18 ايلول 2023
مو ونانغ بي
وقّعت الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي – على هامش قمة العشرين في نيودلهي-مذكرة تفاهم وأعلنت فيها عن البناء المشترك لمشروع “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي” (IMEC) الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، وأشارت العديد من التعليقات والتحليلات إلى أن “طريق التوابل الحديث” الطموح هذا يهدف إلى منافسة واضحة مع مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين قبل 10 أعوام.
بحسب المذكرة الصادرة عن البيت الأبيض، يتألف “الممر الاقتصادي الهندي والأوروبي” من ممرين منفصلين، سيمتد واحد عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، والآخر يعبر المملكة العربية السعودية والأردن و”إسرائيل” قبل أن يصل إلى أوروبا. يهدف المشروع إلى ربط دول الشرق الأوسط عبر خطوط السكك الحديدية، ثم ربطها بالهند عبر الموانئ البحرية.
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن إطلاق المشروع، إن “خطوط السكك الحديدية ستجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40%”. وإلى جانب ذلك، يشمل المشروع خطوطاً لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات.
يعد هذا المشروع، الذي تقوده الولايات المتحدة والهند ويضم عدة دول من الشرق الأوسط وأوروبا، نسخة موسّعة من مشروع شبكة السكك الحديدية في الشرق الأوسط الذي اقترحته الولايات المتحدة سابقاً، وهو أيضاً جزء من “الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي” (PGII) التي أطلقتها الولايات المتحدة في قمة مجموعة السبع في السنة الماضية، بهدف جمع 600 مليار دولار في استثمارات البنية التحتية الدولية بحلول العام 2027، وتساهم السعودية فيها بمبلغ 20 مليار دولار.
كما يعد أوّل مشروع تعاون سيتم تنفيذه تحت آلية “مجموعة آي 2 يو2 “، التي تتكوّن من الهند و”إسرائيل” والإمارات والولايات المتحدة، وتظهر مبادرة “الممر الاقتصادي” نية الولايات المتحدة في محاولة جذب المزيد من الحلفاء مثل السعودية للانضمام إلى الآلية، وإنشاء دائرة صغيرة تمتد إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.
أفادت صحيفة “فايننشال تايمز” أن الدول المعنية قد أجرت مفاوضات حول المشروع منذ عدة أشهر، وكشف جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، في 9 أيلول/سبتمبر الجاري، أن المناقشات حول المشروع بدأت خلال زيارة الرئيس الأميركي بايدن إلى السعودية في تموز/يوليو العام الماضي. وقالت وكالة “بلومبرغ” إنه منذ كانون الثاني/يناير هذا العام، تجري الولايات المتحدة محادثات سريّة مع الهند ودول الشرق الأوسط للتوصل إلى اتفاق رسمي.
أهداف مشروع “الممر الاقتصادي”
من منظور استراتيجي، يتسم مشروع “الممر الاقتصادي” بنوايا جيوسياسية واضحة، وتحاول الولايات المتحدة أن تحذو حذو الصين، من خلال بناء الممر الاقتصادي واسع النطاق للتنافس مع مبادرة “الحزام والطريق”، مما يضعف نفوذ الصين في الشرق الأوسط.
مع تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، تنظر الولايات المتحدة بعين القلق إلى مشاريع البنية التحتية التي تقودها الصين في الشرق الأوسط. فمنذ طرح مبادرة “الحزام والطريق” من قبل الصين، تلقّت المبادرة دعماً واسعاً واستجابة إيجابية من دول الشرق الأوسط، وتمّ تنفيذ سلسلة من المشاريع الكبرى فيها، وقدّم البناء المشترك لـ “الحزام والطريق” بين الصين والدول العربية فرصاً تاريخية جديدة للتبادلات الصينية العربية.
هذا الأمر جعل الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل وقلق عميق، وتعمل على عرقلة وتخريب مشاريع التعاون بين الصين ودول الشرق الأوسط، وممارسة الضغط على الصين لإخراجها من المنطقة في مجال البينة التحتية، ودفع انضمام دول الشرق الأوسط إلى النسخة الأميركية من خطة البنية التحتية.
وما يقلق الولايات المتحدة أيضاً هو نجاح الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، الأمر الذي أطلق “موجة مصالحات” في الشرق الأوسط، ويبدو أن الحلفاء السابقين خرجوا عن نطاق السيطرة بشكل متزايد. فتحاول الولايات المتحدة استعادة حلفائها في الشرق الأوسط الذين انحرفوا بعيداً، وتبذل قصارى جهدها لسحب الشرق الأوسط من المسار الجديد للسلام والتنمية والوحدة الذي تروّج له الصين.
من الواضح أن “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي” يستنسخ “الحزام والطريق” الصيني، وتسعى الولايات المتحدة إلى أخذ زمام المبادرة في تصميم شبكة النقل في الشرق الأوسط، وتجعل الصين تفقد مزاياها في البنية التحتية في الشرق الأوسط، وبالتالي الضغط على الصين للخروج من الاستراتيجية والهيكل الاقتصادي في الشرق الأوسط.
وإضافة إلى ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى ضم الهند إلى صفها في إطار محاولاتها المستمرة لتطويق الصين واحتوائها. وباعتبارها دولة خارج المنطقة، ليس لدى الهند أي سبب للوصول إلى شبكة السكك الحديدية في الشرق الأوسط، حيث أنه بين الهند ودول الشرق الأوسط طرق بحرية متصلة بها. وتشجيع الهند على احتواء الصين يعد السبب الحقيقي وراء ظهور الهند في مشروع “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي”.
التحديات التي تواجه “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي”؟
أولاً، أنه من الصعب التوصل إلى توافق في تنفيذ المشروع. ومن المقرر أن يمرّ “الممر الاقتصادي” بالمملكة العربية السعودية والأردن، لكن لم تقم أيّ منهما علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”. كما ذكر “الكابيتول هيل” الأميركي أنه من أجل ربط الهند والشرق الأوسط، إذا لم يكن الممر عبر أفغانستان وروسيا، فإن إيران هي الطريق الوحيد. وليس من الواضح ما إذا كان المشاركون في “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي” يعتزمون التعاون مع الحكومة الإيرانية.
ثانياً، مصدر الأموال للمشروع غير واضح، ويتطلب إنشاء البنية التحتية مثل السكك الحديدية والشحن استثمارات أولية كبيرة ودورات ربح طويلة. في السنوات الأخيرة، ارتفع الدين الوطني الأميركي باستمرار، وتمّ تعديل سقف الدين بشكل متكرر. يحتاج مثل هذا المشروع الضخم إلى استثمار هائل ومستمر، وفي الوقت الحالي، لم تحدّد الدول التي اقترحت هذا المشروع مصدر أموال البناء، مما يجعل من الصعب الدفع نحو تنفيذ المشروع.
ثالثاً، لا يمكن تجاهل نفوذ الصين. تم عقد القمة الصينية العربية الأولى في نهاية العام الماضي، واتفق الجانبان على بذل كل الجهود لبناء مجتمع صيني عربي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد، والتركيز على “ثماني مبادرات رئيسية” لتنفيذ التعاون العملي في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتحوّل الأخضر ومنخفض الكربون، ودفع البناء المشترك لـ “الحزام والطريق”.
في السنوات الأخيرة، نجد أن الولايات المتحدة زادت وتيرتها للانكماش الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ومشروع “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي” الذي اقترحته الولايات المتحدة والهند وغيرهما في قمة مجموعة العشرين، نتاج استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وما زالت هناك شكوك فيما إذا كانت ستتلقّى استجابة إيجابية من معظم دول الشرق الأوسط.
يقع الجزء الأساسي من “الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي” في الشرق الأوسط، وهذا أمر جيد سيفيد الشرق الأوسط، ومع ذلك، من المرجح أن يصبح المشروع أداة جيوسياسية في ظل تلاعب الولايات المتحدة، فالشرق الأوسط يشهد موجة من المصالحات والصحوات لم يشهدها منذ عقود من الزمن، وقد أصبح الاستقلال والوحدة والاعتماد على الذات موضوعات العصر في الشرق الأوسط.
وترحّب الصين بجميع المبادرات التي يمكن أن تساعد في توحيد القوى وتعزيز بناء البنية التحتية العالمية. ومع ذلك، يتعيّن علينا أن نكون حذرين من أن يؤدي “الممر الاقتصادي” إلى تقويض الوضع الجيد للتنمية السلمية في الشرق الأوسط.
الميادين