17 آذار 2024
أمال وهدان
أرخبيل تشاغوس هو مجموعة من الجزر المتناظر عليها بريطانيا والتي تقع في المحيط الهندي. يبلغ عدد الجزر في هذا الأرخبيل حوالي 60 جزيرة، وأكبر جزيرة فيه هي جزيرة دييغو غارسيا. تعتبر هذه المجموعة من الجزر مكانًا مهمًا للبحث العلمي، حيث تحتوي على أكبر جزيرة مرجانية في العالم.
تاريخ هذا النزاع يعود إلى القرن السادس عشر عندما اكتشف البحارة البرتغاليون هذا الأرخبيل، ولكنه لم يصبح جزءًا من الإمبراطورية البرتغالية. في القرن الثامن عشر، أعلن الفرنسيون سيادتهم على هذه الجزر وأنشأوا مزارعًا لجوز الهند هناك. بعد ذلك، أصبحت الجزر تحت السيطرة البريطانية وأُطلق عليها اسم “جزيرة فرنسا” (Ile De France).
منذ استقلال موريشوس عن بريطانيا في عام 1968، أصبحت موريشوس تطالب بالجزر وتسعى لاستعادتها. تم ترحيل سكان الجزر بين عامي 1967 و1973 لإقامة قاعدة جوية أمريكية على جزيرة دييغو غارسيا، ولم يسمح لهم بالعودة منذ ذلك الحين.
هذا النزاع مستمر حتى اليوم، وموريشوس تستمر في حشد الدعم الدولي لمطالبتها بفرض سيادتها .على هذه الجزر المتنازع عليه
وتظهر قصة أرخبيل تشغوس، التي تدور أحداثها قبل أكثر من نصف قرن، وحشية الغرب وهمجيته تجاه شعوب عالم الجنوب، التي نشهدها في عالم اليوم، ولعل الحرب على غزة أبرزها، وأكثرها تشابهاً في انتهاكات دول الغرب الدائمة للقانون الدولي وحقوق الانسان وميثاق الأمم المتحدة، التي شاركت في صياغته بعد الحرب العالمية الثانية، كدستور عالمي للحفاظ على الأمن والسلام والعلاقات الدولية، ما يدل على نفاق دول الاستعمار القديم والحديث وعهرهم السياسي وانتهاجهم المعايير المزدوجة.
ففي حين تفرض دول الناتو بقيادة أمريكا العقوبات والحصار المشدد على روسيا إثر تفاقم أحداث أوكرانيا بعد انقلاب عام 2014 وارتكاب النظام السياسي فيها جرائم حرب ضد السكان الأوكرانيين من أصل روسي في شرقي البلاد، أدى إلى مقتل عشرة آلاف مدني خلال عشرة سنوات، ما دعا روسيا في شباط 2022 إلى القيام بعملية عسكرية لوقف الجرائم المستمرة ضد المواطنين الروس واستفزازات دول الناتو المتواصلة ضد روسيا بتقديم كل أشكال الدعم العسكري والسياسي للنظام النازي في كييف في محاولة لاستنزافه، نراها تقدم الدعم الكامل لنظام الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وتجويعه ومنع المساعدات الاغاثية من الوصول له ما أدى إلى استشهاد وجرح وتشريد الملايين وتدمير 80% من المباني السكينة والمستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة، متجاهلة مناشدات شعوب العالم الحر لوقف الحرب على غزة ومطالبتها بادخال المساعدات الانسانية فوراً بعد خمسة أشهر من المذبحة!
وبالعودة إلى أحداث أرخبيل تشاغوس التي جرت عام 1965 حين وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقًا سريًا مع بريطانيا لإنشاء قاعدة عسكرية أميركية في المحيط الهندي تكون مفتاحًا استراتيجيًا للتدخل الأميركي السريع في إفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وغرب آسيا.
هذا الأرخبيل كان يتبع إداريًا لدولة موريشيوس التي كانت خاضعة للاحتلال البريطاني وحين منحت بريطانيا موريشيوس استقلالها، كان بشرط أن تقبل التخّلي عن تشاجوس مقابل 3 ملايين جنيه استرليني. ثم – في اتفاق سرّي- أجّرت أرض تشاجوس لأميركا لمدة 50 سنة قابلة للتمديد لعشرين سنة إضافية مقابل تزويد بريطانيا بغواصات بولاريس الأميركية بخصم 14 مليون دولار من ثمن الغواصة.
لكن مواطنون تشاجوس اعترضوا بشدة على الوجود العسكري الأميركي على أراضيهم وهذا الأمر لم يكن ليرضي الأمريكي الذي استخدم كل الوسائل من أجل إركاع أهالي تشاجوس. ففي سنة 1968 بدأت واحدة من أكبر عمليات التهجير والإبادة برعاية الثنائي الأميركية – البريطاني كما جاء في التقرير الاستقصائي الذي أعده الاسترالي، جون بيلجر، في كتابه “الحرية في المرة القادمة”.
وجاء في التقرير أن الأدميرال الأميركي جريثام والسير البريطاني جريتباتش، أطلقا أمرًا سريًا ب ” تطهير” أرخبيل تشاجوس وطلبا من السكان الرحيل بهدوء على متن سفن بريطانية، لكن أهالي الأرخبيل رفضوا. وما كان من قوى الاستعمار الثنائي إلا ترويع الاهالي بكل الوسائل بما فيها تعذيب الكلاب التي ارتبط الأهالي بها واعتمدوا عليها في الحراسة والرعي. حيث قام الجنود البريطانيين بجمع كلاب الجزيرة وشويها على مواقد عملاقة وهي حيّة أمام أعين أصحابها وقاموا بحرق كل من اعترض من السكان الذين دبّ الذعر في نفوسهم.
في الصباح التالي، قام الجنود الإنجليز بإخراج السكان من منازلهم وأحرقوها بالكامل بكل ما فيها وتركوهم في العراء، ومنعوا عنهم الطعام والشراب، تماما كما يفعل الاحتلال الصهيوني بأهالي غزة، وقد سبق هذه الحملة إعدام كل الثروة الداجنة والحيوانية في الأرخبيل، ما أدى تدريجياً إلى موت 400 شخص من السكان جوعًا. ما اضطرهم في النهاية بعد أن خارت قواهم للاستجابة لشروط بريطانيا العظمى.
أجبر أهالي تشاجوس على الصعود على متن السفن البريطانية ومن كان منهم مريضًا ألقي في قاع المحيط الهندي. ومن وصل حياً لموريشيوس مُنع من الحصول على الجنسية والحق بالعمل وبقى متشردًا في الشوارع. وأما الفتيات فلم يجدن خياراً أمامهن حلًا سوى الانتحار حفاظًا على أنفسهن.
لقد تم سحق وتشريد وتهجير شعب كامل حتى تحظى الولايات المتحدة من إقامة قاعدتها العملاقة “دييجو جارسيا” التي انطلقت منها الطائرات الأميركية لدّك أفغانستان والعراق عامي 2001 و 2003.
بدأت هذه المأساة المروعة في الانكشاف شيئاً فشيئاً أمام الرأي العام البريطاني والأمريكي. ما اضطرهما إلى عقد لجنة سرية من وزارتي الدفاع الأميركية والبريطانية لحل “أزمة العلاقات العامة” التي سببها تهجير وقتل سكان تشاجوس، وذلك من خلال تقديم مساعدات إنسانية لباقي أهالي تشاجوس الذين ألقتهم السفن البريطانية في موريشيوس، ونقل بعضهم لبريطانيا. وأدت حملة غسل أدمغة الرأي العام، التي التقط خلالها النواب البريطانيين صورًا مع أطفال تشاجوس، باعتبار هذه الجريمة “مسئولية الغرب الأخلاقية” لنجدة سكان تشاجوس من الأذى الذي يتعرضون له على أيدي ‘‘الأفارقة‘‘ في موريشيوس.
هكذا يفعل الغرب المتوحش بقيادة أمريكا ودول الناتو أمام حرب الإبادة والتجويع التي ينفذها العدو الصهيوني ضد شعبنا في غزة، ذات الأدوات وذات الأسلوب لاستكمال عملية التطهير العرقي الذي نفذته العصابات الصهيونية عام 1948 بنكبة جديدة ومأساة مركبة لشعبنا الفلسطيني في غزة وكل فلسطين المحتلة. حيث يخرج علينا المأفون بايدن ببدعة إسقاط المساعدات من الجو وإنشاء ميناء عام على شواطىء غزة، بينما بمقدوره وقف جسر المساعدات العسكرية التي فاقت 250 طائرة شحن مند 7 تشرين أول الماضي، والتوقف عن ضخ ملايين الدولارات لإنقاذ الاقتصاد الاسرائيلي المنهار، والأهم إجبار نتنياهو وعصاباته الاجرامية على وقف إطلاق النار الفوري وحقن سفك الدماء البريئة في غزة.