2 تشرين الثاني 2023
محمد جرادات
تواصل قوى المقاومة في الإقليم، استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق، ضمن استراتيجية وحدة الساحات، عبر إيقاع متصاعد من الغليان على امتداد العالم، قلبه في غزة الشهيدة والشاهدة النابضة بالثبات والعنفوان، وأطرافه تتسع من جبل عامل وصعدة في لبنان واليمن، حتى عين الأسد والتنف في العراق وسوريا، بما يشمل أحرار العالم في كولومبيا وبوليفيا حتى تشيلي.
ملحمة واحدة تنبض ببطولات غزة وجنين، وتتفاعل صعوداً متدحرجاً عبر بؤر الطيف الملتهب في الإقليم والعالم، في نسيج تتكامل خيوط قوته رويداً رويداً، لترسم معادلة المعركة على وقع أمة تتحد في ثنايا الميدان.
هو طوفان الأقصى يقذف حممه، وليس آخرها الإعلان العاصف للناطق باسم القوات المسلحة اليمينة يحيى سريع، عن قصف إيلات بثلاث دفعات من الصواريخ الباليستية والمسيّرات، وتبعتها الرابعة وربما الخامسة، بما دفع سفن الكيان الحربية لانتشار طارئ في البحر الأحمر، وهو البحر المتلبّد أصلاً بالبوارج الأميركية التي اعترضت الدفعة الأولى من صواريخ اليمن.
ولأنه طوفان الأقصى، حيث الإسلاميّ المقدّس، والإنسانيّ الحرّ، بموازاة مشروع فاعل لمحور المقاومة في احتضان الوجع الفلسطيني، وحمل أعبائه من مخيم جنين وكتائب السرايا في الضفة منذ عامين، حتى القصف الممنهج للوجود الأميركي في العراق وسوريا، بما يرفد الطوفان بمفاعيل قوة تضغط، لوقف المجازر الإسرائيلية في غزة والضفة، على أرضية نصر العبور في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر.
ثلاثون هجوماً للمقاومة الإسلامية في العراق وسوريا منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر حتى الآن، ضربت قواعد الاحتلال الأميركي في عين الأسد وحرير وكونيكو والتنف وحقل العمر والشدادي والمالكية والركبان وخراب الجير، من ضمن 24 قاعدة عسكرية أميركية في سوريا، ومثلها 12 في العراق، ليعترف الناطق باسم البنتاغون في الأسبوع الأول من هذه الهجمات، أنها أدت لإصابة 25 ضابطاً وجندياً أميركياً.
وزعم الأميركي في حينه، أنه رد على هذه الهجمات، بقصف مخازن للحرس الثوري الإيراني في البوكمال السورية، وإنْ من دون حصول تغيير في استراتيجية الاحتواء الأميركية ضد إيران، وهي دون الحرب بحسب التعبير الأميركي، في وقت يسعى فيه بكل ما أوتي من قوة ونفوذ، لضمان الاستفراد الإسرائيلي بغزة والضفة.
لكن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اعتبر أن استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق، بمثابة “رد فعل” لما تقدّمه الولايات المتحدة من مساعدات ودعم غير مشروط لإسرائيل، في حربها ضد المقاومة الفلسطينية، وهي جزء من ردود فعل الشعوب والجماعات المناهضة للوجود الأميركي في المنطقة”.
هجمات متصاعدة أشعلت فضاء السكون العراقي والسوري، في وقت يواصل فيه الإسرائيلي مجازره الوحشية في غزة، وتوغّلاته الإجرامية في الضفة، وهجماته في لبنان وسوريا، بما تطلّب تصاعد إيقاع الميدان، ليكون الشرق السوري جناح مواجهة مع الأميركي وهو المنكفئ منذ أعوام عن رد الاعتداءات الإسرائيلية على مطاراته ومرابض صواريخه.
ينهض العراقي اليوم ليتبوّأ موقعه في ملحمة الطوفان، مع كل صاروخ أو مسيّرة تقصف عين الأسد في أوج غرورها، كقاعدة متقدمة للقوة الجويّة الأميركية وسط صحراء تلتهب حبّات رملها، مع بحر غزة الراعف بالدم والكبرياء، وهي التي تنطلق منها أسراب الأف 16 و35، لتعربد في سماء الإقليم العربي الإسلامي.
عندما يتصدّر الأميركي قيادة الحرب الإسرائيلية ضد غزة، ويستجلب أساطيله عبر البحار، ليعجّ المتوسط بخمسين سفينة حربية للأميركي والغربيّ ومختلف القوى الدولية، فلا يجد العربيّ الموجوع باستلاب إرادة أنظمته الحاكمة، إلّا أن يأخذ زمام المبادرة ليعبّر عن ذاته المجروحة، بما أوتي من قوة ليتضامن مع غزة بطريقته الخاصة، وهي هنا رفض الاحتلال الأميركي الجاثم فوق الصدور بالقصف الصاروخي الذي يتصاعد على وهج دفق الطوفان الملتهب في بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا.
والأميركي بكل صلافة ينشر قواعده العسكرية قهراً في العراق، رغم إنهاء احتلاله الشامل لبلد الرافديْن، فيما يزرع قواعده العسكرية في شرق سوريا بحجة مكافحة “داعش”، ويقيم منذ عقود قواعده العملاقة طواعية في دول الخليج وتركيا والأردن، وهو اليوم يقف عاجزاً عن حماية هذه القواعد في سوريا والعراق، في ظل تصاعد هجمات المقاومة.
سبق للقواعد الأميركية في سوريا والعراق، أن تعرّضت لهجمات بين فينة وأخرى، قبل طوفان الأقصى وعبر سنوات مضت، تأكيداً لرفض قوى المقاومة لهذا الاحتلال الأميركي، ولكن موجة الهجمات الراهنة هي الأولى بهذا التتابع المنهجي، عندما يتمّ قصف عين الأسد مثلاً، في اليوم الواحد عدة مرات، بما يعكس وجهة الأحداث ومدى تصاعدها تبعاً لدخول الهجوم البري الإسرائيلي مرحلته الأولى، وهو ينكفئ شمال غزة محمّلاً بجثث 12 من نخبته، وقد اعترف بمصرعهم بشكل رسميّ، في أعنف موجة قتال على تخوم غزة.
تتجاوز أهمية الاستهداف المتصاعد للاحتلال الأميركي في العراق وسوريا، البعد الميداني سواء المتصل بالهمّ العراقي والسوري، أو المرتبط بميدان الحرب في طوفان الأقصى، لما هو الأثر النفسي والفكري والسياسي والمذهبي، وقد راهن الأميركي على تمزيق الأمة بالفتن المذهبية والقومية، ولكنه يجدها تتبخّر اليوم على وقع عبور الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر في نسخته الفلسطينية، بما يبدّد كلّ زيف ران في الوعي العربي والإسلامي.
يتبوّأ الفلسطيني ملحمة الطوفان، وقد أطلق مجراها لتغسل عار التمزّق والاحتراب الداخلي واستلاب الإرادة، وهو بهذا يدفع كل قوى الأمة الحيّة من خلفه لتعزف لحن الحياة والكرامة الإنسانية، وما هذا الموج العاصف بالقصف اللبناني اليمني العراقي المتصاعد، لأطراف الحرب الإسرائيلية الأميركية، إلا تجسيد لحالة نهوض جماعيّ.
هو النهوض إذاً من وحل الموت، نهوض لا تكتمل ملامحه إلا بتحوّله إلى حالة تتكامل فيها الجبهات بالإيقاع الملتهب ذاته هناك في تخوم غزة، وهنا حيث استباحة الضفة، نهوض يشبه في مسحة تفاؤله ليلة انتظار الفاتحين قبل عقود غابرة عميقة في الزمن الإسلامي، هناك على أسوار خيبر، وقد بشّرهم رسول الله بالفتح صباحاً، وما هي إلا أن أزال الرمد من عينيّ عليّ بطهرٍ من ريقه المبارك، ولهفة حب عمرت قلب الإمام، حتى رفع لواء الحرب وقد اندفع حتى غرزه فوق آخر قلاع الجبروت الخيبريّ.