الرئيسية / الملف السياسي / الوطن العربي / التآمر على سوريا بين الحقيقة والوهم

التآمر على سوريا بين الحقيقة والوهم

خيارات سوريا الوطن والشعب: إما التبعية أو التدمير

التآمر على سوريا بين الحقيقة والوهم

أ.د. محمد أشرف البيومي *

هل هناك تآمر على سوريا الدولة والشعب أم أن هذا هراء وافتراء من قبل سلطة قامعة متشبثة بالسلطة حتى آخر رمق؟ أو من قبل مثقفين موالين لهذه السلطة أو متمتعين بدرجة عالية من السذاجة؟

منهجيا يمكن الإجابة علي هذا التساؤل الهام علي مستوين متداخلين أحدهما هو إعمال المنطق والآخر هو اعتماد (كافة وليس بعض) الوقائع الثابتة والتقارير والتصريحات الرسمية والأفعال الأمريكية. وإذا كنا نتبنى التحليل العلمي فلا بد أن نؤكد أن هذا يعني الالتزام بأسس منهجية واضحة ومعرفة موثقة وليس علي أساس انطباعات مستقاة من إعلام ودعايات لها انحيازات سياسية واضحة سواء كانت مناهضة للنظام السوري أو مؤيدة له. كذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون تقييمنا للأمور دقيقا وأن يكون الموقف المبني علي هذا التقييم صحيحا أو مؤديا إلي أفضل الاختيارات المتاحة إذا كان معتمدا علي أساس بُعد واحد وليس بشكل شامل ومن خلال رؤية كاملة للصورة بأبعادها التاريخية والجغرافية والسياسية. هذه النظرة الكلية والشاملة هي في غاية الأهمية خصوصا ونحن بصدد حالة تشتبك فيها ممارسات سلطوية مرفوضة بل مدانة مع مواقف قومية مقاومة وتستخدم الأولي كحجة لارتكاب ما هو مدان جذريا لكونه جريمة ضد الوطن بأكمله تمتد تداعياتها وآثارها المدمرة لفترات زمنية طويلة.
بالطبع لا أوجه حديثي لمعارضة لا يشغلها كثيرا التبعية لقوي الهيمنة الأجنبية أو الرجعية العربية ولا من يسعي لتكون سوريا دولة وهابية تحت حكم شمولي آخر يقمع هذه المرة باسم الدين يتبع سياسيا لقوي الهيمنة الغربية التي لا يمانع في مغازلتها بل يتعاون معها وهكذا تصبح سوريا أداة لتحقيق إستراتيجيتها في الوطن العربي ومحيطه الإقليمي عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير الملتف بعباءة الديمقراطية وبمذاق إسلامي. لعلنا نتذكر ما حدث من قبل في العشرينات من القرن الماضي والذي نتج عنه تقسيم الأمة العربية واتساع الهيمنة الاستعمارية ناهيك عن اغتصاب فلسطين. فقط أتوجه بحديثي لعموم الشعب السوري وللمثقفين العرب الوطنيين وللمعارضة السورية الوطنية الغاضبة من ممارسات النظام والتي تهدف إلي إجراء إصلاح جذري وحقيقي وسريع ينقل سوريا إلي نظام يتمتع فيه الشعب بحريات واسعة ومشاركة سياسية فعالة وباقتصاد يخدم كل فئات الشعب ويقلل الفجوة بين الأثرياء والفقراء وبمراقبة شعبية جادة تحاصر الفساد والمفسدين، نظام يواجه المخططات الصهيونية والإملاءات الغربية والتآمر العربي الرجعي والإقليمي بدعم فعلي من الشعب. هكذا نريد سوريا نموذجا عربيا يستخدم القوة الشعبية والتقدم العلمي والتماسك الاجتماعي لمواجهة كافة التحديات.

تساؤلات:

هل يمكن أن نري الحقيقة بالنظر إلي جزئيات منفصلة عن بعضها وعن إطارها التاريخي والجغرافي؟ هل يمكن تقييم الأمور من خلال بعد أحادي؟ أليس من الواضح بجلاء أن المنهج التجزيئي الذي يفصل مكونات متفاعلة مع بعضها البعض لأي قضية هامة واختزالها في جزئية واحدة هو خير وسيلة للاستنتاج الخاطئ؟ أليس من الجلي أن التعميمات اللا علمية والمبالغات تبريرية والقصور المعرفي الشديد تؤدي بأصحابها إلي مواقف خاطئة في أغلب الأحوال؟
ما الذي يحدد مسار انتفاضات شعبية تلقائية بدون قيادات موحدة لها برنامج واضح ؟ وما هي احتمالات التوظيف من قبل قوي داخلية أو أجنبية؟ هل هناك نماذج تاريخية معاصرة وأحداث آنية في مصر وتونس تشير إلي أن القوي الأكثر تنظيما وتمويلا ودعما من قوي خارجية عربية وغربية هي الوريث الأكثر احتمالاً للنظام إذا سقط وهي التي ستحدد نوعية الديمقراطية والاتجاهات الاقتصادية والسياسية والقومية؟ ما هي دلالات شعارات الإسلام السياسي والمصاحبة لتغيير الأعلام (استبدال اللون الأحمر بالأخضر في سوريا) ورفع الأعلام السعودية بميدات التحرير بمصر؟
ما مدي صحة المقولة بأن شعب سوريا القومي العربي لا بد وأن يفرز نظاما قوميا؟ وإذا كان هذا صحيحا فلماذا أنجز الشعب السوري الوحدة مع مصر ثم حقق انفصالا مؤلما؟ ألا يقع هذا التناقض في التعميم اللاموضوعي في استخدام لفظ الشعب وعدم التمييز بين شرائحه المختلفة من حيث الثقافة ودرجات الالتزام والوعي والمصالح..الخ؟
هل أصبحت الثنائية قاعدتنا الفكرية التي لا مناص منها؟ وأن علينا الاختيار بين الديمقراطية والتبعية أو الاستقرار والتخلف ؟ وهل يمكن أن نرفض الاستبداد والتبعية معا وفي آن واحد؟
هل تعلمنا شيئا من اختياراتنا السابقة والتي ثبت خطئها المدمر؟ هل استوعبنا حقاً تجربتنا مع العقيد البريطاني لورانس بعقاله العربي؟ ألا يكفي لورانس المخادع وكيسنجر برحلاته المكوكية أم أن البعض أصبح مدمنا ويحتاج دوما للورانس جديد في أشخاص مثل هنري برنارد ليفي أو شخصيات عربية تابعة للإدارات والمخابرات الغربية؟
إذا لم يكن هذا التوقيت هو وقت شجاعة المواقف واليقظة الشديدة والاختيارات الصحيحة مهما كانت صعبة فمتى إذاً؟ هل ننتظر عقدا من الزمن حتى نتيقن ببعد المؤامرة ثم نمضي عقودا بعد ذلك نتحدث ونندب حظنا من سايكس بيكو أكثر وطأة وخرابا؟
لعل البعض يتذكر قصة الجنرال البريطاني الذي أسره اليابانيون في الهند الصينية هو والمئات من جنوده والذي رفض تماما رغم التعذيب أن ينصاع جنوده لأوامر القائد الياباني ما لم تكن هذه الأوامر صادرة منه التزاما بقواعد جنيف وفي النهاية اضطر القائد الياباني تلبية طلبه خصوصا وأنه كان ملزما ببناء كوبري علي نهر كواي لتوفير المعدات العسكرية اللازمة للاحتلال الياباني ومجرد أن انصاع الياباني إلي مطالب الجنرال البريطاني قام الأخير هو وجنوده ببناء الكوبري بهمة ونشاط،وهكذا أصبح البريطاني بتركيزه علي بعد أحادي وعلي رؤية من ثقب جعل نفسه أداة لتحقيق أهداف أعدائه. فكم من الكباري سنبني لأعدائنا من خلال التركيز علي بعد هام وإهمال بعد آخر لا يقل بل قد يفوقها في الأهمية إذا كانت النتيجة المحتملة هي نظام له رتوش شبه ديمقراطي تابع للإملاءات الغربية والصهيونية.

حقائق وتصريحات

تقول المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في المؤتمر الصحفي المنعقد في 16 يونيه 2011 “نحن بدأنا توسيع اتصالاتنا مع السوريين الذين ينادون بالتغيير داخل وخارج سوريا”. تحدثت نولاند عن “الاتصالات الواسعة” التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية مع الحلفاء وتركيا وآخرين وتبادل المشورة في العالم العربي….” وقام بذلك أيضا مساعد الوزيرة فيلتمان سيء الصيت “نحن نزيد اتصالاتنا مع هؤلاء السوريون الذين يقفوا مع التغيير بداخل سوريا وخارجها” وعندما سألت عن نوع المساعدات التي تقدم للمعارضين قالت “لا أريد أن أتحدث أكثر من ذلك في هذا الوقت لأن المحادثات سرية ونحن نريد أن نتمكن من توسيع وتعميق هذه المحادثات” وعندما سألت عن كيفية القيام بالاتصالات مع المعارضة أجابت “لا أعتقد أنه من مصلحة العمل الذي نسعى له لفهم هذه المجموعات واحتياجاتهم والعمل معهم حتى نري سوريا التي يريدون… لن أدخل في تفاصيل عديدة”. نص الحديث يمكن الحصول عليه علي الشبكة الالكترونية.
وفي تعقيب علي تصريحات نولاند يقول ميشيل شوسودوفسكي الأكاديمي الكندي في 17 يونيه 2011 ” أن زعزعة استقرار سوريا ولبنان هو جزء من مخطط امريكي-“اسرائيلي”-حلف الناتو منذ عشر سنوات علي الأقل”. ألا يذكرنا هذا بالتحالف الفرنسي البريطاني “الاسرائيلي” في عام 1956؟ أم أن ذلك كان وهماً أيضا؟ ذكر الجنرال ويسلي كلارك القائد السابق لحلف الناتو أن “خطة حملة الخمس سنوات.. شملت سبع دول بدءا بالعراق ثم سوريا ولبنان وليبيا وإيران والصومال والسودان” انظر كتاب انتصار في الحروب الحديثة Winning Modern Wars, W. Clark صفحة 130. نلاحظ أن مصر وتونس واليمن ليست من الدول السبع!!
ألم تعترف الصحافة الغربية (واشنطن بوست، نيورك تايمز والإندبندت وغيرها) أن هناك مجموعات مسلحة مناوئة للنظام؟ وأن هناك تمويلا لمنظمات سورية معارضة بما في ذلك قناة تليفزيون بردي؟ (راجع تصريحات تامارا واتس مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية في الواشنطن بوست 14 إبريل 2011)
ألم يقرأ المعارضون الوطنيون تصريحات رسمية أمريكية في 13 يونيه 2011 نيويورك تايمز عن مسلحون إسلاميون يسيطرون في الشمال الغربي من سوريا؟ كما ذكرت الصحيفة أن الإخوان المسلمين يتهمون أي شخص يتحدث عن المجموعات المسلحة وتواجدهم المكثف يتهم بأنه مواليا للنظام السوري؟
ماذا كان يفعل ليون بانتا رئيس المخابرات الأمريكية على الحدود التركية السورية في 26 إبريل 2011 ؟
ألم تعلن الإدارة الأمريكية مرارا أن سوريا هي جزء من محور الشر مع إيران وكوريا الشمالية وبذلك حلت محل العراق بعد احتلالها عام 2003 بحجة أن أسلحة من شمال كوريا تهرب إلى حماس وحزب الله؟ فبعد أن كان محور الشر حسب خطاب بوش عام 2002 يشمل كوريا الشمالية والعراق وإيران بحجة مساعدة الإرهاب ومحاولة الحصول علي سلاح دمار شمال (مثل الذي تملكه الولايات المتحدة بغزارة) أضاف جون بولتون عام 2002 وزير الخارجية الأمريكي المساعد و الذي أصبح فيما بعد سفير أمريكا في الأمم المتحدة ليبيا وسوريا وكوبا إلى محور الشر كما تحدث شاؤول موفاز وزير الدفاع الصهيوني عام 2006 عن محور الإرهاب بين سوريا وإيران أما الصحفي شارلز كراوثهامر المعروف بصهيونته فأعلن عام 2005 أن بشار الأسد هو” أعتم طبيب عيون أنتجته مدارس الطب لبريطانية” ألا يذكرنا ذلك بتلقيب عبد الناصر بهتلر النيل قبل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956؟ أليس هذا متناسقا مع شيطنة أعداء الإمبريالية؟ ما معني ذلك واقعيا؟ حصار اقتصادي، تآمر سياسي وأمني وإذا لزم الأمر تدخل أو اجتياح عسكري. الم يتبع ذلك اتهام المسئولين السوريين بضلوعهم في مقتل رفيق الحريري حتى أصبحت المحاكمة الدولية والإعداد لها قضية القضايا وتتابع رؤساء لجنة التحقيق الدولية من ميليس إلي براميرتز إلي بيليمار؟ ألم ينكشف زيف الادعاءات والشهود الزور؟ الم يتحول الاتهام فجأة من القيادات السورية إلي حزب الله ؟
ألم تفشل “إسرائيل” الحليف الاستراتيجي المعلن والمؤكد في هزيمة حزب الله والقضاء عليه؟ بل ألم ينتصر حزب الله مرتين الأولي عندما حرر لبنان من القوات “الإسرائيلية” وجيش لحد العميل والمرة الثانية عندما حقق أكبر انتصار تاريخي علي الجيش “الإسرائيلي” في 2006؟ ألا يتبع ذلك ضرورة بل حتمية الانتقام أو محاولة القضاء علي المقاومة اللبنانية ومن يدعمها؟ من الذي دعم هذه المقاومة؟ ألم يساهم النظام السوري بشكل أساسي في هذا الدعم؟ ألا يستحق هذا النظام جزء مهم من شرف الانتصار؟ ألم يعاقب النظام سياسيا واقتصاديا وقضائيا من جراء ذلك؟
الاستنتاج المنطقي أن سوريا حكومة وشعبا مستهدفين من قبل “إسرائيل” وأمريكا وحلفائهما في المنطقة. كيف؟ بإثارة القلاقل داخليا والفتن والقضاء على النظام من الداخل واستخدام نقاط الضعف في المجتمع السوري وأخطاء النظام وتباطؤه في إصلاح جذري واستئثاره بالسلطة وجزء مهم من الثروة واستغلال معاناة شرائح من المجتمع المتضررين اقتصاديا. لماذا نندهش إذاًعندما نقرأ ما جاء في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في 18 آب الحالي نقلا عن الوثائق الدبلوماسية التي سربها موقع ويكيليكس مؤكدة تمويل الإدارة الأمريكية لعناصر داخلية سورية منذ عام 2006. ليس هذا فقط فقوى الهيمنة الغربية تستخدم كل الأدوات المتاحة له مثل أعداء النظام داخليا مثل رفعت الأسد وعبد الحليم خدام الذين لهم علاقات معلنة مع الإدارات الغربية ومؤسساتها المخابراتية. وأيضا استخدام الإخوان المسلمين والسلفيين ومثقفي الليبرالية الجديدة المنتمين فكريا على الأقل للمعسكر الإمبريالي والذين يسقطون القضايا القومية والوطنية والتركيز فقط علي تداول السلطة وتعدد الأحزاب أي “الديمقراطية” حسب المقاس الغربي والمتناسقة مع ما يسمي باقتصاد السوق الحر. وهاهي المؤسسات المالية العالمية تفرض شروطها على الشعب المصري الآن والتي تتطابق مع الشروط التي رفضها عبد الناصر لبناء السد العالي. لا شك أن المناخ القائم يمثل بيئة تمكن انتهازيين لركوب موجة الغضب الشعبي المشروع لتحقيق أهداف سياسية ضيقة كيف؟ إعلاميا بالأكاذيب وتضخيم بعض الحقائق إعلام دعائي يفتقد المهنية حتى أن فير انتقدت الجزيرة لممارساتها الدعائية وليست الإعلامية مما دفع غسان بن جدو للاستقالة بالتهديد والوعيد المحاصرة الإقليمية من قبل الناتو تركيا والدولية باستخدام الأمم المتحدة وبان كي مون مثل وتهريب السلاح عبر الحدود وهنا نتساءل لماذا تتركز المواجهات العسكرية علي الحدود الأردنية اللبنانية التركية والبحر ؟ أليس هذا سؤالا مشروعا؟
أؤكد مرة أخري علي ضرورة أن تتخذ سوريا النظام والمعارضة قراراتٍ شجاعة وحاسمة، فالتاريخ سيدين كل القوي التي ساهمت بوعي أو بقصر نظرفي تفتيت سوريا وتمزيقها لصالح القوي الاستعمارية. إن قدراً كبيرا من المسؤولية يقع علي عاتق المعارضة الوطنية ورموزها التي سمحت بتبنيها شعار “إسقاط النظام” الذي تبنته إن لم تكن دفعت به قوي الهيمنة الغربية والرجعية العربية والتي توظفه لخدمة أغراضها والتي تتنافي مع أهداف المعارضة الوطنية ذاتها. وها نحن نشهد “انتصارا” ليبيا بقيادة الناتو كما شاهد أجدادنا “انتصارا” عربيا بقيادة لورانس والنتائج واحدة فلنعمل بوعي وبجدية لمنع “انتصار” آخر بسوريا وذلك بالدفع في اتجاه إصلاح جذري بسوريا وبإسقاط شعار إسقاط النظام العربي الممانع الوحيد.

* أكاديمي في مجال الكيمياء الفيزيائية ومفكر عربي من مصر

عن prizm

شاهد أيضاً

التنمية بعيدا عن التبعية حلم بعيد المنال..!

4 تشرين الأول 2023 د.محمد سيد أحمد* ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن التنمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *