12 تموز 2023
منذر عيد*
في علم العسكرة، تعتبر عملية إزالة الألغام، وردم الخنادق على خطوط التماس مع الطرف الآخر الخصم أو العدو، دليل على قرب نية المبادر بذاك الفعل، شن عملية عسكرية على الطرف الآخر، هذا الأمر يؤكد ما تقوم به قوات الاحتلال الأميركي وميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» من تحركات عسكرية وتحشيد على خطوط التماس مع الجيش العربي السوري في ريف دير الزور، وهو ليس إلا إعلان نيات عن شن عدوان على المناطق التي تسيطر عليها قوات الجيش في ريف المحافظة.
ما حقيقة ما يجري، ولماذا تقوم به الولايات المتحدة في هذا التوقيت، وما الهدف من وراء ذلك؟
في المطلق فإن قوات الاحتلال الأميركي ومنذ دخولها الأراضي السورية محتلة تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وارتضاء ميليشيات «قسد» أن تكون جسر عبور ومطية لها، عملت وتعمل جاهدة على بسط سيطرتها على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية، وخاصة تلك التي تضم منابع الغاز والنفط، وتشكل مصدر غذاء للدولة السورية، بهدف إحكام الخناق عليها اقتصادياً ودفعها باتجاه تقديم التنازلات، والرضوخ لشروطها التي تصب في نهاية المطاف في مصلحة الكيان الإسرائيلي، وسلخها عن محيطها العربي والإسلامي، بعيداً عن دول محور المقاومة.
الهدف الأساس اقتصادي، ولتحقيق ذلك لابد لقوات الاحتلال الأميركي من إغلاق ضلع المربع الوحيد المفتوح على الجوار وهو الحدود مع العراق، ومن هنا فإن «عبور» قوات الاحتلال مع «قسد» من ضفة الفرات الشرقية إلى الضفة الغربية والسيطرة على الميادين والبوكمال يكمل الطوق على الداخل السوري، ويمكّن الاحتلال من إنشاء منطقة متصلة واحدة من قاعدته غير الشرعية في التنف مع مناطق سيطرة «قسد» شرق الفرات وصولاً إلى الرقة، ليتصل مع الشريط الشمالي لسورية الذي يحتلها التركي والفصائل المسلحة الموالية له وصولاً إلى عفرين.
نكران الحقيقة لا يلغيها، وما تنطحت به ميليشيات «قسد» في الآونة الأخيرة، وتحولها إلى لسان للمحتل الأميركي الكاذب وقولها إن «إرسال تحشيدات عسكرية إلى مناطق التماس مع مناطق سيطرة الحكومة السوريّة في ريف دير الزور الشمالي، غير مرتبطة بأي تحرك ضد الجيش السوري والدولة السورية، وإنما ارتبطت بأهداف متعلقة بضبط الأوضاع الأمنية في عموم مناطق سيطرتها، لا يعكس الحقيقة وما تؤكده مفردات الواقع، وهو ما أكده حديث سكان تلك المناطق في قراءتهم لحقيقة ما يجري، حيث نقل مصدر عشائري أول من أمس عن بعض السكان هناك أن هدف الاحتلال و«قسد» من هذا التحشيد، هو «العبور» إلى مناطق سيطرة الجيش وحلفائه في شرق دير الزور والتي تعد أبرزها مدينتي الميادين والبوكمال، الأمر الذي يؤكده المصدر ذاته بشكل غير مباشر بحديثه عن قيام الاحتلال الأميركي بجلب خبراء وهم يعملون منذ عدة أيام على تطوير المعابر النهرية المقابلة لمدينتي الميادين والشحيل اللتين يسيطر عليهما الجيش العربي السوري، وذلك مع انتشار الأرتال التي استقدمها الأميركي على امتداد ريف دير الزور الشرقي، الممتدّ من مركدة في ريف الحسكة الجنوبي، مروراً بمشارف نهر الفرات، وصولاً إلى الباغوز المقابلة لمدينة البوكمال في أقصى الحدود السورية – العراقية.
التحرك الأميركي في الميدان هو سطر في كتاب كبير عنوانه: «الحل في سورية ممنوع»، حيث كشفت العديد من الوثائق الدبلوماسية سعي أميركا المحموم إلى عرقلة عملية التطبيع العربي مع سورية، والحيلولة دون انفتاح الأبواب المغلقة بين دمشق وأنقرة، لتؤكد تلك الوثائق أيضاً فشل المساعي العربية حتى الآن في إقناع واشنطن بالانتقال إلى مرحلة واقعيّة ترتكز على سياسة «الخطوة مقابل خطوة»، بل إن الإدارة الأميركية تذهب اتجاه الضغط على العرب لعدم الذهاب نحو دمشق إلى أكثر من التصريحات في العموميات السياسية والتأكيد فقط على ضرورة الحل والسيادة السورية ووحدة أراضيها؟!
*كاتب سوري
المصدر:الوطن السورية