الرئيسية / الملف السياسي / فلسطين المحتلة / حتى لا يكون ثمن المصالحة أفدح من ثمن الانقسام نفسه….

حتى لا يكون ثمن المصالحة أفدح من ثمن الانقسام نفسه….

مظاهرات شبابية في رام الله تنادي بالوحدة على مبدأ التحرير لا المصالح كاميرا صوت المنارة

حتى لا يكون ثمن المصالحة أفدح من ثمن الانقسام نفسه….

خالد ياسين

ليس من باب التشاؤم او نبش الماضي والبكاء على أطلال لا يمكن ترميمها، ولا من باب السوداوية واستباق الأمور بالتشاؤم المأساوي والاحكام المطلقه، بل من باب الحرص على حضور الرؤيا النقدية والحرص على مصلحة شعبنا، والرغبة الشديدة في الخروج من مأزق العدم القاتل والحاضر المغلق الى فضاء الامل الحقيقي بشيئ جديد.

من هذا الباب أقول وبأسف شديد ان المصالحة الفلسطينية لن تصمد وان صمدت لن تقدم لقضيتنا ومشروعنا التحرري اي جديد الا اذا فهمنا ما علينا عمله بالتحديد ارتباطا بحاجة المرحلة وحاجة شعبنا للحرية والاستقلال وما يترتب على ذلك من خطوات مسؤولة وجاده باتجاه تحقيق اهدافه.
فشعبنا الذي عانى كافة صنوف العذاب على مدار ما يقارب الثلاثة ارباع قرن يستحق ان يرتقي قادته ومسؤوليه الى مستوى مراعاة احلامه وطموحاته والتعامل مع احتياجاته بشكل اكثر جدية وان يكونوا بالمستوى الذي يتوقعه منهم وبالتالي يستحق ان ينهي الطرفين انقسامهم على اساس واحد وهو خدمة هذا الشعب وقضيته العادله وليس وفقا لاي حسابات تتعلق بالمرحلة وضرورة حماية المصلحة الخاصة لهذا الطرف او ذاك.
لقد حدث هذا الانقسام على غفلة من اعين عامة الناس وكانه جرح من سكين قادم من اعماق فكر اسود ترك اثاره عميقا في جسد وذاكرة الوطن والمواطن.
لم يكن هذا الانقسام تعبيرا عن اي ارادة شعبية او خيار شعبي بل كان مصادرة لمرحلة أقتلعت من مسارها عنوة والقي بها في متاهات دموية شوهت النسيج الفلسطيني وعانى منها شعبنا سنوات من تدمير للوعي الجماعي ومصادرة للحريات والحقوق الخاصة والعامة.
لم يكن هذا الانقسام ضرورة موضوعية لا مناص منها بقدر ما كان مخرجا ذاتيا لازمة فصيلين فقدا القدرة على الاستمرار بسياسات وطروحات نتيجة اغترابها عن الواقع وعجزها عن كونها بديل رائد قادر على قيادة شعبنا نحو الخلاص او بالحد الادنى بديلا يقدم برنامجا عمليا يحظى باجماع شعبي عام يضعنا على بداية طريق يمتلك رؤيا واهداف واضحة.
لم يأت الانقسام كنتيجة خلاف على الهم العام لان العام يوحد لا يفرق بل جاء اختلافاً على اجندات فرضها الواقع الاقليمي على الطرفين، وثقافات عاجزة عن تفهم الاخر والتعايش معه كضرورة تمليها مرحلة تستوجب الوحدة امام محتل لا زال يربض على صدر الوطن بكل عنجهية وغطرسة.
الانقسام خطيئة كبرى الحقت بقضيتنا وبوحدتنا اضرار فادحة لا يجوز تجاهلها وبالتالي لا يجوز القفز عن حق الشعب باعتذار عميق اولا وعن حقه في الخلاص من المرحلة السابقه بكل انعكاساتها السلبية ثانيا.
لا يجوز للطرفين التغاضي ولو عن التفاتة صغيرة تشعرنا بندمهم وحسرتهم على الدماء التي سفكت والحريات التي انتهكت على ساحة ليست هي ساحة الصراع الحقيقي بقدر ما هي ساحة هزيمة المت بنا جميعا.
فكيف نصدق نوايا الطرفين بدون ان نرى فعلا حقيقيا على الارض يتجاوز حالة ويدخل حالة اخرى بكل مكوناتها؟؟.
وكيف لنا ان نثق باي جديد ولا زالت ذات الثقافة التي انتجت الانقسام متجذرة في رؤية كل طرف للاخر؟؟
لم تاتي حماس باعلان انطلاقتها في اواخر ثمانينيات القرن الماضي كشريك للتشكيل الوطني الفلسطيني المكافح، بل جاءت لتطرح نفسها كبديل نظري وبرنامجي عن فصائل العمل الوطني الفلسطيني ذات التراث الذي حافظ على القضية حيه وحماها من كافة محاولات الطمس والتهميش باجهاض الكثير من مشاريع التصفية وخلق البدائل عن ممثليها اللذين انتزعوا شرعيتهم بفعل النضال والتضحيات، الى ان جاء توقيع اتفاقيات اوسلوا بعد سنوات قليلة فقط من انطلاقة حماس لتعزز مفهوم هذه الاخيرة حول عجز منظمة التحرير وضرورة اقصائها والعمل على ايجاد بديل اصولي عنها ولتعيدنا أيضا الى المربع الاول ولكن في ظل ظروف غاية في التعقيد حمّلت المرحلة ومشروعنا التحرري الذي كان ينكفئ بفعل المتغيرات الدوليه اعباء اضافية جسيمة.
فحماس امتداد الاخوان المسلمين بفكرهم الذي يكفر ويخطئ كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني من يساره الى يمينه لم تدخل ساحة النضال الفسطيني برؤيا الشراكة والوحدة، بل كما اسلفنا كبديل اقصائي لا يقبل الاخر ولا يفهم مبررات وجوده، ولا نقصد بالاخر هو الفصيل فقط بل يشمل عموم شعبنا الفلسطيني الذي لا يتماهى مع ايديولوجيا حماس.
هذا الفكر الاقصائي الذي لا يقبل الاخر المختلف معه كشريك يتجلى بكل خطورة في موقفه من ارادة الشعوب وسعيه الى مصادرة حقها في الاختيار الحر لمصيرها والنيابة عنها بغض النظر عن توجهاتها كونه يتعامل مع حكم السماء وما على اهل الارض الا الرضى والخضوع.
ومع ان حماس خاضت النضال الوطني الفلسطيني وتشاركت مع العديد من فصائله في العمل الكفاحي او حتى الديمقراطي وما راينا من تحالفات في الانتخابات مع نقيضها الايديولوجي احيانا، الا ان هذه الشراكة بقيت في اطار خدمة المصلحة الخاصة والاجندة الواحدة ولم تكن تحولا حقيقيا نحو فهم اعمق لمقتضيات مرحلة حاسمة كمرحلة التحرر الوطني التي يعبرها شعبنا، لم تحدث هذه السنوات بما تخللها من نضال وعمل جماهيري اي فرق في المفهوم التقليدي ولم تتحول شراكة الدم والهم الى ثقافة يمكن ان تؤسس لتحول جذري في ثقافتهم الموروثة عن حزبهم الام.
وكما هو حال حماس لا يختلف عنه كثيرا حال فتح الغائبة كحركة تحرر والحاضرة كمشروع سلطة تلتزم مع العدو بمشروع تسوية لا يحظى باي شرعية وطنية او شعبية.
تشترك فتح مع حماس في ادارتها الظهر للارادة الشعبية الحرة وتحديدا فما يتعلق بالموقف من منظمة التحرير ومؤسساتها حيث استولت عليها وصادرتها ووظفتها لخدمة مشروعها الطبقي الذي نما بديلا عن مشروعها التحرري هذا المشروع الذي قامت عليه فتح منذ انظلاقتها.
لقد تصاعدت المصلحة الطبقية داخل فتح بفعل سيطرتها على المال والمؤسسة ودعم النظام العربي المنهار لها بغية ايجاد عنوان فلسطيني لين ومطاوع يمكن ترويضه وفق شروط مرحلة عربية عالمية عمدت العديد من القوى المتنفذة الى الاعداد لها خدمة لمصالحها واستمرار نفوذها.
لقد تنكرت القيادة المتنفذة في فتح على مدار عقود لكافة المطالبات باصلاح منظمة التحرير واعادة بنائها على اسس ديمقراطية تضمن تأدية مهامها بشكل سليم وتخليصها من البيروقراطية والفساد والاصلاح السياسي، وتصويب النهج الوطني حتى اوصلنا هذا التنكر والاستفراد بالقرار الى توقيع اتفاقية اوسلو بين قيادتها وبين العدو برعاية رجعية وامبريالية خالصة.
لم تستجب فتح للارادة الشعبية الرافضة للدخول في تسوية غير مضمونة النتائج، وصمت اذانها عن الاصوات المحذرة من الوقوع في شرك التسوية، ولم تعطي اي اعتبار لمواقف الفصائل التي شاركتها النضال على طول امتداد سنين ثورتنا.
انها ذات الثقافة الاقصائيه التي تتنكر لارادات الشعوب وترفض الشراكة في صنع القرار وتقرير المصائر، وتغلب الخاص على العام.
هذه الثقافه المشتركة بين الفصيلين والتي لا تغادر محيط الذات هي التي اوصلتنا الى الانقسام والحقت اضرار فادحة بقضيتنا وتاريخنا وحلمنا بالحريه.
فهل تغيرت هذه الثقافه؟؟
هل نما مكانها ثقافة اخرى وحدوية جمعية بين ليلة وضحاها؟؟
هل ذهب الطرفان الى مصر لتوقيع صك المصالحة نادمين على سنوات الانقسام متطهرين من التبريرات الفجة لمرحلة لم تكن ملكا لاحد وكانها سرقت من تاريخنا بل سرقته باكمله؟؟
كان من الافضل بما لا يقاس لو جاءت هذه المصالحه في سياق مشروع وحدوي فلسطيني يشمل كافة الفصائل والقوى والتيارات ويجمعها حول برنامج كفاحي ملزم يمكن البناء عليه للخروج من حالة التشرذم والتفكك وغياب الرؤيا الناضجه لدى الكل بدون استثناء، كان يجب في السياق نفسة ان نغادر مرحلة لا يختلف اثنان على مدى سوئها وان ندخل مرحلة جديدة تستجيب للتحديات والمهام المنتظرة منذ سنوات بدون اي انجازات تذكر.
ان مراجعة التاريخ وفقا لرؤيا نقدية علمية مسؤولة ووضع اليد على الانجازات والاخفاقات وصياغة البرامج والاليات وفقا لاستخلاصات هذه المراجعه هي ارقى السبل للتطور واقصرها لبلوغ الاهداف على كافة المستويات الخاصة منها والعامه وهذا ما اثبتته تجارب الشعوب التي سبقتنا الى الحرية.
ولو حدثت مثل هذه المراجعة لتجاوزنا العديد من المشكلات والمعضلات ومن اهمها استمرار التزام السلطة باتفاقيات اوسلو التي كانت شرارة الاقتتال الذي ادى الى الانقسام ونشر بذور الفرقه في الصف الفلسطيني.
لان بقاء هذا الالتزام هو عائق اساس لا يمكن تجاوزه في وجهة اي مشروع وحدوي حول برنامج واحد يلغي حالة تعدد المرجعيات والولاءات والاجندات التي تكاد تكون في اغلبها متناقضه وغير متفقه.
لن نخوض اطلاقا في تفاصيل نص المصالحة. على ماذا اتفقو، او ماذا تركوا بدون اي اتفاق، لان كل هذه التفاصيل اذا اغفلنا ما ذكرناه سابقا لن تحدث فرقا حقيقيا في واقعنا الفلسطيني هذا اذا لم تلقي بنا في متاهات اضافية نحن بغنى عنها.
المطلوب الان اكثر من اي وقت مضى توظيف كافة امكانياتنا من اجل تعزيز ثقافة الشراكة والوحدة وتحريم الاقتتال والاعتقال السياسي والتعدي على الحريات والتركيز على قراءة علمية لطبيعة المرحله ومهامها كمرحلة تحرر وطني وديمقراطي تستوجب تجميع الجهود وتغليب التناقض الاساسي مع العدو على اي تناقضات ثانوية اخرى.
يجب ان نزرع ونروي ونحمي بكل قوانا ثقافة الوطن… ثقافة المجتمع… ثقافة الانسان والحرية حتى لا يكون لهذه المصالحة ثمنا افدح من ثمن الانقسام نفسه.

عن مجلة كنعان الألكترونية 24 أيار 2011

عن prizm

شاهد أيضاً

الحرب على قطاع غزة أمام لحظة فارقة…

21 شباط 2024 أنطوان شلحت ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *