الدكتور السفير جواد الهنداوي*

يخطأ مَنْ يعتقد بأنَّ حرق المصحف الكريم وحرق راية البلد العظيم في تأريخه و تراثه و عطاءه الانساني الزاخر، هي ارادة ” سلوان موميكا ” اسم الشخص، الذي أقدمَ على حرق الكتاب المقدس والرمز الوطني لدولة، تنهضُ تواً ومن جديد،  منتصرة على الارهاب،  وعلى التحديات،  وتحاول (و اقصد دولة العراق )،  الخروج من شرنقة الازمات .

 الاحداث و الظواهر التي تحدثُ في العراق و في المنطقة، او التي تستهدف العراق و المنطقة، برموزها الوطنية او بمقدساتها،  لا تُولَدْ من رحم الصدفة ! لكل حدث او ظاهرة اسلاك مرتبطة بمولّدات تضّخُ وقود الفتنة و التفرقة،  وديناميت اسقاط وتدمير المقدسات و المعتقدات ورموز السيادة والوحدة الوطنية .

مَنْ، حسب ما تعتقدون،  له المصلحة في اسقاط و تدمير المقدسات و المعتقدات والثوابت الاخلاقية و القيميّة للمسلمين والعرب 

مَنْ،  برأيكم، له المصلحة،  باستهداف رمز العراق و سيادة العراق و وحدته الوطنية ؟

مَنْ هولاء الذين ينتظرون الفرص لعرقلة مسيرة العراق الوعِرة نحو النهوض و حّلْ الازمات ؟

كثيرون هم مَنْ خلف ما حدثَ و يحدثْ،  كبار وصغار،  في الخارج وفي الداخل . وهل تحرّرَ العراق من الجهل و العصابات والعملاء،  والذين يمتعضون من عراق ذو سيادة وذو قرار وذو مكانة دولية مرموقة .

لماذا القرآن و العراق ونحن قد مررنا ( عيد الاضحى )،  ونحنُ

على اعتاب ايام و مناسبات دينية مقدّسة ؟ لماذا القرآن و العراق ونحن على اعتاب نهضة استثمارية و انفتاح دبلوماسي وتوقيع عقود استثمارية ضخمة و واعدة،  ونحن في اجواء وعي وطني بحقوق العراق في مياهه وفي وحدة اراضيه،  وفي حقولهِ النفطية المشتركة ؟

للاسف،  اتوقّعُ تكرار ممارسة الاعتداء على قدسيّة القرآن الكريم، كي تصبح هذه الممارسة أداء مُبتذل و موضة جديدة،  والهدف هو اسقاط وتدمير حرمة ومكانة وتأثير الكتاب المقدس على الوعي الجمعي للعرب وللمسلمين . مَنْ مِنّا كان يتوقع ان يتم حرق القرآن الكريم وبحماية دولية ؟ مِنْ مِنّا كان يتوقع أن يُحرق كتاب الله عزّ و جلْ،  وتحت شعار حقوق الانسان و حرية التعبير ؟

لنعود بذاكرتنا الى الماضي القريب في احداثهِ و وقائعه،

سنجدُ جواباً لتساؤلاتنا، لماذا القرآن و العراق ؟ ونأخذُ الحيطة والحذر ازاء اجراءاتنا كدولة و ازاء ردود افعالنا كشعب .

كان توريط العراق في حربهِ مع ايران وفي احتلاله الكويت،  ثّمَ احتلال العراق و حصاره ونهب ثرواته وتدمير بنيتّه التحتيّه مدخلاً للتعامل مع العرب، والمنطقة وفق الظواهر السلبية التالية : الارهاب،  الشرق الاوسط الكبير،  تصفية القضيّة الفلسطينية ؛ حصار،  احتلال . و انقسمَ العرب وكذلك دول اقليمية اسلامية،  ازاء هذه الظواهر المُبرمجة و المفتعلة،  بين ممول و داعم وبذرائع مختلفة وبين ضحيّة و مقاوم،  وفي مقدمتهم كان ايضاً العراق !

حتى تروم قوى الشّر والدمار بأنْ يدّبُ الداء و السّراء في جسم العرب والمنطقة،  تبدأ قوى الشّر و الدمار بالعراق،  مثلما بدأَ الارهاب في العراق و انتشر .

 فشلوا في سلاح الارهاب،  و استبدلوه بالقوى الناعمة،  والتي تنشط و تؤدي اثرها باستخدام حقوق الانسان و حرية التعبير و الديمقراطية، للمرور من خلالها و بواسطتها نحو اسقاط المقدسّات و المُحرّمات، وها نحنُ الآن في بداية المحطات في طريق طويل ( محطة نشر الديمقراطية، محطة فرض المثلية،  محطة حرق القرآن و المقدسات ) .

انتصرنا على سلاح الارهاب بسلاح المقاومة،  ودعونا ننتصر على قوى الشّر و الدمار وسلاحهم الناعم بسلاح المقاومة الناعم ايضاً،  بالتنديد و بالاستنكار،  وبوسائل دبلوماسية وفقاً للقوانين و الاتفاقيات الدبلوماسية المعمول بها .

دعونا نبرهّن للعالم ديمقراطية نظامنا السياسي و أخلاقنا الاسلامية وسلوكنا الحضاري وجذور هذا السلوك .لطالما افتخرنا بحضارتنا و بتاريخنا الحضاري و بأخلاقنا الاسلامية، لنبرّهن للعالم اليوم ذلك، ونصمد ونصبر امام استدراجات قوى الشّر و الدمار، والتي تستهدف سيادتنا ونهضتنا وتنميّة العراق وعلاقاته الدولية و الدبلوماسية .

 قوى الشّر والدمار تريد استدراج العراق، مرّة اخرى، نحو الفوضى، ولهم في ذلك مصالح و غايات سياسيّة،  وفي مقدمة قوى الشّر و الدمار اسرائيل،  ولا تستبعدوا علاقة بين جريمة ” سلوان موميكا ” و أختفاء ” أليزابيث تسوروكوف “في العراق، و مطالبة اسرائيل السلطات العراقية بالمسؤولية للحفاظ على حياتها .

ليكنْ ردّنا على مَنْ يحاول فكْ ارتباطنا بالقرآن بمزيداً من التمسك في آياته الكريمة،  والتمسك بتعاليمه السمحاء،  والامر بالمعروف والنهي عن المُنكر،  ومن اقبح المُنكرات النفاق و الفساد وسرقة المال العام و قتل النفس، التي حرّم الله قتلها الاّ بالحق،  وخيانة الوطن !

وفي حفرة خيانة الوطن،  أبعدنا و اياكم الله عنها، تجدون ديدان الرشوة،  وعدم الاخلاص في العمل،  والكذب و الافتراء . ويحضرني قول الشاعر المرحوم عبد الرزاق عبد الواحد وهو يربط صيرورة العراق والكون حين يقول :

… فالتقى الفجر بالليل والنار بالسيل

 كُلٌّ بإمرٍ يُساق وأتى الصوتُ كوني .. فكان العراق .

*كاتب عراقي

المصدر:رأي اليوم