشاشة بوابةً جديدة تُضاف إلى أبواب القدس، ليكون الباب الجديد مدخلاً لكل من أراد أن يبقى، ولو بفنّه. عمل القائمون على المهرجان طوال السنوات الثلاث الماضية، رغم ما تشهده المدينة من تضييقات، وخصوصاً في القطاع الثقافي الذي يتضّرر بشكل مستمر ومباشر كأنّ الكلمة والصورة والفيلم تتحوّل إلى طلقة وسيف ونشيد ثورة. ويجدد المهرجان كسائره في المدينة، النفَس المتحدّي بعدم حرمان مدينة القدس، أعرق المدن العربية وأقدسها في العالم، من الثقافة والتواصل مع جذورها العربية. المدينة التي لطالما كانت موطناً ووجهة ومنبراً للعالم العربي أجمع، ففعاليات المهرجان تقام في المسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي»، بالإضافة إلى «مركز يبوس الثقافي»… منارتان ثقافيتان في المدينة، كيف لا و«يبوس» كان المقر الأساسي لسينما «القدس» الشهيرة التي عرضت العشرات من الأفلام العربية والعالمية في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وعانت الأمرين في أعقاب الانتفاضات الفلسطينية. كأنها دائرة، تعود من القدس وإلى القدس، عابرةً بوابة الزمن ومختلف الدول العربية
اللافت في المهرجان هو تفاعله بكامل مستوياته مع الجمهور، فلا تقتصر الرحلة على أن يكون للقدس عنوان للسينما كزميلاتها من المدن، بل يطرح المهرجان عدداً من ورشات العمل التي تستهدف صنّاع الأفلام من جيل الشباب. وكما العادة، يوفّر العروض كلّها بشكل مجاني تماماً. أما الفئات الأكثر تهميشاً والقرى الأكثر حرماناً في محيط مدينة القدس، فستُتاح لها فرصة التعرّف إلى الإنتاجات العربية عامة والفلسطينية خاصة، عبر جولة مطوّلة من العروض. كفلسطينيين، هذا الكسر الثقافي لصمت الشوارع وضيق الحصار بعروض أفلام عربية فيها بتمويل ودعم فلسطيني وعربي، يُعيد الحياة إلى جمهور السينما.
تعود العدسة لتصوّب على القدس، لكنها ليست عدسة كاميرا الأخبار: إنّها عدسة التوق للحياة وللفن والأصالة العربية. لعل الإيمان بالفكرة وتفعيل العمل بها، يأتيان من جوهر القدس، هذه المدينة الصامدة التي تفتح أبوابها أمام الجميع على أمل أن تتمكن من أن تحويهم كلّهم، يوماً ما على أرضها. كأننا بها تقول: إن لم نتمكن من أن نصلكم وأن تصلونا، نحملكم بقلوبنا، وبين مشاهد أفلامكم التي تعطينا أملاً بأن الخيال أيضاً مساحة للتحرر.