11 أيلول 2023
محمد نور الدين
تتعدّد القرارات في الاشتباكات التي شهدتها مناطق شرق سوريا وشمال شرقها، بين مقاتلي العشائر العربية و«قوات سوريا الديموقراطية» في منطقة دير الزور، وأيضاً بين هذه الأخيرة والمسلّحين الموالين لتركيا في منطقتَي منبج وتل رفعت، فيما يبقى موقف الولايات المتحدة منها محلّ شكوك. من جهة تركيا، رأت وزارة الخارجية في ما يَجري «مظهراً جديداً» من محاولات «حزب العمال الكردستاني»، المُدرَج على لوائح «الإرهاب» التركية، «الهيمنة على شعب سوريا»، آملة أن «يرى مناصرو الحزب الطبيعة الحقيقية للمنظمة الإرهابية، التي تسعى إلى إخفاء غرضها ونيّتها بالادّعاء أنها طرف فاعل في الحرب ضد (تنظيم) داعش، من دون مزيد من التأخير، ومن دون التسبّب بمزيد من المعاناة للسوريين في المنطقة، بمن فيهم الأكراد السوريون». وفي الاتجاه نفسه، رأى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن «المهمّ في هذه اللحظة توحّد العشائر العربية حتى تكون هي صاحبة السيطرة على الأرض»، مضيفاً إن «حزب العمال ووحدات الحماية ليسوا أصحاب الأرض، بل هم مجرّد إرهابيين، بينما معركة العشائر هي معركة شرف»، معلّقاً في الوقت نفسه على أحداث كركوك الأخيرة بالقول إن تركيا «لن تسمح بتخريب وحدة الجغرافيا العراقية».
على المقلب السوري، بدا لافتاً ترحيب وزير الخارجية، فيصل المقداد، بـ«انتفاضة العشائر الوطنية ضدّ الاحتلال الأميركي وحلفائه من المسلحين»، علماً أن هذه الأخيرة منقسمة على نفسها بين مَن يدين منها بالولاء للدولة السورية، ومَن يحجم عن اتّخاذ أيّ موقف معارض للاحتلال الأميركي، ويتلقّى تسليحاً من واشنطن نفسها. وإذ اتّهم المقداد الولايات المتحدة بممارسة لعبة مزدوجة عبر دعم حلفائها المتنافسين – الأكراد وتركيا -، فإن علامات استفهام كثيرة تُطرح حول موقف واشنطن، وخلفية سماحها باندلاع اشتباكات بَينية في مناطق نفوذها. وفي هذا الإطار، يَجدر التذكير بما نشرته صحيفة «يني شفق»، في 7 آب الفائت (al-akhbar.com/Syria/367912)، عن أن واشنطن ستضغط على قوات «قسد» للانسحاب من مناطق في دير الزور ومنبج وتل رفعت، لتحلّ محلّها في دير الزور قوات موالية للعشائر العربية، وفي منبج وتل رفعت قوات تابعة لـ«الجيش الوطني» المدعوم تركياً. ومن خلال هذا السيناريو، الذي يَفترض تجنيد 5 آلاف عنصر من العشائر العربية، تربح تركيا معركة تقليص وجود «قسد» في غربي الفرات ودير الزور، مع سيطرة للمسلحين التابعين لها على مناطق مواجهة للجيش السوري وحلفائه في شمال حلب.
علامات استفهام كثيرة تُطرح حول موقف واشنطن، وخلفية سماحها باندلاع اشتباكات بَينيّة في مناطق نفوذها
وإذ يصعب الجزم باندراج الاشتباكات الأخيرة في إطار التمهيد للسيناريو المتقدّم، فإن البعض يعتقد أن الولايات المتحدة تتلاعب، بالفعل، بالقوى الحليفة لها في الداخل السوري، وهو ما لا تستطيع الاستمرار به والبناء عليه، بحسب الكاتب التركي، قادر أوستون، الذي يكتب، في «يني شفق»، أن على واشنطن أن «تُطوّر سياستها السورية بالتخلّي عن دعمها لقوات قسد، وأن تحدّث علاقاتها بأنقرة، وتبحث عن استراتيجية مشتركة معها». ويعتقد الباحث الاستراتيجي، ندرت أرسانيل، بدوره، أن انتفاضة العشائر هي ضدّ الأميركيين وضد «حزب العمال الكردستاني»، متسائلاً: «هل هناك من رابط بين اندلاع أحداث كركوك وانتفاضة العشائر؟ وهل أحداث كركوك هدفها تحريض تركيا على القيام بدعسة ناقصة ردّاً على دعمها لانتفاضة العشائر في سوريا؟».
في هذا الوقت، لا تزال زيارة وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، في أول أيلول، إلى موسكو، حيث التقى نظيره، سيرغي لافروف، ووزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، تتفاعل. وفي هذا الإطار، يرى الكاتب مراد يتكين أن لقاء فيدان – شويغو كان «مهماً» لجهة أن محادثاتهما «تركّزت على الوضع في سوريا»، حيث دعا لافروف إلى إعادة إحياء «اتفاق أضنة» لعام 1998، والذي يسمح للجيش التركي بالتوغل في الأراضي السورية حتى عمق خمسة كيلومترات فقط، تحت مظلّة غرفة أمنية سورية – تركية مشتركة، لمطاردة مقاتلي «حزب العمال الكردستاني». وبحسب يتكين، فإن الوضع السوري شكّل أيضاً محوراً لزيارة فيدان لطهران، وزيارة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لسوتشي يوم الاثنين الماضي، للقاء نظيره الروسي، فلاديمير بوتين. ويرى الكاتب أن إحياء «اتفاقية الحبوب»، التي مثّلت هي الأخرى عنواناً رئيساً على أجندة تلك المباحثات، «كان رهن نتائج مباحثات فيدان مع الإيرانيين»، في إشارة ربّما إلى أن أنقرة حاولت انتزاع موقف في طهران، دافعٍ في اتّجاه إعادة تفعيل الاتفاقية، في مقابل الوعد بخطوات جديدة على خطّ التطبيع المنشود بين أنقرة ودمشق. لكن الفشل في استعادة صفقة البحر الأسود، ربّما أنبأ بأن فيدان لم يحرز تقدّماً في طهران.
ولعلّ ما تَقدّم يفسّر عودة إردوغان إلى تصعيد لهجته ضدّ سوريا لدى عودته من سوتشي، حيث اتّهم نظيره السوري، بشار الأسد، بأنه «يتفرّج على الأحداث للأسف من على المنبر، ولا يساهم بأيّ مشاركة في جهود التطبيع». وأشار إلى «(أنّنا) فتحنا بابنا لهذه الجهود. وقلنا نحن جاهزون. لكن حتى الآن ليس من موقف إيجابي من الجانب السوري»، متمنّياً أن «يأخذوا مكانهم في منصّة الحل». وأضاف أردوغان إنه «لو كان هناك تقدّم لكان التطبيع ممكناً مع سوريا. لقد قلنا إنه يجب أن نجلس حول الطاولة مع النظام السوري من دون شروط مسبّقة وعلى مراحل»، مشدّداً على أهمية أن «يتحرّك الجانب السوري منسجماً مع الحقائق على الأرض وأن يبتعد عن المقاربات التي تضرّ بالعملية (التطبيع)».
في كلّ الأحوال، الأحداث الجارية في سوريا، من انتفاضة العشائر العربية ضدّ «قسد» والتأييد السوري والتركي لها، إلى التحرّك التركي في منبج وتل رفعت لمحاولة انتزاع مناطق تسيطر عليها «الإدارة الذاتية»، فاتهامات إردوغان للأسد، وفوقها الموقف الأميركي الملتبس والمزدوج، فضلاً عن الاحتجاجات في السويداء، تزيد المشهد السوري تعقيداً، وتجعله مفتوحاً على الاحتمالات كافة
المصدر:الأخبار