الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / الحرب في جبهة التطبيع

الحرب في جبهة التطبيع

18 اب 2023

انفجرت قنبلة التطبيع بين بعض الدول العربية في آب/أغسطس 2020، بتوقيع الإمارات العربية المتحدة، اتفاقية تطبيع علاقات بالكيان المحتل في فلسطين. كرّت السبحة سريعاً، فلحقت البحرين والسودان والمغرب برَكب المطبعين، وطفت على السطح مؤتمرات واتفاقيات جعلت الأمر يبدو كأن التطبيع أصبح أمراً واقعاً.

تجاوزت اتفاقيات التطبيع الجديدة المطبِّعين القدامى، مصر والأردن، وظهر واضحاً عدم رضا قدامى المطبعين عن سلوك المطبعين الجدد، الذين حاولوا القفز من فوق السياسة في اتجاه الحلول الاقتصادية للصراع العربي الإسرائيلي، الأمر الذي لا تستطيع الاردن ومصر مجاراته بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعصف بها. بعد مؤتمرات النقب والمغرب وشرم الشيخ والعقبة، كانت مشاركة السعودية الحجر الأخير في بناء الهيكل الرابع (الإبراهيمي)، لتطوى صفحة قضية شغلت العالم والمنطقة أكثر من مئة وعشرين عاماً.

ولأن حساب حقل التطبيع لم يطابق يوماً حساب بيدره، جاءت معركة سيف القدس في أيار/مايو 2021 لتضع حدوداً لأوهام المطبعين الجدد من جهة، ولتعيد الألق إلى دور المطبعين القدامى، الذين سرعان ما عملوا على إرسال الوساطات لإيقاف المعركة، وتجاوز نتائجها، التي طالت قطاع غزة، الذي يُعَدّ اختصاصاً مصرياً، والضفة الغربية التي تُعَدّ اختصاصاً أردنياً.  جاءت العملية الروسية في أوكرانيا لتكبح سير كل الاتفاقيات السياسية في المنطقة، وربما في العالم، وتضعها في حالة انتظار. كانت الاتفاقيات الإبراهيمية، وخصوصاً في جزئيتها السعودية، ضحية حالة الانتظار تلك.

تفاءل الكثيرون بمواقف السعودية في منظمة أوبك، وبالاتفاق السعودي الإيراني، وبالموافقة السعودية على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وعَدّوا أن هذه الخطوات تمثل التفافة مهمة من السعودية بعيداً عن الفلك الأميركي، وخصوصاً أنها تعني ابتعاد السعودية عن المحور الإبراهيمي. لكن توالي الأحداث أعاد تأكيد البديهية التاريخية، ومفادها أن السعودية لا يمكن أن تغادر المركب الأميركي، وأن كل الخطوات التي قامت بها كانت ضمن الحسابات الأميركية، التي تحتاج إلى بوابة خلفية للعلاقة بإيران وسوريا، وعدم وجود قناعة لدى القيادة الديمقراطية في البيت الأبيض بجدوى الحل الاقتصادي للصراع العربي الإسرائيلي، أو على الأقل بوجود المقومات التي تسمح بمثل هذا الحل، وأخيراً بروز الصراع بين السعودية والإمارات، اقتصادياً وسياسياً، بحيث تسعى الأخيرة لأداء دور سياسي يفوق إمكاناتها البشرية، والجيوسياسية.

لم يتحقق طموح الطرفين السعودي والأميركي. مع استمرار المعركة في أوكرانيا، لم يعد في مقدور عملاء أميركا الصمود طويلاً وراء الموقف “المحايد”، وبدأ التراجع من تركيا التي أخلّت باتفاقياتها مع روسيا، وتلتها السعودية التي استقبلت مؤتمراً بشأن أوكرانيا بغياب روسيا في مدينة جدّة. على جبهة الوطن العربي، تراجعت الآمال بشأن الانفتاح الاقتصادي العربي على سوريا، بل تعطلت إجراءات افتتاح السفارة السعودية في دمشق، ولم يتحرك وقف إطلاق النار في اليمن من محطته الأولى.

في الضفة المقابلة، عادت الضغوط على الاقتصاد السوري والمضاربة بعملته المحلية، وتراجعت الآمال بشأن اتفاق لبناني يتعلق بموضوع الرئاسة، وارتفع التصعيد، إعلامياً وسياسياً، وكاد يتحول إلى تصعيد عسكري بعد حادثة الكحالة. عادت “إسرائيل” إلى اعتداءاتها على المخيمات الفلسطينية وتصفية قادة المقاومة، وتصدَّر مخيم جنين المشهد في محاولتين لاقتحامه، ولن نغفل الاقتحامات المتكررة لنابلس ومخيم بلاطة ومخيم عقبة جبر، ولساحات المسجد الأقصى.

في خضم حالة الغموض السياسي في المنطقة، عادت أفعى التطبيع لتطل برأسها من جديد. احتل خبر مشاركة فريق مخيم الوحدات الأردني في مباراة فريق الأهلي الإماراتي، الذي سبق له أن خاض مباراة وديّة استعدادية مع فريق من الكيان الصهيوني، صدارة الأخبار، وأصبح الشغل الشاغل لمن رأوا أن رمزية النادي تجعل ذهابه في اتجاه التطبيع سابقة خطيرة، ولآخرين أفتوا بأن التعامل مع المطبعين ليس تطبيعاً، وخصوصاً أن الناديين يتبعان دولتين مطبعتين تقيمان علاقات دبلوماسية بـ”إسرائيل”. لُعبت المباراة وخلف غبارها اختفى اجتماع تطبيعي ذو مستوى رفيع بين الاردن والإمارات وإسرائيل. بحسب وكالة الأنباء الأردنية “بترا”، فإن الاجتماع، الذي عُقد في الإمارات بحضور ثلاثة وزراء أردنيين، سيعمل على دفع “إعلان النيّات”، الذي وقّعته الدول الثلاث في “إكسبو دبي 2022″، نحو التنفيذ. يُعَدّ هذا الاتفاق الأكبر بين الدول الثلاث، وتقوم بموجبه الإمارات ببناء محطة للطاقة الشمسية في الأردن، تعمل على تزويد “إسرائيل” بالطاقة، في مقابل تزويد الأردن بالمياه. توقعت مصادر من كيان الاحتلال توقيع الاتفاقية النهائية في مؤتمر المناخ كوب 2023، الذي سيُعقد في نهاية العام في إمارة دبي.

لم تخرج مظاهرات منددة باللقاء كما حدث عند مدخل نادي الوحدات، ونكاد لا نلمح أي خبر مفصَّل أو تحليل لهذا الاجتماع في وسائل الإعلام الاردنية، بما في ذلك صحافة الأحزاب المعارضة. لقد حجب دخان مباراة الوحدات الرؤية عن عيون السياسيين، أو لعلّ الأمر يعود جزئياً إلى قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، والذي أُقر في الاردن مؤخراً، وأثار الهلع في نفوس الكتّاب والمحللين، وفرض عليهم رقابة ذاتية حتى لا يقعوا فريسة العقوبات الباهظة مادياً، والحاجزة للحرية.

يبدو أن خطوات المطبعين القدامى والجدد ستكون أكثر تنسيقاً. ففي مدينة العلمين المصرية، عُقدت قمة ثلاثية اردنية – مصرية – فلسطينية، للتشاور في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بحسب التصريحات الرسمية، وهذا يعني، كما نعرف تماماً، التعامل مع “إسرائيل” وجهود ما يسمى “عملية السلام”.

في الجبهة المعادية للتطبيع، عاد التصعيد إلى سوريا عبر القصف الصهيوني، ومهاجمة حافلات الجيش العربي السوري، وحشد الإرهابيين والانفصاليين في القواعد الأميركية، وإرسال السفن الأميركية إلى السواحل اليمنية، وتصاعد التهديدات الصهيونية لحزب الله والمقاومة في الجنوب، والعملية الإرهابية في شيراز، مع استمرار التصعيد داخل فلسطين، والذي يحصد شهداء وجرحى كل يوم.

تتصاعد المعركة في جبهة التطبيع، ويشدد المطبعون إجراءاتهم، ويحصّنون أنفسهم عبر قوانين قمعية، وبدعم استعماري. في المقابل، على المثقفين العرب إنشاء جبهة حقيقية مناهضة للتطبيع، لا تشغلها صغائر الأمور عن كبائرها، وأن تكون هذه الجبهة ممثلة في كل العواصم العربية، وأن يكون أفرادها على استعداد لتقديم التضحيات اللازمة. فالمعركة ضدّ جبهة التطبيع لا تقل أهمية عن المعركة التي يخوضها المقاومون في مختلف الميادين.

عن Amal

شاهد أيضاً

إسرائيل وجيشها يقاتلان على “جبهة أخرى”: الهواتف الذكية بين أيدي الجنود في قطاع غزة!

21 شباط 2024 سليم سلامة تشكل شبكات التواصل الاجتماعي، منذ زمن، جبهة إضافية أخرى من …