الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / عندما يلغ ميشيل كيلو بدماء الشهداء مثل كلب أجرب!

عندما يلغ ميشيل كيلو بدماء الشهداء مثل كلب أجرب!

تفجير مبنى الأمن القومي بدمشق 18 تموز 2012

عندما يلغ ميشيل كيلو بدماء الشهداء مثل كلب أجرب!

نزار نيوف

آخر ما كنا نفكر به هو أن نجد أنفسنا أمام موقف من هذا النوع؛ موقف نستخدم فيه تعابير قاسية وجارحة مثل فعل شفرة حلاقة في بؤبؤ العين بحق مثقف كبير مثل ميشيل كيلو، كنا نعتبره دائما ـ أيا يكن موقفنا منه سياسيا ـ جزءا عضويا من ثقافتنا الوطنية الديمقراطية. لكن ما ارتكبه ميشيل كيلو يوم أمس لا سابق له ، ولم يتجرأ أحد على قوله سوى صنفين من الناس : مجرمي الأخوان المسلمين الذين دخلوا يوما إحدى الكليات العسكرية وذبحوا فيها العشرات من طلابها خلال دقائق ، ومجرمي جيش يشوع التلمودي . بل إن مجرمي إسرائيل ، والحق يقال ، كثيرا ما كانوا أكثر شرفا من الأخوان المسلمين ومن ميشيل كيلو في موقفه أمس ، فقد تعاملوا بأخلاقيات الحرب عندما تعلق الأمر بمواجهة ضباط وعسكريين من جيوش معادية . نقول ” كثيرا”، ولا نقول “دائما”، لأننا نعرف أنهم قتلوا يوما ما مئات الضباط والجنود المصريين والسوريين الأسرى بعد أن أمروهم بحفر قبورهم بأيديهم.
ما قاله ميشيل كيلو يوم أمس ، ونقلته عنه قناة “الجديد” اللبنانية، عصي على الوصف. هو ليس فجورا ، ولا عهرا، ولا خيانة وطنية ، ولا إجراما، ولا انحطاطا أخلاقيا وسياسيا ، ولا سفالة . هو ذلك كله مجتمعا. بل هذا مجرد بعض ما يمكن أن يوصف به.

كيلو وصل به عهره حد وصف مرتكب جريمة مكتب الأمن القومي بالبطل والمناضل. قال كيلو ما حرفيته “ان منفذ تفجير مكتب الأمن القومي في دمشق الذي ادى الى مقتل وزير الدفاع السوري العماد داوود راجحة ومساعده ورئيس خلية الازمة حسن التركماني، مناضل لانه قام بقتل من كان يقصف قريته و يقتل اهله”، موضحاً بالقول” ان من يدافع عن نفسه ليس ارهابياً”.

على المستوى الأخلاقي البحت ، وبعيدا عن أي توصيف سياسي ، ينتمي قوله لعقلية قطاع الطرق وأخلاقيات زعماء العصابات الإجرامية.أما حقوقيا فيمكن ملاحقته عليه قضائيا ، ليس أمام القضاء السوري ، ولكن حتى أمام القضاء الأميركي نفسه ، فهو ينطوي على تحريض واضح على القتل وارتكاب الجريمة والإرهاب المنظم. فاغتيال القادة الثلاثة ، داود راجحة وحسن تركماني وآصف شوكت ، ينتمي ـ بلغة القانون الصرفة ـ إلى جرائم الاغتيال السياسي والإرهاب المنظم.

أكثر من ذلك؛ إذا ما جرت ملاحقة ميشيل كيلو أمام القضاء مثلا ، ومرة أخرى نقول القضاء الأميركي أو الفرنسي (الذي يحكم البلد الذي يقيم فيه الآن)، يمكن الدفع بما يلي على المستوى القانوني المحض:

ـ ليس هناك أي دليل على أن أيا من الثلاثة قام بقتل أحد خلال الأزمة الوطنية التي تعيشها سوريا، سواء مباشرة أو مداورة عن طريق إعطاء الأوامر. والدليل على ذلك ليس معرفتنا الأكيدة والبدهية بأن أيا منهم لم يقم بذلك ، بل وثيقة حصلت عليها القناة الوهابية ، المسماة بـ”العربية”، وليس قناة “الدنيا”، دون أن تلفت الانتباه إلى مضمونها، حيث أبقتها “مدحوشة” بين عدد كبير من الوثائق نشرت بعضها، لعلمها بأن الوثيقة لا تبرىء الثلاثة فقط ، بل والنظام كله برمته من جرم إعطاء الأوامر بالقتل. وكان ذلك حين استضافت في 17 نيسان / أبريل الماضي المدعو عبد المجيد بركات ، الموظف الإداري في “خلية الأزمة” الذي هرب ومعه كمية من الوثائق التي كان يحصل عليها بحكم عمله على الكومبيوتر وفي أعمال السكرتاريا الخاصة بـ”خلية الأزمة” التي كان يترأسها القائد الشهيد حسن توركماني. فالوثيقة ، وهي محضر اجتماع “خلية الأزمة ” بتاريخ 24 / 7 / 2011 ( اضغط هنا لقراءتها)، تتضمن في فقرتها السابعة مقررا من مقررات الاجتماع ، وهو “التحقيق في إطلاق النار على المتظاهرين ، وإحالة المرتكبين إلى الجهات القضائية المختصة”. وبما أن الوثيقة خاصة بمحضر اجتماع سري ، وليست نشرة أخبار للتلفزيون الرسمي، لا يمكن إلا أن نأخذ مضمونها على محمل الجد ، أو على الأقل ـ وبالمعنى القانوني دائما ـ إنها تشكل دليلا ، بالضد ما قاله كيلو ويقوله آخرون بمن فيهم نحن ،على براءة السلطة من إعطاء أوامر بإطلاق النار على الناس، فكم بالأولى قصف القرى.
ـ إن غياب أي دليل على وجود أوامر من قبل أي هؤلاء الثلاثة ، بل وجود ما هو مضاد لذلك تماما ، يعني من الناحية القانونية تحويل الجرائم المرتكبة من قبل عناصر الجيش و / أو الاجهزة الأمنية إلى “ممارسات فردية” ، بالمعنى القانوني للكلمة. وبالتالي، فإن من يتحمل المسؤولي هم مرتكبو هذه الجرائم بصفاتهم الفردية.

ـ إن من ارتكب جريمة مكتب الأمن القومي ليس أحد الذين تعرضت عائلاتهم لاضطهاد السلطة ، بل موظف أمني هو مدير مكتب هشام الاختيار شخصيا ، الذي أدخل المتفجرات بأوامر من جهاز استخبارات أجنبي أو أكثر ، كما أصبح معروفا ومحسوما، وإلا لكان بالإمكان التعاطي مع الجريمة و “تبريرها”، ولو بالمعنى “البدوي” أو العشائري ، والقول إنها جريمة ” ثأر” أو ” فورة دم مبررة”!

ولكن ماذا على المستوى السياسي؟

بغض النظر عن موقفنا السياسي من قادة النظام الذين استشهدوا وجرحوا ، بوصفهم جزءا من سلطة سياسية وأمنية أمعنت فينا تنكيلا واضطهادا على مدى سنوات طويلة، وبعضهم (مثل هشام الاختيار) عذّب هو شخصيا بيديه وقدميه ـ وليس عبر جلاديه ـ كاتب هذه الكلمات، نذكر هذا القذر ميشيل كيلو بما يلي :

ـ إن القائد الشهيد داود راجحة والقائد الشهيد حسن تركماني هما من قادة الجيش السوري . وبمعنى ما هما من ورثة القائد الشهيد يوسف العظمة. أكثر من ذلك : إننا نعرف ، ربما أكثر من غيرنا، ما الذي قام به توركماني ، وخصوصا راجحة، خلال السنوات الأخيرة، من أجل إعادة بناء الجيش السوري على مستوى إعادة الهيكلة والتسليح والتنظيم في ضوء الدروس المستفادة من حرب تموز الإسرائيلية على لبنان؛

ـ إن القادة الشهداء الثلاثة راجحة وتوركماني وشوكت من أبطال حرب تشرين ، كل في سلاحه ، ولا يلغ في دماء أبطال حرب تشرين إلا الكلب الأجرب والمتصهين القذر والأداة الحقيرة في يد يشوع التلمودي؛

ـ إذا كان من أحد يحق له أن “يشمت” بما حصل ، رغم أن الشماتة بموت الناس هو من شيم النفوس الكلبية، فليس سوى نحن وليس ميشيل كيلو. فنحن من تعرض لاضطهاد هؤلاء وليس هو . بل إن ميشيل كيلو كان يتعيش على نعيم السلطة ويضرب بهراوتها منذ أن عاد إلى سوريا في العام 1988 بعد مصالحة أمنية مع السلطة وحتى وفاة مؤسس النظام حافظ الأسد . ووصل في علاقته العاهرة مع مافيوزات السلطة وبارونات مافياتها حد أنه تحول إلى “مبيض أموالها”. فهو ( ومعه الآن رفاقه سمير العيطة و حازم نهار وآخرون ) من تموّل ويتمول من ثروات آل طلاس التي جنوها من استيراد مئات الأطنان من لحم “البقر المجنون” يوم قررت أوربا إعدام الإبقار المريضة ، فتطوع فراس طلاس لاستيرادها وتصنيعها مرتديلا قبل توزيعها على الجيش بفضل والده وزير الدفاع. ومن مصادفات الدهر العجيبة أن مئات السجناء السياسيين أكلوا من لحم هذه المرتديلا ، بحكم كون طعام السجون هو طعام الجيش نفسه، وبعضهم من أصيب بالتسمم ، ككاتب هذه السطور.

ـ إن ميشيل كيلو كان يأتمر بأوامر بهجت سليمان فينشر مقالات للتشهير بمعارضين وطنيين حين كان هو يلعق أحذية السلطة ، وحين كان المؤتمر العاشر لحزب السلطة في العام 2005 ، وبتوصية من عضوي المؤتمر بهجت سليمان وماهر الأسد، يعينه عضوا مقررا في ” لجنة تطوير فكر حزب البعث”! ولدينا رسالتان من الشهيدين جبران التويني وسمير قصير تؤكدان أن رستم غزالي (حاكم لبنان آنذاك) أمر محررا في “النهار” بنشر مقال لميشيل كيلو في العام 2004 للتشهير بأحد المعارضين السوريين بعد أن رفض المحرر نشره خشية الملاحقة القانونية، لأنه مليء بالشتائم الشخصية.

ـ لعب ميشيل كيلو دوما، أو على الأقل منذ عودته عبر البوابة الأمنية إلى سوريا في العام 1988 ، دور القحبة ، بالمعنى الدقيق للكلمة. فقد كان ، ولا يزال، يقفز من حضن قواد سياسي إلى آخر. إذ بعد صمت دام منذ خروجه من سوريا نهاية السبعينيات وحتى وفاة الأسد الأب، واتته الشجاعة فجأة كي يشتغل “معارضا”. لكنه ما لبث أن تحول ( مع صديقه عبد الرزاق عيد قبل أن ينهشا بعضهما على العظمة التي ألقتها السلطة لهما في العام 2005) إلى طبال وزمار لبشار الأسد ولـ”برنامجه الإصلاحي”. وظل كذلك إلى حين مقتل الحريري الذي قلب المعادلات السياسية وموقع النظام السوري منها. عندها ، وبمشورة من السفارة الأميركية بدمشق ومن رياض الترك، توجه سرا إلى المغرب للاجتماع بعلي صدر الدين البيانوني للاتفاق معه على “إعلان دمشق” الذي مولته ـ كما تأكد لاحقا من خلال تسريبات وثائق “ويكيليكس” وما نشرته “واشنطن بوست” ـ وكالة المخابرات المركزية بأكثر من ستة ملايين دولار. وخلال الفترة التي سبقت ذلك كان متعيشا على نعم السلطة ، سواء من خلال الدلال الذي خصته به وزارة الثقافة التي كانت تطبع له كتبه المترجمة، أو من خلال الحظوة التي خصه بها خليله بهجت سليمان ( في الفرع 251 ) أو المؤتمر العاشر لحزب البعث في العام 2005 ، حين قرر المؤتمر تعيينه ” عضوا مقررا في لجنة تطوير فكر حزب البعث”، وهي اللجنة التي لم تر النور، والتي كانت سببا في النهش الذي تبادله مع عبد الرزاق عيد على صفحات الإنترنت ، إذ كان عبد الرزاق عيد موعودا هو الآخر بها باعتباره ” القيم على إرث ياسين الحافظ” لمجرد أنه طبع كتابا عنه ، كما قال مرارا وتكرارا في مجالسه الخاصة. وحين اعتقل كيلو لاحقا، فإنما “بسبب اجتماعه مع البيانوني وتآمره معه ومع السفارة الأميركية” ، وليس لأي سبب آخر. أي لسبب جنائي محض يطاله عليه قانون العقوبات ، وليس لسبب سياسي صرف كما يعتقل السياسيون من قبل سلطة ديكتاتورية.

ـ عندما تأسست “هيئة التنسيق الوطني” صيف العام الماضي، كان من أبرز مؤسسيها. لكنه سرعان ما غادرها بعد تأسيس “المجلس الوطني السوري” وإدراكه أن ميزان القوى ، وبفضل الموازين الأميركية ، يتحول لصالح ” المجلس” الوليد. وكان هاجسه دوما أن يحصل على حظوة فيه ، حتى وإن انطلاقا من اعتباره”ذميا” . وحين لفظه أهل “المجلس” الإسلاميون ، سارع إلى تأسيس “المنبر الديمقراطي” بأموال “لحم البقر المجنون” التي أسبغها عليه فراس طلاس وببعض ما استطاع زميله الآخر ، قواد عزمي بشارة والمخابرات القطرية حازم نهار، الحصول عليه من الحمدين القطريين! ولم تكن خطوته تلك إلا لقضم ما أمكن من بنية “هيئة التنسيق الوطني”، كجزء من الخطة القطرية لضرب “الهيئة” التي شكلت حجر عثرة في وجه اعتبار “المجلس الوطني” الممثل الشرعي”الوحيد” للشعب السوري.

يوم أمس طوى ميشيل كيلو، وإلى الأبد ، الصفحة التي كنا نفتحها له في كتابنا. فمن يشيد بقتل عسكريي الجيش السوري، قدس أقداس كرامتنا الوطنية ، لن يستحق منا سوى اللعنة. أما الشهداء الثلاثة، ورغم ما نالنا من بعضهم من أذى لا ينسى وعاهات في أجسادنا لا شفاء منها، فلا يستحقون منا سوى الصفح والترحم ، وحسبهم أن ما يشفع لهم … بزة “الكاكي” التي سقط عشرات الألوف من شهداء الجيش السوري وهم يرتدونها، وما علق على أحذيتهم من تراب الجولان الطاهر وهم يواجهون جيش يشوع التلمودي.

هذه أخلاقنا وتلك أخلاقهم.

عن موقع الحقيقة http://www.syriatruth.org

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *