2 آب 2023
د. حامد أبو العز
الاشتباكات مستمرة في مخيم عين الحلوة منذ مطلع الأسبوع وإلى هذه اللحظة وعلى الرغم من الحديث عن هدنة وتهدئة في المخيم إلا أن عدد قتلى هذه الاشتباكات وصل إلى 11 شخص وكما نزح من المخيم حوالي 60% من أهله. وأما عن الأسباب المعلنة للاشتباكات فهي اغتيال القيادي في حركة فتح العميد “أبو أشرف العرموشي” ومرافقيه. اُستخدمت خلال هذه الاشتباكات أسلحة متوسطة وثقيلة على كل جبهات المخيم وكما تم قطع الطرق الرابطة بين المخيم ومحيطه والطريق الواصل إلى جنوب لبنان.
كل ما يحدث في المخيم في هذا التوقيت بالذات يدفعنا إلى طرح سؤالين محددين ومهمين للغاية حيث ستساعدنا هذه الأسئلة في فهم المشهد السياسي في فلسطين ولبنان على حد سواء. السؤال الأول هو لماذا هذا التوقيت بالذات والسؤال الثاني انعكاس هذه الاشتباكات على الداخل اللبناني.
وأما عن التوقيت، فمن المهم ملاحظة أن التوقيت جاء في وقت قال فيه رئيس شعبة العمليات السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي “إسرائيل زيف” للقناة الإسرائيلية الثانية عشر: “بأن الاستخفاف بالأمين العام بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ممنوع على الإطلاق، لأنه شخص ذكي جداً وأنّ السيد نصر الله، يُدرك أنّ ما يحدث في إسرائيل هو تحقيق لنظريته بيت العنكبوت، التي أطلقها بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000.
كما أضاف المسؤول الإسرائيلي بأن نصر الله يقول إنه لن يُعطي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سلماً للنزول عن الشجرة، ليوحد الإسرائيليين ضده مرة ثانية، بل على العكس ما يقوم به نصر الله هو استفزازات من أجل إهانة الحكومة وإذلال إسرائيل وإظهار ضعفها”.
هذه التصريحات المهمة يفهمها العدو والصديق بأن الوقت الحالي هو الفرصة المناسبة لضرب ألف سكين في جسد إسرائيل المتهالك. الانقسام الداخلي والتمرد في قوات الاحتياط والتظاهرات المستمرة ضد نتنياهو وإمكانية الانزلاق إلى معارك في الداخل الإسرائيلي كلها عوامل مهمة كان ينبغي استغلالها والتعامل معها والتنسيق فيما بين الفصائل الفلسطينية لاستغلالها بالحد الأعلى، ولكن ما يجري هو أن السلطة الفلسطينية استفاقت فجأة وقررت دعوة الجميع إلى الحوار في القاهرة وقررت فجأة كذلك أن يلتقي رئيسها بإسماعيل هنية!!! السلطة الفلسطينية نفسها التي أرسلت مدير مخابراتها “ماجد فرج” إلى بيروت الأسبوع الماضي قبيل أيام من اندلاع الاشتباكات في المخيم.
وأما عن انعكاس هذه الاشتباكات على الوضع الداخلي اللبناني فهو مرتبط تماما وكما أشرنا سابقاً في موضوع التوقيت، المعضلة هي أن لبنان يعيش مرحلة فراغ رئاسي ومرحلة من أزمة اقتصادية خانقة يغادر فيها حاكم المصرف المركزي دون أي خطط بديلة للسيطرة على الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد. وبالطبع في ظل هذه الأوضاع هناك من يستغل الوضع المنفلت والفراغ الدستوري لتمرير أجندات خارجية معينة، والبعض منهم ممن شارك في الحرب الأهلية اللبنانية وخسر (على سبيل المثال القوات اللبنانية) وركز اهتمامه في ذلك الوقت على القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، يحاول اليوم استغلال هذه الظروف للتغطية على الفشل السياسي المستمر لأكثر من عقد سواء في الانتخابات البرلمانية أو في مسألة خسارة العديد من الداعمين له من فئات الشباب. هناك محاولات لجر لبنان إلى حرب أهلية لإخراجه بشكل كامل من معادلة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
إذا ما نظرنا إلى التحركات المتعمدة في أن يتم إطلاق قذائف وأسلحة نارية ثقيلة خارج المخيم وباتجاه الجيش اللبناني، فستصبح الصورة أكثر وضوحاً.
ختاماً، لقد أصبحت أهداف الفتنة في مخيم عين الحلوة في لبنان واضحة بالنسبة للتوقيت وانعكاسات هذه الفتنة على لبنان داخلياً وخارجياً. فالمقصود في المقام الأول هو إلهاء الفصائل الفلسطينية في صراع مستمر للتغطية على ضعف إسرائيل ومنحها المزيد من الوقت للخروج من أزمتها الداخلية ومنع أي تحركات في محور المقاومة أو على مستوى الفصائل لاستغلال حالة الانقسام الداخلي الإسرائيلي. ويمتد هذا المشروع ليشمل لبنان كذلك في محاولة لتوريط الجيش اللبناني في أحداث المخيم عبر استهداف قواته بالقنابل والأسلحة الثقيلة. ولكن التعقل الحكيم الذي مارسه الجيش بالإصرار على موقفه السابق القائم على ترك مهمة استباب الأمن للفلسطينيين أنفسهم دون التدخل، ونفاذ ذخيرة الطرف المعتدي في المخيم ساهما في تراجع حدة الاشتباكات هناك على أمل أن تنتهي الفتنة بشكل كامل خلال الساعات القادمة.
ما يجب أن يفهمه الأخوة الفلسطينيون جميعاً هو ضرورة تغليب المصالح الوطنية الفلسطينية على أي معادلات إقليمية أو دولية ولا ينبغي لنا أن نوفر لنتنياهو سلم النزول من الشجرة التي يبدو بأنها ستطيح بإسرائيل ولا ينبغي علينا الانخراط في معادلات الانقسام والصراع الداخلي في لبنان. التركيز على المهمة الأولى في الدفاع عن الأراضي الفلسطينية هو أقصى ما يجب أن تفعله هذه الفصائل كما لا يجب عليهم أن ينسوا بأن المخيم يضم نحو 54 ألف لاجئ فلسطيني بالإضافة إلى الألاف الذين فروا من الحرب الدائرة في سوريا وعليه فإن تهجير 60% من أبناء مخيم عين الحلوة لا يختلف عما فعلته سلطات الاحتلال في مخيم جنين قبل بضعة أيام. فهل نستحق نحن الفلسطينيون كل هذه المعاناة والاضطهاد من الاحتلال ومن أبناء جلدتنا على حد سواء؟
باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية
كاتب فلسطيني
رأي اليوم