24 أيلول 2023
محمد فراج*
السطحية عند نيكولاس كار ليست شتيمة أو إهانة، على طريقة ألان دونو في نظام التفاهة، هي مسار حتمي للعيش المفرط في مجتمع الشبكات، هي مثال على تأثير التقنيات الفكرية التي يخترعها الإنسان، ويعتقد أنها مجرد أدوات، وينسى تأثيرها على طريقة تفكيره، وصولاً إلى بنية دماغه..
بدأت قصة كتابة هذا الكتاب مع نيكولاس كار شخصية، الذي بدأ يشعر باختلاف طريقة عمل ذهنه ( لا علاقة لذلك هنا بالتقدم في العمر كما يحاول البعض أن يعزي نفسه).. هذا الاختلاف يتضمن التشتت، وعدم القدرة على التركيز والاستمرار في النصوص الطويلة كما في السابق، يقول ( لقد كنت غواصاً في بحر الكلمات والآن أشعر نفسي أتزلج على السطح بدراجة مائية)..
الكاتب يشرح ببساطة كيف يعمل دماغنا البشري اليوم على السطح، وبتشعب، وبمنطق الشبكة، ويعتبر ذلك استمراراً للمسار الطويل الذي تأثر به دماغ الإنسان بالراديو والتلفاز وقبلها بالآلة الكاتبة التي غيّرت من أسلوب كتابة نيتشه نفسه..
في بداية الكتاب، نيكولاس كار يشكو التشتت.. وفي خاتمته يقول كيف تمكن من كتابة هذا العمل المتسلسل والمتقن باحتراف فعلاً.. يقول أنه غادر إلى الجبال، أوقف حسابه على فيسبوك، وعلى تويتر، ذهب إلى مكان يكون فيه الانترنت بطيء جداً، وراجع الرسائل الخاصة في صندوق الوارد بتردد بطيء للغاية..
هل يعني ذلك أن السطحية والوجود الافتراضي المكثف متلازمان؟ تقريباً
هل يعني ذلك أن إنجاز كتاب كهذا غير ممكن من دون خطوات كار في العزلة؟ تبقى تلك مهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة، تحتاج إلى إرداة حديدية في رفض ما تقدمه الانترنت من مغريات التنبيهات، و”الانتباه المنقسم”، والتشعب الذي لا يراكم..
*كاتب سوري