27 آب 2024
علي حسن مراد
على مدى أربعة أيام، انعقد المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي في مدينة شيكاغو، ليفضي إلى إعلان المرشحة الرئاسية، كامالا هاريس، قبولها رسمياً ترشيح الحزب لها لخوض الانتخابات الرئاسية، مقابل دونالد ترامب. لم يستطع تيار «غير الملتزمين» أن يؤثّر في سلوك اللجنة الوطنية الديموقراطية المنظِّمة للمؤتمر، لاعتماد أي مضمون سياسي مناصر، أو بالحد الأدنى متعاطف مع القضية الفلسطينية، بل كانت رسالة القابضين على القرار في الحزب واضحة: كنّا وسنبقى حزب الغالبية الصهيونية الأكبر في أميركا.

قد يحاجج البعض بأنّ العرب الأميركيين يستطيعون التأثير في الانتخابات الرئاسية القادمة، حتى في ظل هيمنة الكتلة الصهيونية على التوجّهات السياسية للحزبَين. هذا جزئياً صحيح، لكن في حدود ضيقة. إذ يتركّز ثقل الوجود العربي في أميركا في ولاية ميشيغان المتأرجحة، بحوالى 211 ألف نسمة، مقابل 89 ألف يهودي، بحسب أرقام الإحصاء الرسمي الأميركي لعام 2024. وإذا بُني على أرقام استطلاعات الرأي الأحدث (RealClearPolitics) في الولايات المتأرجحة السبع، يتقدّم دونالد ترامب اليوم في ولايات نيفادا وجورجيا ونورث كارولاينا بهامش يتجاوز 1%، فيما ينافس هاريس في بنسيلفانيا وأريزونا. أما ميشيغان، التي شهدت تصويت 101,000 مقترع بـ«غير ملتزم» في 27 شباط الفائت، فسيكون لأصوات العرب الأميركيين وحلفائهم التقدميين فيها ثقل وازن، قد يرجّح الكفّة لمصلحة ترامب على حساب هاريس، فيما يمكن اعتبار أصوات غير الملتزمين في ولاية ويسكنسن مؤثّرة، لكن بدرجة أقل من ميشيغان، نظراً إلى عدم وجود جالية عربية ومسلمة وازنة في الولاية. هذه الحسابات تعني أنّ ترامب قد يحصل اليوم على ما يقارب 270 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهو ما يعني فوزه بالانتخابات. والجدير ذكره أن الترجيحات كلها مبنيّة على أساس الافتراض أنّ كل من صوّت في الانتخابات التمهيدية بـ«غير ملتزم» كان بالضرورة رافضاً لأداء إدارة بايدن في الحرب على غزة، من دون الأخذ في الحسبان أنّ قسماً من غير الملتزمين كانت مشكلته مع بايدن تتعلّق بسنّه وصحته العقلية غير المقنعة.
بالنتيجة، إذا أريد البناء على الحالة التي أفرزتها حرب الإبادة الجماعية الصهيونية على غزة، من دون الأخذ في الحسبان أنّ الحق في أميركا لا يغلب من دون القوة، فهذا سيعني مراوحة في المكان الذي يريده النظام الرأسمالي الأميركي للأقليات. الإحجام عن محاولة استنساخ طرق عمل اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة، والانطلاق في عمل مؤسَّسي منظَّم ومدعوم مالياً، سيعني فشلاً في تلقّف الفرص التي تتاح لعرب أميركا مع كل حرب يُذبَح فيها أهلهم. لو أنّ أثرياء العرب يخصّصون ربع ما ينفقونه في أحد ملاهي لاس فيغاس في ليلة واحدة، ويقدّمونه عبر طرق معيّنة لتمويل عمل منظَّم عبر مؤسسات لا تبغي الربح، على تنوّعها، لربما تحسّنت فرص العرب الأميركيين على التأثير. اليوم، تنشط حوالى 22 منظّمة ومؤسسة عربية أميركية في الضغط لوقف العدوان على غزة، غالبيتها تتموّل ذاتياً وبشكل متواضع جداً مقارنة بمؤسسات اللوبي الصهيوني. وعند محاولة قياس تأثيرها، وخاصة في الحزب الديموقراطي، نكتشف أنّ النخبة السياسية الأميركية تتعاطى معها على قاعدة: لا أراكم!
المصدر: الأخبار البنانية