11تموز 2023
احمد الشريف
ونحن نعيش الذكرى التاسعة والعشرين للحرب المشؤومة التي اندلعت في صيف عام 1994م وانتهت في مثل هذه الأيام من شهر يوليو من نفس العام لابد أن نشير إلى أن مشاكل اليمن لا يمكن أن تحل جذرياً ما لم نقف على أسبابها أولاً
ومن ثم نعمل على معالجتها ولو بالحد الأدنى أما إذا ظللنا نتعامل مع نتائج كل مشكلة بالوقوف طويلا أمامها دون معالجة فإننا بذلك نمهد لخلق المزيد من المشاكل والقضايا المعقدة ، لكن لو امتلكنا الشجاعة وأسمينا الأشياء بمسمياتها دون مجاملة أو تحرج وحددنا المتسبب لاستطعنا أن نرسم طريق المستقبل ونشقه بخطى واثقة لا نخشى خلال السير فيه من وجود أي عثرات مهما كانت بشرط أن يتم التركيز على بناء الإنسان أولا، فمنذ انتهاء الحرب في 7 يوليو عام 1994م التي أجمعت كل الأطراف السياسية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية بأنها كانت السبب المباشر لما وصلت إليه الأوضاع فيما بعد من تردي وتشظي وغياب ثقة حتى بين أفراد الأسرة الواحدة ولذلك فإننا سنقف قليلاً عندها باعتبار أنها أم المشاكل وأم القضايا وما حدث بعدها من مشاكل ليست إلا تفرعات منها وبحيث نستعيد ذكرى تلك الحرب المشؤومة التي ما تزال تداعياتها تلقي بظلالها على وضع الوحدة اليمنية وكيف استغلها طرف ليجعل منها حجة لتحقيق أهدافه وصولاً إلى الإنفراد بالسلطة والتخلص من شركائه في العملية السياسية .
يومها كان أكثر ما يخيف الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح هو أن يُصر نائبه في مجلس الرئاسة علي سالم البيض على تنفيذ بنود وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في عَمان برعاية جلالة الملك حسين بن طلال – رحمه الله – ومشاركة مختلف القوى السياسية ويجعل منها شعاراً مرفوعاً أثناء الحرب وهو ما جعل الأيام الأولى من الحرب تشهد ارتباكاً واضحاً وكان الرئيس الأسبق يخشى من تدخل وساطات إقليمية ودولية تفرض عليه الوفاء بالوعد الذي قدمه للملك حسين بتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق حيث قال له بالحرف الواحد عقب التوقيع عليها مباشرة : نعدك وعد الرجال بتنفيذ الوثيقة وعليه فقد بذلت جهود كبيرة خلال هذه الفترة لإيقاف الحرب وصولاً إلى حل يرضى به الطرفان الشريكان في إعادة تحقيق الوحدة : ( المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني ) وحلفاؤهما ومن ضمن الحلول التي كانت تطرح : العودة إلى وثيقة العهد والاتفاق والعمل على تنفيذ بنودها لكن مراهنات علي سالم البيض حينها على الخارج جعلته يُصر على مواصلة الحرب في ظل حسابات خاطئة دفعت به إلى إعلان الانفصال في 21 مايو 1994م حيث صدق نصيحة الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك الذي قال له : أعلن الانفصال بحيث يتم الاعتراف بك كرئيس دولة أما لو استمررت تحارب تحت راية الوحدة فسيقولون عنك أنك متمرد على الشرعية وبذلك قدم فرصة على طبق من ذهب لشريكه في إعادة تحقيق الوحدة الرئيس الأسبق ليدغدغ من خلالها عواطف أبناء الشعب اليمني ، وليستغلها جيداً حيث جعل منها ما أسماه بحصان الشرعية دفاعاً عن الوحدة إضافة إلى أنه في نفس يوم إعلان الانفصال سقطت محافظتا أبين وشبوة دون قتال وانضمت ألوية عسكرية للقتال مع الطرف الذي كان يرفع شعار الدفاع عن الوحدة كردّ فعل سريع على إعلان الانفصال وبدون أن يشعر علي سالم البيض وجد أن إعلانه الانفصالي كان أكبر خطأ يرتكبه في حياته الكفاحية والسياسية شوه تاريخه النضالي من خلاله وتسبب بذلك في القضاء على الجيش الجنوبي سابقاً الذي كان يُعد إلى ما قبل أحداث 13 يناير المؤسفة عام 1986م من اقوى الجيوش في المنطقة تسليحاً وتدريبا وشجاعة وربما أن الهدف الأساس من حرب صيف 1994م هو القضاء عليه وتفكيكه والتخلص من عناصره وهذا ما حدث بالفعل بعد انتهاء الحرب بدليل أنه تم تسريح الضباط والجنود قسراً وإبعادهم من وظائفهم ولم يتبق منهم إلا من كان موالياً وموافقاً على النظام الفردي الذي أنتجته الحرب بصلاحيات مطلقة وقد تغيرت تركيبة الجيش بعد ذلك من جيش وطني يدافع عن الوطن وسيادته واستقلاله وحماية مكاسبه المتحققة إلى جيش لحماية النظام والأسرة الحاكمة ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يخدم فيها علي سالم البيض شريكه علي عبدالله صالح لينقض عليه ويخرجه من معادلة الحكم فقد سبق أن قدم له في الثلاث السنوات الأولى من عمر دولة الوحدة خدمات كبيرة مهدت له الطريق حتى يستطيع العمل للانفراد بالحكم وذلك من خلال اعتكافاته المتكررة التي كان يجد فيها الرئيس الأسبق متنفساً لاستعادة الصلاحيات التي حرمه منها دستور دولة الوحدة أما لو بقي علي البيض يمارس صلاحياته الدستورية كنائب لرئيس مجلس الرئاسة متجاوزاً الضغوطات التي كانت تمارس عليه لتطفيشه ومتغلبا عليها لاسيما بعد أن أصبح يشكل للرئيس السابق شوكة في حلقه لكان قد جنب اليمن ما وصلت إليه من أوضاع صعبة ولما قامت الحرب أصلاً عام 1994م وعليه فإن علي سالم البيض يتحمل المسؤولية مع شريكه علي عبدالله صالح ويفترض أن يقدمهما الشعب اليمني للمحاكمة في الشمال والجنوب جراء ما اقترفاه في حقه من جرائم لا تسقط بالتقادم مست كافة نواحي حياته السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية والتنموية والخدمية وإجمالاً نقول بثقة : أن حال اليمن لن يستقيم ولن يتحقق له إحداث أي تغيير حقيقي ما لم يكن هناك قصاص عادل من منظومة النظام الذي جاءت به وحدة 22 مايو عام 1990م واجتثاث هذه المنظومة من السلطة نهائيا ليتمكن الشعب اليمني من بناء دولة مدنية ديمقراطية مؤسسية حديثة تجسد التغيير الحقيقي الذي ناضل من أجله الشعب اليمني ومازال يناضل حتى اليوم وبدون ذلك القصاص والاجتثاث فإننا في هذا الوطن ذاهبون إلى مجهول لا أحد يدري منتهاه لاسيما إن مشكلة اليمن بالدرجة الأولى إدارية قبل أن تكون سياسية واقتصادية وتحالف العدوان على اليمن مصر على استمرار عدوانه البربري الذي لم يتوقف مُنذ تسعة أعوام بهدف إشغال اليمنيين عن التفرغ لبناء دولتهم الوطنية الحديثة المستقلة بقرارها السيادي وغير الخاضعة لتبعية الخارج كما كان عليه الحال في العقود الماضية.